نابلس- الرسالة نت
(رأيت بلادا تعانقني...بأيد صباحية.. كن جديراً برائحة الخبز...كن لائقا بزهور الرصيف.. فما زال تنُورُ أمك مشتعلاً...والتحية ساخنة كالرغيف).
من هذه الأبيات للشاعر الفلسطيني محمود درويش المستوحاة من جداريته المعروفة "جدارية درويش" وغيرها من وقائع الثقافة والتراث الفلسطيني، استوحى فنانون وأكاديميون فلسطينيون في عمل مشترك جدارية فلسطينية جسدت هذه الثقافة وهذا الإرث التراثي.
واختار الفنانون مدينة نابلس –كبرى مدن الضفة الغربية- لاحتضان هذه الجدارية التي استقت عناصرها من "جدارية محمود درويش الشعرية"، والتي شارك في إنجازها قرابة أربعة عشر فناناً وفنانة بين طلبة وأكاديميين.
وقال عميد كلية الفنون بجامعة النجاح بنابلس -الجهة المشرفة على الجدارية- الدكتور حسن نعيرات إن الجدارية استغرق العمل فيها أكثر من أسبوع، وتضمنت العديد من عناصر الثقافة والتراث الفلسطيني بمراحله القديمة والحديثة، ومختلف مكونات تلك المراحل سواء باستخدام الزي أو غيره من أدوات الثقافة، "حتى مرحلة النضال الفلسطيني".
وأوضح نعيرات أن الجدارية -التي بلغ طولها تسعة أمتار وبارتفاع 120 سم- كانت لها علاقة مباشرة بثقافة الفن والرسم والتشكيل والنحت والتصوير، "ولذلك فالألوان -وهي زيتية- كانت لها علاقة مباشرة بالتراث الفلسطيني، والزي بألوانه الخاصة كالبنيات والحمراوات".
كما تم تقسيم الجدارية إلى ثلاث لوحات، تمثل كل لوحة مرحلة من حياة الشاعر درويش ابتداء بمرحلة الصراع فالاستقرار ثم الموت.
ورأى نعيرات أن مثل هذه الجداريات تشكل عنصراً رئيسياً في الحفاظ على الهوية الفلسطينية والحفاظ على الثقافة والتراث، حيث يتم بهذه العناصر ربط الشخص بوطنه وأرضه.
أما الفنان أحمد الحاج حمد -وهو من الطاقم المشرف والمنفذ للجدارية- فأشار إلى أن طبيعة الجدارية عكست المراهنة على اتصال الأجيال القادمة مع مكنون التراث والثقافة الفلسطينية عبر عرض آفاق هذا التجسيد من خلال تقاطع الفضاءات الإبداعية الموجودة في الجدارية.
كما تم استرجاع للذاكرة الفلسطينية عبر العصف الذهني للمشاركين بالجدارية باستقراء جدارية درويش واستنباط الصور الشعرية والفنية المختلفة والتعبير عنها واقعاً، والأهم اختزال هذه الصور بطريقة إبداعية متناسبة مع جميع الأذواق من المشاهدين "نظرا لوضعها في مكان عام وسط مدينة نابلس".
وقال حمد للجزيرة نت إن ما ميز الجدارية أيضا أنها جمعت بين صنوف مختلفة من الفنون من خلال آفاق القوة الكامنة في التعبير، حيث لا توجد فروق بين أصناف الفنون سواء كانت شعرية أو أدبية أو غير ذلك إلا في أدوات التعبير والحاسة التي ستستقبل هذا الإبداع، "وبالتالي تستطيع أن تحول لغة النص للغة بصرية والعكس".
من جهتها قالت الفنانة التشكيلية رغدة أبو زيتون والمشاركة في الجدارية، إن للمرأة أيضا ظهورا واضحا في جدارية درويش.
وقالت إنها استوحت عبر مشاركتها في جنازة تشييع درويش المشهد المتعلق بشخصية والدته مظهر النهاية لجنازة درويش التي من خلالها طرحنا الصورة النسائية عبر وجوه مغطية بـ"الشال الأبيض"، وكانت المشهد الأخير لرحيل درويش.
أما الشاعر الفلسطيني لطفي زغلول فرأى أن هناك انطباعات مشتركة بين الشعراء والفنانين، وأن هذه الانطباعات إذا ما تجسدت فعلا فإنها تصل لمراحل متقدمة بالحفاظ على الثقافة الفلسطينية.
وقال للجزيرة نت إن أهمية هذا الحفاظ تكمن في أن الفنان يستطيع أن يعبر بريشته عما أراد أن يقوله الشاعر، وألا يكون كذلك مختصاً بشعر أو شاعر واحد، "فالشعر بابه مفتوح والكل يعبر بطريقته".
يشار إلى أن هذه الجدارية تتزامن مع إحياء الفلسطينيين ذكرى رحيل درويش الثالثة وأسبوع الثقافة الفلسطيني.