قائمة الموقع

من ملفات القضاء .. بائع الكعك عميل !!

2011-03-21T07:04:00+02:00

الرسالة نت – مها شهوان

بزيه الأسود  وبشرته الحمراء ولحيته الطويلة دخل شاب يبلغ من العمر 28 عاما قاعة المحكمة مكبل اليدين, لكن فور إدخاله قفص الاتهام فك الشرطي الأصفاد من يديه حتى وقف بانكسار واضعا راحتيه على جبينه كي لا يرى أحدا وجهه, حيث علامات الندم والعار مرسومة على محياه.

الشاب العشريني متهم بالارتباط بجهاز المخابرات الإسرائيلية وتخابر معها وشارك بالقيام بأعمال عدوانية ضد الشعب ورصد تحركات العديد من نشطاء الانتفاضة الثانية, وفق تحريات الشرطة.

تفاصيل القضية ترجع قبل بداية انتفاضة الأقصى حينما طلب من إخوته حقه في الميراث الذي تركه له والده ، فإخوانه لم يستجيبوا له ورفضوا إعطاءه ابسط حقوقه من تعليم أو زواج ، فالبعض منهم كان يعتدي عليه بالضرب وينبذونه رغم انه شقيقهم.

انخرط المتهم في صفوف نشطاء الانتفاضة وبات يخرج مع الشباب يقاوم العدو، لكن بعد شهور قليلة من انطلاق الانتفاضة أصيب في رجله وبطنه وأدخل المستشفى, وبعد خروجه منها لقي معاملة أقسى من إخوته مما دفعه الحال للهروب إلى الضفة الغربية بحثا عن عمل يسد رمقه ويؤمن له الحياة الكريمة التي تجعله يكمل نصف دينه, كما ذكر في تحقيقات الشرطة.

وبعد بحث مضن, ظفر بعمل في الزراعة ولم تمض سوى أسابيع حتى عرض عليه صاحب العمل أن يزوجه ابنته بما لديه من مال ، لم يمانع المتهم فتزوجها وأنجب منها وباتت علاقته متينة بإخوتها الذين كانت أخلاقهم منحلة ودائمي المكوث في إسرائيل ، فقد كان يعتقد أنهم يعملون هناك .

بائع كعك

روى المتهم أمام الحضور داخل المحكمة أنه جاءه اتصال ينصحه بالابتعاد عن زوجته وإخوتها فهم يتخابرون مع العدو لكنه لم يصدق وأغلق سماعة الهاتف رغم انه كان يلاحظ بعض التحركات الغريبة عليهم وأسئلتهم الدائمة له عن بعض المقاومين في غزة.

وسرد تفاصيل وقوعه في وحل العمالة حينما جاءه اتصال هاتفي آخر من رجل يدعي انه من المقاومين ويريد معرفة تحركات بعض شباب المنطقة بحجة أنه يبتغي التأكد من سلوكياتهم فاستجاب العميل ظانا أنه يخدم وطنه، حتى سارع واستخدم عرباية كعك وبدأ يتجول في الشوارع ليبيع ويتعرف على الشباب عن قرب .

وعند عودته للبيت كان يتصل على الرجل الذي يدعي أنه مقاوم ويعطيه كافة المعلومات ، حتى طلب منه الأخير المجئ إليه ليقابله ويكافئه على عمله وقدم له ألف شيكل حتى تشجع أكثر لتقديم المعلومات التي كان يظن أنه يخدم وطنه بها.

وبعد ثلاثة أيام من ملاقاته للعميل سمع نبأ استشهاد أحد المقاومين الذي قدم عنه معلومة للرجل  مما أصابته الدهشة ، ولم تمض دقائق حتى اتصل الرجل عليه داعيا إياه لمقابلته حتى قابله وحصل ما لم يكن يتوقعه لاسيما حينما أزاح الرجل اللثام عن نفسه واعترف له أنه عميل وأوقعه في المستنقع معه وانه في حال لم يستمر في تقديم المعلومات سيبلغ الجهات الأمنية عنه بالدليل، مما جعل الشاب العشريني يرضخ لطلب العميل حتى تمادى في عمله الدنئ وبات يضع عبوات ناسفة في سيارات المناضلين.

عاد العميل إلى غزة وكانت سمعته السيئة قد سبقته اليها , وفور وصوله استقبلته الجهات الأمنية ملقية القبض عليه وواجهته بالتهمة حتى اعترف بالعمالة .

مستنقع العمالة

انتفض وكيل النيابة من مقعده في قاعة المحكمة وطالب القاضي ومستشاريه بإيقاع أقصى عقوبة على المتهم لأنه عميل ولابد من أن يكون عبرة لكل من تسول له نفسه بخيانة وطنه، في المقابل وكيل المتهم دافع عنه بحجة أنه لم يكن يعلم بداية الأمر ما يقوم به ، ويشعر بالندم حيال ما اقترفه من عمل مشين .

رفعت الجلسة ودخل القاضي ومن معه إلى قاعه أخرى للتشاور في الحكم حتى خرجوا وأصدر الحكم بسجن المتهم مدة ثلاث سنوات مع النفاذ اخذين بعين الاعتبار ظروف المتهم التي أوقعته.

رئيس محكمة بداية غزة أشرف فارس برر الحكم قائلا :"وفق التحريات والتحقيقات فإن المتهم كان يوصل معلومات تتعلق بتحركات المناضلين دون أن يدرك ما يفعله بداية الأمر، علاوة على أنه ليس من أصحاب السوابق ".

وأضاف فارس:" المحكمة نظرت للقضية من جميع جوانبها وظروفها المتعلقة بالمتهم وراعت في الظروف المخففة والمشددة, لذلك كانت عقوبة المتهم رادعة ومقبولة خاصة أن الحكم لم يستأنف من قبل النيابة".

وأشار القاضي إلى أن التخابر مع العدو من الجرائم الخطيرة ولا يقع فيها إلا ذوي النفوس الضعيفة الذين يعانون ضعف الوعي والإدراك في مدى خطورة تلك الجرائم ، موضحا أن العدو في كثير من الأحيان يستغل الشباب في إثارة الإشاعات وضعف الإرادة .

وبحسب فارس فإن القضاء يقف موقفا صلبا لكل من تسول له نفسه بالتخابر مع العدو ضد أبناء وطنه، ناصحا الشباب بأن يحتاطوا لمثل تلك الأساليب خشية الوقوع في مستنقع العمالة كي لا يجلب العار لنفسه ولأسرته ، بالإضافة إلى أن يبلغوا أي جهة أمنية يثقون بها فور شكهم بأحد يحاول إيقاعهم.

فريسة سهلة

الأخصائي الاجتماعي د.وليد شبير قال في هذه الافة:"لابد من النظر إلى مشاكل الشباب والبحث فيها والتجاوب معهم كي لا يتربص لهم العدو ويوقعهم في شراكه"، موضحا أن ما فعله متهم ملفنا القضائي غير مبرر وهو نتيجة ضعف إيمانه ووازعه الديني بخلاف الشاب المحصن الذي لا يمكن للعدو إسقاطه .

وذكر أن لفظ عميل صعب نفسيا على الشاب وأسرته لاسيما وان كان لديه إحساس سيشعر بالخطيئة بخلاف من يكون وازعه الديني قليل فلا يكترث للأمر ولا يشعر بالذنب ، مبينا أن نظرة المجتمع سلبية للخائن لتسببه في مقتل مواطنين شرفاء .

وطالب بضرورة توعية الشباب كي لا يسقطوا في العمالة عبر وسائل الإعلام والمساجد ، إلى جانب دور الأهل في توعية الأبناء ومراقبة تصرفاتهم ، مؤكدا على ضرورة إيجاد فرص عمل للشباب والقضاء على البطالة كي لا يكونوا فريسة سهلة للعدو بسبب عوزهم المادي.

هي دعوة لكم أيها الشباب في ختام ملفنا القضائي بالتمسك بالأخلاق الحميدة خشية الوقوع في فخ العمالة ويمقتكم المجتمع ويصبح مصيركم كبائع الكعك.

اخبار ذات صلة