غزة / ديانا طبيل
لم تدرك أم محمد "33عاما" أن مسلسل تذمرها اليومي من قلة المصروف المخصص للبيت من راتب زوجها الذي يتقاضى قرابة 2000 شيكل شهريا ستكون نهايته والحلقة الأخيرة منه مثولها أمام قاضي محكمة الصلح من اجل تنفيذ حكم الطلاق وتبعاته .
فمنذ أكثر من عامين وحياتها يتهددها الاضطراب المادي والعاطفي في ظل الارتفاع الكبير في غلاء الأسعار الأمر الذي تسبب في العجز عن تلبية احتياجات المنزل إضافة إلى احتياجات أطفالها الأربع ،مما دفعها للعيش في دوامة الغلاء والنكد اليومي.
أم محمد تقول أن ارتفاع الأسعار جعل جميع العائلات غير قادرة على تلبية متطلبات الحياة اليومية وأصبح الغلاء شبحاً يهدد استقرار العلاقة الزوجية.
تقول أم محمد لـ"الرسالة": لم أكن أتوقع أن تذمري من الغلاء المعيشي سينتهي بالطلاق، فمنذ أكثر من ست شهور وأنا أعيش حياة غير طبيعية تفاصيلها اليومية النكد المتواصل من اجل النقود".
بينما تقول أم هيثم "35 عاماً" من سابع المستحيلات أن تخلو جلساتي العائلية من الحديث عن المصروفات والعجز عن تلبية متطلبات البيت، منوهة إلى انه لا مكان للراحة والشاعرية في بيت يعاني ضائقة مادية وتكاليف معيشته أكبر من دخله العام.
يذكر أن مؤشر غلاء المعيشة في الأراضي الفلسطينية لشهر كانون ثاني2011، سجل ارتفاعاً بنسبة 0.12% ، بحسب مركز الإحصاء الفلسطيني، في حين سجلت الأسعار ارتفاعاً بنسبة 2.88% مقارنة مع شهر كانون ثاني من العام 2010،.
فقد سجلت الأسعار في قطاع غزة ارتفاعاً بنسبة 0.09%، نتج بصورة رئيسية عن ارتفاع أسعار مجموعة خدمات المطاعم والمقاهي والفنادق بنسبة 2.45%، وأسعار مجموعة المسكن ومسلتزماته بنسبة 1.0%، وأسعار الخدمات الطبية بنسبة 0.86%، وأسعار النقل والمواصلات بنسبة 0.77%.
جحيم لا يطاق
من جانب آخر فإن الرجال كانت لهم أسبابهم وتبريراتهم الخاصة، فيعتبر بعضهم أن مصروف اليوم يصبح ملحا في الغد، كما أن الزوجات لا يقدرن عجز الرجال عن توفير ما يريدونه ما يحول حياة العائلة إلى جحيم لا يطاق، لا ينتهي بالتذمر والبؤس وعدم الراحة.
أبو شريف "33 عاما" يقول لـ"الرسالة" الغلاء المعيشي الذي يزداد يوما بعد يوم ، أصبح يشكل قلقاً للرجال قد يصل حد الخوف من ثورة زوجته بشكل مفاجئ، بسبب عدم تمكن غالبية الأسر من توفير الحد الأدنى من احتياجاته .
ويضيف: وجدت أن الحل الأسلم أن تدير زوجتي كافة المصاريف، لتجنب سماع مسلسل من "النق" والتعليق الذي لم يترك مجالا للأحاديث اللطيفة الهادئة.
بينما يقول أبو امجد "40 عاما " اقضي الغالبية العظمى من أيام الشهر في إنزعاج وشعور باليأس والإحباط نتيجة عدم تمكني من تلبية جميع مطالب اسرتي الأساسية والكمالية.
ويضيف أعيش بقلق دائم في كل حوار يجمعني بزوجتي لأنه لابد أن نتطرق إلي الأوضاع الاقتصادية والمالية والمتطلبات التي يحتاجها الأبناء والمنزل ، حتى أضحت العلاقات العائلية مشدودة بسبب ضيق الوضع المعيشي والحديث دائماً ينتهي بالمعاتبة والشجار.
تفريغ انفعالي
في هذا السياق تقول الأخصائية الاجتماعية إيناس الخطيب أن الحياة الزوجية بما تحمله من أعباء مسؤولية كبيرة تصبح، على إثرها، العلاقة طردية بين غلاء الأسعار ونقص الحميمية بسبب الانفعالات الداخلية التي يعيشها الزوجان وعدم تمكنهم من تلبية حاجاتهم ، مما ينذر بتراجع الاستقرار العاطفي يوماً بعد يوم.
وتضيف: الحياة الاجتماعية لا تنفصل أبداً عن الحياة الاقتصادية، وكل ما يجب تحقيقه من احتياجات أسرية وزوجية بحاجة إلى المال لذا تشعر العديد من النساء بالعجز التام تجاه متطلباتها الأسرية فتتجه إلى تفريغ انفعالها في التذمر أو العيش في ضغوط نفسية ومادية قد توصلها إلى نموذج من الحياة البائسة والمتعبة لكلا الطرفين.
وتتابع أن تأثير غلاء المعيشة وارتفاع الأسعار تتسبب بأمراض نفسية مثل الاكتئاب والقلق النفسي، مشددة أن الفرد لابد أن يتكيف مع الظروف وبمقدور جميع الأفراد بمختلف حالاتهم الاقتصادية أن يغيروا حياتهم وفق ما تقتضيه الظروف وتقسيم الميزانية على الاحتياجات الضرورية.
وتنوه الخطيب إلى أن تأثير غلاء المعيشة على الحياة الأسرية واضح للكثير من العائلات ، موضحة أن حل المشكلة في يد الأسرة نفسها حيث لابد من الاقتصاد في المعيشة، والتكيف مع الأوضاع الاقتصادية فما يصرف في فترة الرخاء مختلف عما يصرف في فترة الشدة.
وأوضحت أن ارتفاع الأسعار يمكن أن يكون بمثابة "فتيل مشتعل" يهدد الحياة الزوجية، لأن الأزواج والزوجات، خاصة حديثي العهد بمسؤوليات الأسرة، غير مهيئين نفسيا وسلوكيا لمواجهة هذه المتغيرات وغير مستعدين لتغيير نمط حياتهم إلى شكل يتناسب مع واقعهم الجديد، مما قد يوقعهم في مأزق عدم تمكنهم من الوفاء بمتطلبات الأسرة.
وتضيف الخطيب: عدم تلبية احتياجات الأسرة المادية والنفسية يزلزل أسس العلاقة الزوجية قد تصل لحد الانفصال أو قد تنقلب لتصبح قصصا رائعة من الكفاح.