قائد الطوفان قائد الطوفان

الاستيطان بوابة "إسرائيل" لتخليد الوضع القائم وتسهيل الحرب المقبلة

الرسالة نت

تجري الأحداث بسرعة كبيرة في المنطقة والعالم لكن تعامل "إسرائيل" معها يتسم ليس فقط ببطء شديد وإنما أيضاً بنوع من التجاهل. وهذه هي المحصلة الواضحة للتعاطي الرسمي الإسرائيلي الذي يتظاهر بأنه يحاول التعامل مع المتغيرات. ومن الجائز أن الطريقة التي تعاطت بها "إسرائيل" مع عملية «إيتمار» من ناحية والسيطرة على سفينة فيكتوريا من ناحية أخرى كانت أكبر دليل على ذلك.

فقد ردّت على عملية «إيتمار» وكأن على العالم الآن أن ينسى واقع أن الاستيطان بحد ذاته جريمة وحشية وذهبت إلى حد إقرار بناء استيطاني جديد. كما أنها حاولت أن تجعل من عملية اعتراض سفينة مدنية في عرض البحر عملاً بطولياً يستدعي الإشادة والتقدير وليس الإدانة. وفي كل ذلك ظهر ليس فقط تجاهل معطيات الواقع وإنما أيضا الرغبة في استغلاله بأبشع شكل لتحقيق أهداف قديمة لم يقبل بها العالم.

وبدا للوهلة الأولى أن المدرسة التي نادت بالانحناء أمام العاصفة وحاولت التظاهر بأن "إسرائيل" على وشك الإعلان عن مبادرة سياسية جديدة انحنت أمام التشدد وتركت الباب مفتوحاً لعتاة المتطرفين. فوزير الحرب، إيهود باراك، الذي كان قد حذر الأسبوع الفائت من «تسونامي سياسي» يغرق "إسرائيل" إذا لم تبادر إلى حل الصراع، كان نفسه من أقر البناء الاستيطاني الجديد. والأدهى أن خطوة نتنياهو هذه لم تلق الترحيب المتوقع من قادة اليمين مما دفع البعض للاعتقاد بأنه خسر العالمين.

فاليمين الإسرائيلي يصرّ على مزيد من الاستيطان وهو ما رأى فيه العديد من المعلقين الإسرائيليين خطراً على الدولة اليهودية. بل إن معلقاً مثل آري شافيت في «هآرتس» اعتبر خطر الاستيطان موازياً لخطر التسرب النووي في اليابان. وكتب شافيت أنه «عندما بُنيت محطة طاقة فوكوشيما في السبعينيات كان الأمل أن تصمد أمام كل هزة وطوفان. وعندما بُنيت المستوطنات في السبعينيات والثمانينيات كان الأمل أن تصمد أمام كل عاصفة سياسية. تبين اليوم أن الأملين تحطما. تبين ان الفرضيات الأساسية لشركة الكهرباء اليابانية والفرضيات الأساسية لغوش ايمونيم ليس لها أساس.

وفي كل حال من المهم هنا معرفة أن محاولات عدد من قادة المؤسستين السياسية والعسكرية في "إسرائيل" الإيحاء بفهم الواقع الإقليمي والدولي تصطدم بالواقع المحلي الإسرائيلي. فاليمين في "إسرائيل"، خصوصاً المتشدد منه، يمتلك قوة ونفوذاً متزايداً. ونتائج الانتخابات الماضية لم تحمل فقط معاني الانتصار السياسي اليميني وحسب بل حملت غلبة تاريخية لليمين ليس في الحلبة السياسية وحسب وإنما في البنية الاجتماعية أيضاً.

وهكذا فإن ما يعرف بالوسط في "إسرائيل" كان، وإلى وقت قريب، يصنف على أنه من اليمين. والأمر يسري بشكل كبير على حزب كديما المولود من رحم الليكود. بل يذهب البعض اليوم لاعتبار الليكود نفسه حزب وسط مما يضيع معالم الصورة ويبدد الخطوط التي كانت تفصل بين الوسط واليمين. ويمكن ملاحظة المواقف اليمينية لهذين الحزبين بل وحتى لجزء من أعضاء حزب العمل في وجهة تصويتهم في الكنيست إلى جانب مشاريع القوانين العنصرية التي كثرت في الآونة الأخيرة.

ومن الجلي أن أشخاصاً مثل الجنرالين موشيه يعلون وعوزي ديان، اللذين يعتبران «ملح الأرض» في "إسرائيل" يعبرون عن الانتقال الكبير في "إسرائيل" نحو اليمين. فالأول ابن «الكيبوتس» الذي مثل نموذج اليسار المتقدم والثاني ابن «الموشاف» الذي شكل التقاء اليسار بالليبرالية. ولا حاجة للإكثار من الحديث عن يعلون الذي فاق بفاشيته وتصريحاته العنصرية الحاخام مئير كهانا. كما أن عوزي ديان، الطامح في احتلال مركز قيادي في الليكود، بات يطالب ليس فقط بزيادة الاستيطان وإنما أيضاً بضم غور الأردن إلى "إسرائيل" ورفض فكرة أن السلام يجلب الأمن. وكتب قبل أيام في «إسرائيل اليوم» أن «علينا أن نصحو من الصيغة التي فشلت «السلام سيجلب الأمن». فقط الامن سيجلب الامن. وبدون أمن لن يكون سلام. واضح أن لا معنى للانكباب على «خطاب بار ايلان 2» بل التخطيط لإمكانية «السور الواقي 2».»

عوزي ديان يطالب بالاستعداد لـ«السور الواقي 2» والذي يعني الحرب على السلطة في الضفة الغربية. وتتسم مطالبة كهذه بمعنى كبير في ظل ما يتراكم من إشارات حول احتمال إعلان السلطة من طرف واحد في الجمعية العمومية للأمم المتحدة عن دولة فلسطينية على حدود العام 1967. ومن الجائز أن هذا هو الرد الذي يدعو إليه اليمين الإسرائيلي في ضوء تزايد التأييد الدولي لفكرة الإعلان من طرف واحد عن الدولة الفلسطينية وحدودها.

"إسرائيل" تستعد للحرب، ليس بناء على طلب عوزي ديان أو تحليل عوفر شيلح وإنما أساساً لأنها بنيت وفق هذه القاعدة. "إسرائيل" دولة عسكرية بنيت مثل جيش لا وظيفة له سوى خوض الحرب أو الاستعداد لها. وحالياً يجري التنظير لفكرة أخرى وهي أن "إسرائيل" تخوض حرباً متواصلة «بوتائر متباينة». وما محاولة التباهي باعتراض السفينة «فيكتوريا» إلا تأكيد على استمرارية الحرب خصوصاً من الجانب الإسرائيلي.

صحيح أن منسوب التوتر يرتفع في هذه الأيام في قطاع غزة حيث يجري تسخين الجبهة. ولكن إذا كان قسم من الإسرائيليين يتطلعون إلى حرب هنا أو حرب هناك فإن قسماً آخر يتمنى لو تبقى المنطقة العربية بأسرها مشتعلة بالحروب الداخلية والحروب مع الآخرين والثورات والثورات المضادة والمهم أن لا يضطر نتنياهو لإلقاء خطاب «بار إيلان 2» حتى لو لم يحمل أي جديد.

المصدر: السفير

البث المباشر