طرابلس – الرسالة نت
لاحقت النكبة أسرة فلسطينية بعد أن استقرت في طرابلس ليبيا لأربعين عاما، بعد نحو عامين من استيلاء القذافي على السلطة، واضطرت للهروب من وحشية المعارك التي يخوضها القذافي منذ أكثر من شهر ضد شعبه.. قضت أسرة جابر إسماعيل 20 يوما منها في محاولة الهروب من العاصمة باتجاه الحدود الشرقية.
التقت «الشرق الأوسط» أسرة جابر صاحب الـ64 عاما بمبنى الجمارك المصرية في منفذ السلوم، حيث تقاسمت همها في غرف المبنى مع أسرة عربية أخرى، بعد أن رأوا الجحيم.
يقول إسماعيل الذي اصطحب زوجته حنان خليل (43 عاما) وطفليهما، أحمد (6 أعوام) ومليحة (3 أعوام)، إنه خرج من طرابلس منذ 20 يوما هربا من المعارك الطاحنة في طرابلس آنذاك، تاركا خلفه كل ما يمتلكه من جهد سنوات العمل في طرابلس لأربعين عاما متواصلة.
اعتقد جابر الذي فر من الهلاك في طرابلس أن الشرق صار آمنا، لكن كتائب القذافي لم تسمح له برحلة آمنة، فعلى طول الطريق إلى بنغازي كانت المعارك تتوسع يوما بعد يوم.
غادر جابر غزة شابا صغيرا وأمضى القسط الأكبر من حياته في طرابلس كنجار مسلح، يقول جابر الذي بدت ملامحه مرهقة تماما ويسيطر الارتباك على كلماته، إنه وأسرته شقوا طريقهم بالكاد إلى الحدود مع مصر، حيث استقروا في السلوم وقد ظنوا أنهم وصلوا إلى بر الأمان، ولكن الحقيقة أن مشكلاتهم قد بدأت.
تواصل زوجته حنان، المريضة بالسكري، قصتهم، وبمرارة قالت لــ«الشرق الأوسط»: «أصبحنا مشردين، لا نحمل جوازات سفر، ولم يأت أحد من السفارة الفلسطينية لمد يد العون لنا، نحن هنا منذ أيام، ننام على الأرض، ولا نجد شيئا ما يحمينا شر البرد»، يلتقط زوجها الذي أصيب بكسر مضاعف في ساقه اليسرى نتيجة سقوطه من الحافلة أثناء رحلة الهرب، خيط الألم ويكمل: «لا أمل في العودة إلى ليبيا ولا يسمحون لنا بالذهاب إلى القاهرة، وطريقنا إلى غزة مغلق».
في الركن الآخر من الغرفة المتواضعة التي حل بها جابر، تتكوم أسرة أخرى، كانت أقل ميلا إلى الحديث، فالأب الذي اصطحب أسرته المكونة من 7 أفراد، الأم وولدان و3 بنات، رفض الإفصاح عن اسمه، لكنه قال لـ«الشرق الأوسط»: «تركنا بنغازي قبل أسبوعين ولم نكن نود أن نتركها»، وأضاف: «لن أتحرك إلا صوب الولايات المتحدة الأميركية»، وعاد من جديد إلى صمته.
لم تكن زوجته بالحدة نفسها، قالت إن اسمها نجيبة بورادو، وفضلت أن تتابع حديثها باللغة الإنجليزية: «نحن من أربيل العراق، السلطات المصرية طلبت منا السفر إلى العراق، وكذلك مسؤولو السفارة العراقية في القاهرة، وفروا لنا تذاكر السفر بالفعل».
تخشى الأسرة من الذهاب إلى العراق، تعلق بورادو: «من نار إلى نار.. هذا ما يقترحونه علينا.. أن نذهب من نار إلى نار»، توضح: «زوجي مطلوب في حادث ثأر في بلادنا ولا يمكنه أن يرجع.. شقيقتي في سياتل بأميركا، ونصر على أن نذهب إليها.. سوف نضرب عن الطعام إذا لزم الأمر حتى يستجيبوا لنا».
وما بين ملامح الأسرتين، ومشهد آلاف الفارين من جحيم القذافي الذين اكتظ بهم المنفذ المصري ثمة قصة مكتومة في الصدور، لا يعرف أصحابها كيف يتخففون منها، وربما صمتوا مؤقتا تحت وقع هول المأساة.