قائمة الموقع

إجبار الفتيات على الزواج.. عادة أم (متاجرة) ؟

2009-11-06T15:04:00+02:00

فتاة تهرب من بيتها وأخريات ينصعن للأمر الواقع

الشرع والقانون يؤكدان بطلان زواج الإكراه ويحثان على التراضي

 

 

غزة- فادي الحسني

عادت الزوجة "م.أ" إلى سرير العزوبية في بيت والدها، مثقلة بالهموم وهي تحتضن رأسها بين يديها، تقلب في دفتر حياتها الزوجية الذي لم يتعد الشهر ونصف الشهر، وتقول إنها لم ترى صفحة بيضاء في هذا الدفتر "الأسود".

تجد الفتاة العشرينية "م.أ" نفسها وحيدة خاصة أنها لا تجد من يصغي لها ولهمومها من ذويها الذين أرغموها على الزواج من ابن عمها، ولا تتوقع أن يصمد زواجها طويلاً، حيث تركت بيت زوجها بعد شهر من زواجها لقولها إنها تعيش مع "جماد".

وتبرر الزوجة سبب مطالبتها بالانفصال عن ابن عمها، بأنها لا تشعر بذرة حب له في قلبها، كما أنه غير قادر على تحمل المسؤولية لصغر سنه، ولأنها وقعت ضحية "عادات وتقاليد" عفا عليها الزمن، وحذر منها الشرع الإسلامي.

*أرغمت فهربت

هذه لا تعتبر الحالة الوحيدة، حيث سبق وأن هربت الفتاة "س.ب"  من بيتها في مدينة غزة ، نتيجة لمحاولة أبويها إرغامها على الزواج من شخص لا ترى فيه "فتى أحلامها"، واستمر الأهل في البحث عنها ليومين متتالين، حتى عثرت عليها جهاز المباحث العامة في بيت إحدى أقربائها وأعادها لبيتها.

أما الفتاة "د.م" لا تزال واقعة تحت سياط الدكتاتورية الأبوية، حيث أجبرت على عقد قرانها على ابن عمها اللذان عاشا حياتهما معاً كأخوين، وتقول إنها ترفض الارتباط بشخص لا تكن له إلا مشاعر الأخوة فقط.

واستنفذت الفتاة "د.م" كافة خياراتها في الحول دون عقد القران، لكنها لم تفلح في ذلك، إلا أنها لم تيأس كما تقول، وتعمل على إقناع خطيبها بان لا مشاعر تربطها به، وأن عليهما الانفصال في حين أنه يصر على استمرار الخطبة حتى الزواج.

وقالت الفتاة :"صدمت حينما قال لي خطيبي إنه بانفصالنا سأصبح مطلقة ولن يقبل أحد بالزواج مني، وإن علي البقاء على ذمته"، مشيرة إلى أنه لا احد يتفهم معاناتها وأنها لجأت لجدها لوضع حد لهذا المستقبل "الفاشل" لكنه لم يفلح أيضا.

وبعيون دامعة وقلب يعتصر ألماً روت هديل "24 عاما" معاناتها مع أسرتها، حيث تقدم لها شاب في بداية دراستها الجامعية، لم تكن ترى فيه مواصفات فتى الأحلام لكن أهلها اجبروها بالارتباط به لأنه يملك الكثير من المال، وهددوها بالضرب إذا تفوهت بكلمة (الرفض) أمام القاضي، فما كان منها إلا أن تنصاع لرغبتهم.""

ولم يحصل الانسجام بين الخطيبين بعد مرور شهرين على الخطبة، خاصة أن خطيب هديل لم يكن متعلما، وفي بعض الأحيان كان يتطاول عليها بالضرب أمام إخوانها دون أن يتدخل احدهم معللين ذلك بأنه خطيبها ومن حقه أن يفعل ما يشاء.

ومع مرور الأيام احتدم بين الخطيبين الشجار حتى وصل الأمر إلى فسخ الخطوبة التي أجبرت هديل عليها، وبقيت على حالها لتحرم من دراستها، إلى جانب ذلك لم يعد احد يطرق بابها كباقي الفتيات.

ولا يجوز بحال من الأحوال إجبار الفتيات على الزواج، وفق الشرع الإسلامي الذي يعتبر أن ما بني على باطل فهو باطل.

وإذا ما أكرهت الفتاة على الزواج فستكون عنصر هدام في الأسرة، كما يقول أستاذ الشريعة في الجامعة الإسلامية د.ماهر السوسي، وقال: "إذا ما أكرهت المرأة على الزواج فإن هذا الأمر سيحول بينها وبين أداء واجباتها للأسرة".

*أسرة فاشلة

وأضاف السوسي: "ينعكس إرغام الفتيات على الزواج على الأسرة بشكل خاص وعلى المجتمع بشكل عام، حيث سيدفع باتجاه أسرة فاشلة على كل الأصعدة، وهذا بالطبع سينعكس على المجتمع".

ومن صور الفشل الذي يتحقق بهذا الزواج، وفق السوسي، هو وجود أبناء بلا أب أو أم رعاة، أو عدم قيام الأم بتربية أبنائها بشكل صحيح لأنها مكرهة، مشيرا إلى أن أزمة الفتيات المرغمات على الزواج ليست بالظاهرة أو القضية العامة في المجتمع الغزي، إلا أنه يقر في ذات الوقت بأنها حاصلة.

ويرى علاج هذه الأزمة من خلال زيادة الجرعات الثقافية للأسرة الفلسطينية وتركيز وسائل الإعلام عليها، بالإضافة إلى اهتمام خطباء المساجد بالتنويه لها.

وكان قد رد الشيخ يوسف القرضاوي، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلين، على سؤال: أنا فتاة في الخامسة عشرة من عمري، يريد أهلي تزويجي من ابن عمي، فماذا أفعل ؟.

" على أولياء الأمور أن ينظروا في رغبات بناتهم، فلا ينبغي للأب أن يضرب برغبة ابنته عرض الحائط، ويجعلها كمًا مهملاً، ثم يزوجها بمن يريد هو لا بمن تريد هي فتدخل حياة زوجية وهي كارهة لها، مُرغمة عليها ؛ ذلك لأن الأب ليس هو الذي سيعاشر الزوج، وإنما هي التي ستعاشره، فلا بد أن تكون راضية ، وهذا لا يقتضي ضرورة العلاقة العاطفية بين الشاب والفتاة قبل الزواج، إنما على الأقل، أن تكون مستريحة إليه راضية به، ومن هنا، يأمر الإسلام بأن ينظر الخاطب إلى مخطوبته، ويراها وتراه.

وأضاف الشيخ القرضاوي: "الشرع الإسلامي يريد أن تقوم الحياة الزوجية عل""ى التراضي من الأطراف المعنية في الموضوع كله. الفتاة تكون راضية، وعلى الأقل تكون لها الحرية في إبداء رغبتها ورأيها بصراحة، أو إذا استحيت تبديه بما يدل على رضاها، بأن تصمت مثلاً (البكر تستأذن وإذنها صمتها، والأيم أحق بنفسها). أي التي تزوجت مرة قبل ذلك، لا بد أن تقول بصراحة: أنا راضية وموافقة. أما البكر فإذا استؤذنت، فقد تستحي، فتصمت، أو تبتسم، وهذا يكفي. ولكن إذا قالت: لا . أو بكت، فلا ينبغي أن تُكره".

والنبي صلى الله عليه وسلم رد زواج امرأة زُوِّجت بغير رضاها. وجاء في بعض الأحاديث أن فتاة أراد أبوها أن يزوجها وهي كارهة. فاشتكت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأرادها أن تُرضي أباها مرة ومرتين وثلاثًا، فلما رأى إصرارها قال: افعلي ما شئت فقالت: أجزت ما صنع أبي، ولكن أردت أن يعلم الآباء أنه ليس لهم من الأمر شيء.

*مصالح مشتركة

ونقلت زينب الغنيمي مديرة مركز الاستشارات والدراسات القانونية للمرأة، شكوى فتيات في المرحلتين الإعدادية والثانوية، من إجبارهن على الزواج بأقاربهن، وأخريات يعانين من الزواج بغرباء لوجود مصالح مشتركة بين الأهل والخطيب.

وتلفت الغنيمي إلى أن بعض الاباء يقومون بتزويج بناتهم بدافع التخلص منهن (لأنهن يشكلن عبئا ماديا عليه) خاصة إذا ما كثر عدد الفتيات في الأسرة.

وقالت: "بعض الأباء يعتبرون تزويج الفتاة فرصة لن تعوض(..) فكرة تزويج الفتاة ثقافة عند بعض العائلات بالذات العائلة الكبيرة العشائرية"، مشيرة إلى أن هذه الأزمة غالبا ترتفع نسبتها في شمال قطاع غزة.

ومن الملاحظ أنه يكثر إرغام الفتيات اللواتي دون 18 عاماً على الزواج، وتقول الغنيمي :"يكثر زواج الفتيات في المرحلتين الثانوية والإعدادية، وأي تكن المسألة تعتبر مرغمة لأنها دون الأهلية القانونية ولأن نضجها لم يكتمل بعد، لتكون صاحبة قرار في اختيار شريك حياتها".

وتتابع قولها: "في بعض الأحيان تقبل الفتيات دون 18 عاما بالزوج فرحة بلباس الفستان الأبيض دون التفكير في تحمل المسؤولية(..)  هذا استغلال لضعف إرادتها وعدم نضجها".

في الوقت نفسه بينت الغنيمي أن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتدهورة التي يعشها قطاع غزة في ظل الحصار، ساهمت بشكل كبير في تفتت بنية المجتمع.

ونفت أن تكون لديهم إحصاءات ترصد مدى إجبار الأهالي لفتياتهم على الزواج، لكنها أشارت إلى أن الإحصاءات التي أجروها في العام 2007 حول نسب الطلاق في قطاع غزة، أثبتت أن 40% من نسب الطلاق لفتيات غير مدخول بهم ولم يحصل الزواج الرسمي، "وهذا يعكس مشاكل ما قبل الزواج وان الفتاة كانت مرغمة" حسب قولها.

وبينت الاستشارية القانونية أن عقد الزواج هو عقد بين طرفين "وأي عقد يجب أن يكون طرفاه ذوي أهلية قانونية".

ومن الناحية القانونية فإن شروط عقد القران هو أن يكون الطرفان ذا أهلية قانونية وألا يكون هناك إكراه لتوقيع العقد.

وتؤكد الغنيمي أن وجود إكراه يعني انتفاء شرط من شروط العقد الشرعي والقانوني أيضا، مشددة على ضرورة ألا يتم إجراء عقد الزواج لدون الأهلية القانونية، وعلى أهمية أن يتحقق القاضي من الرضا لدى الطرفين.

*انعكاسات سلبية

ولا تختلف وجهة النظر النفسية عن سابقيها، إذ ترى أن الزواج بالإكراه سيكون له انعكاساته السلبية بالنسبة للفتاة على وجه الخصوص سيما إذا كانت صغيرة السن، وبالنسبة للمجتمع أيضا.

وقال الأخصائي النفسي إبراهيم التوم: "عدم الرغبة في الزوج يخلق مشاكل سواء في تلقي الأوامر أو عدم الرغبة في تنفيذها، وهذا بالتالي ينعكس على حقوق الزوج"، مشيرا إلى أن الأمر ينعكس أيضا على أهل الزوج وخلق حالة من عدم التوافق الاجتماعي.

وأضاف التوم "ما بني على باطل فهو باطل(..) ويجب توفر مبدأ القبول حتى يحصل التفاهم بين الزوجين".

وطالب الأخصائي النفسي أولياء الأمور لتفهم قضية عدم الإكراه في الزواج، لاسيما أن الدين الإسلامي يحث على هذا الأمر.

وختاما لا يتبقى لنا إلا أن ندعو الأهالي بعدم دفع فتياتهن ضحايا لرغباتهم، مع العلم أن للفتاة الحق في إبداء رأيها كما الشاب في القبول أو رفض شريك حياتها، وإلا فسيكون الزواج مشروع طلاق مبكر.

 

 

اخبار ذات صلة
مقال: أُم الطناجر
2011-07-07T06:07:00+03:00