"التعليم": لا توجد حالات تسمم نتيجة فساد الحليب كما يشاع
مدير مدرسة: الإشكالية تكمن بعدم وجود ثلاجات لحفظ الحليب
منسق صحة مدرسية: الفحوصات أثبتت صلاحية معظم الوجبات
تقارير صحية: العلاقة وثيقة بين التغذية الجيدة وأداء الطلبة
غزة- مها شهوان
في مشهد متكرر تراشق عدد من طلبة المرحلة الابتدائية أمام إحدى مدارس وكالة الغوث غرب مدينة غزة بعلب الحليب التي تسلموها من المدرسة ضمن مشروع برنامج التغذية، مما أثار مخاوف لدى أهالي الطلبة من إجراءات السلامة التي قد تنعكس سلبيا على صحة أبنائهم.
وكان في مارس الماضي أصيبت أكثر من100 تلميذة بحالة تسمم بإحدى مدارس اللاجئين في مدنية خانيونس ، وذلك نتيجة تناول وجبة طعام فاسدة قدمت لهن في المدرسة، وكانت عبارة عن خبز "الفينو" المطلي بالشكولاتة والشيبسي الفاسد.
التحقيقات الحكومية حول هذه الحادثة أثبتت أن الخبز غير صالح للأكل وحصلت عليه الأونروا من خلال التعاقد مع أحد مخابز القطاع.
"الرسالة نت " سلطت الضوء على برنامج الغذاء، لاسيما لطلبة المرحلة الابتدائية للتحقق من شكاوى الطلبة وأهاليهم حول فساد بعض الأغذية.
الحليب الفاسد
وفي اتهام صريح كشفت المدرسة "ن.أ" وهي تعمل في إحدى المدارس الخاصة بان الحليب المدعوم الذي يأتي للطلبة تأخذه إدارة المدرسة وتضعه بالمقصف التابع لها ، وتقدم للطلبة العصير الفاسد الموجود بالمقصف ويبيعون المدعوم لصالحهم.أما الطالب مصطفى حسن فقد أفاد بان مدرسته الواقعة شرق مدينة غزة توزع عليهم الحليب الفاسد مما دفعه لإلقائه في سلة المهملات فور خروجه من المدرسة.
وتابع: "في كثير من الأوقات اترك العبوات الفاسدة خلف باب الفصل وحينما يدق جرس الفسحة اخذ تلك العلب وألعب بها مع أصحابي في فناء المدرسة" .
وبينما كان يتحدث مصطفى "للرسالة" كانت والدته تستمع إليه والخوف باد عليها ، مطالبة ابنها عدم اخذ علبة الحليب من المدرسة.
*عمل تحاليل
في هذا السياق تحدث محمود أبو سمعان مدير دائرة البيئة والتغذية في وزارة التربية والتعليم بان سياستهم التغذوية جاءت نتيجة أبحاث علمية وجدت بأن حوالي 3.5 مليار طفل في العالم يعانون من نقص الحديد واغلبهم من الدول النامية، موضحا بان 50% من أطفال فلسطين لديهم نقص بالحديد والفيتامينات, وطلبة المدارس يشكلون نسبة منهم.
وأضاف بان أبحاثا علمية أجريت في كل من قطاع غزة والضفة الغربية أثبتت أن عدد طلبة المدارس الذين يعانون الأميبيا تجاوز الـ 12% موضحا بان ذلك دفع وزارته للبحث عن وسيلة لتحسين صحة الطلاب ، مؤكدا على وجود علاقة بين صحة الطالب وتحصيله الأكاديمي .
وقال سمعان:"قبل عامين كانت الوزارة توزع على الطلبة أقراص الحديد ، لكن خرجت بعض الإشاعات التي أخافت الطلبة وذويهم بان تلك الأقراص تأتي من دول غير صديقة ،مما جعلنا نستبدلها ببسكويت بالعجوة وحليب بطعم "الشوكو".
وذكر بان هذه السنة الثانية على التوالي لتنفيذ مشروع "الغذاء والتعليم" الذي تشرف عليه منظمة برنامج الغذاء العالمي "wfp"،وانه في العام الماضي شمل البرنامج حوالي 20 ألف طالب، مبينا أنه بعد الحرب تحول إلى مشروع إغاثة بسبب عدم استقرار وضع الطلاب ، ليصل عدد الطلبة المستفيدين منه حوالي 50 ألف طالب وطالبة.
وأشار سمعان إلى أن الوزارة سعت هذا العام لتزويد عدد الطلاب المستفيدين من المشروع لـ92 ألف طالب ،وان الشريحة المعنية هي المرحلة الابتدائية.
*رسالة المشروع
من جهته أوضح مدير إحدى مدارس شرق غزة الذي رفض ذكر اسمه بان اغلب عبوات الحليب التي تأتي لمدرسته جيدة ، لكن الإشكالية تكمن عند تخزينها لأنها بحاجة لحفظها بالثلاجات تحت 4 درجات حرارية كما هو موجود على العبوة، مشيرا إلى أن ذلك غير متوفر بالمدارس فلا توجد ثلاجات ودرجة الحرارة في المخازن التي توضع بها الكراتين مابين 25-30 مما يؤدي إلى فساد العبوات.وأضاف المدير بأنه في حالة وجود "عبوات" فاسدة تقوم المدرسة بإرجاعها للشاحنة التي توزع على المدارس وذلك لاستبدالها بأخرى صالحة لان ذلك من حق الطلبة.
في الوقت ذاته أكد سمعان على أن المشروع واجه بعض المشاكل نتيجة فساد العبوات أثناء النقل، مشيرا إلى أن وزارته تلقت بعض الشكاوي من طلبة المدارس،وسارعت الوزارة لتوقيف توزيع الحليب لفترة معينة ، لإجراء التحاليل اللازمة للتأكد من سلامته.وقال:" حتى اللحظة لا توجد حالة تسمم حدثت بالمدارس نتيجة فساد الحليب كما يشاع".
وأفاد بأنه من ضمن توجيهات الوزارة للمدارس عدم وضع العبوات أعلى من 5 طبقات عن الأرض، إلى جانب تفقد العبوات قبل توزيعها.
وأشار سمعان إلى وجود منسق صحة في كل مدرسة ليشرف على عملية التوزيع إلى جانب إرشاد الطلبة لكيفية التعامل مع الوجبة التي تقدم لهم وما يعود عليهم من فوائد عند تناولها.وذكر بان رسالة المشروع هي توفير مواد غذائية ووجبات ذات قيمة غذائية عالية للطلبة، لتعزيز سلوكياتهم الصحية من خلال المشاريع التغذوية والشراكة مع المجتمع المحلي ومؤسساته،موضحا بان عملية الإشراف تتم على المدارس الحكومية فقط من قبل وزارته.
وفي حال حدوث شكوك حول العصير والبسكويت مجددا أوضح سمعان بأنه سيتم توقيف تسليم الوجبة ، لان وزارة التربية والتعليم حريصة على صحة الطلبة وتحاول أن تتيح لهم جميع الوسائل لتحسين تحصيلهم العلمي وصحتهم.
وتوجهت "الرسالة نت " إلى الأونروا للتأكد من صحة شكوى الطلبة إلا أنها لم تتمكن من الحصول على رد.
*سوء تغذية
وبين المدير بان عملية توزيع البسكويت تتم في بداية الحصة الأولى ،بينما الحليب بطعم "الشوكو" في الحصة الثالثة ، لأنه، حسب تعليمات وزارة الصحة، إذا تناول الطالب الاثنين معا فان الحليب يمنع امتصاص الجسم للفيتامينات والحديد الموجود في البسكويت.
وأشار إلى انه بالرغم من حالة التشويش التي تتم في الفصول إلا أن المدرسين قدر المستطاع يحاولون السيطرة على الطلبة ،لافتا إلى أن هدفهم هو سد حاجة الطالب قبل العلم فالكثير من الطلبة يأتون دون أن يتناولوا الفطور.
وأكد المدير على أن تلك الوجبات الخفيفة التي تقدم للطلبة أثرت على العملية التعليمية ايجابيا مما جعل الطالب يتأمل ويفكر ولا يشعر بالجوع أو العطش.
وأضاف أن نسبة الغياب في مدرسته قلت فقد أصبح الطلبة حريصين على المجيء للمدرسة لشرب الحليب واكل البسكويت ، مبينا انه بالرغم من أن تلك الوجبات تأتي لتغذية الطلبة إلا أنها في ذات الوقت تعتبر تعزيزا ماديا لهم.
ومن مميزات الوجبة التي يتناولها الطالب لفت المدير إلى أن نسبة الغياب قلت، إلى جانب تحسين سلوك الطلبة ووجود تغير إيجابي ملحوظ في درجاتهم.
وحول ما تردد على ألسنة بعض الطلبة بان الحليب طعمه غير مستساغ بالنسبة لهم ذكر أنه يشرب الحليب أمام الطلبة ليطمئنوا بأنه صالح للشرب.
ونفى المدير وجود الظاهرة التي تحدث الطلبة عنها بأنهم يقومون باللعب بالعبوات الفارغة وتراشق الحليب الفاسد بينهم داخل المدرسة ، مبينا بأنه لا ينكر بان عددا من الطلبة لا يشربون الحليب ويأخذونه معهم للبيت.
*التوجيهات الضرورية
من جهته أوضح محمد حجازي مسئول الصحة المدرسية في مدرسة صلاح الدين بأنه يعقد اجتماعات مع المدرسين لإعطائهم التوجيهات الضرورية لكيفية توجيه الطلبة في التعامل مع تلك الوجبة إلى جانب كيفية تشجيعهم على تناولها لما فيها من فائدة ".
وأضاف حجازي بان هذه الوجبة ضرورية للطلبة لأنها تساعدهم على عملية التركيز داخل الفصل إلى جانب البناء الجسمي والعقلي.
كما نفى حجازي ما يقال أن العصير فاسد مؤكداً أنه صالح للشرب ، باستثناء أول نقلة التي تعرضت لدرجات حرارة عالية ما أفسد محتوياتها مما تسبب في عدم تقبل الطلبة لها، أما النقلات التالية فقد ثبتت صلاحيتها من خلال الفحص.
وحول العبوات المنتفخة والمسيلة ذكر حجازي بأنه يقوم بإرشاد المدرسين بكيفية المحافظة عليها كي لا يعبث بها الطلبة لإعادتها للوزارة.
وأشارت تقارير صحية بأنه من الضروري التركيز على أهمية وجبة الإفطار كأساس لكل يوم، إلي جانب التركيز على تناول الخبز الأسود وجعله الخبز الرئيسي لهؤلاء الأطفال في تلك المرحلة العمرية.
وأضافت التقارير بأنه من الضروري التنويع بين المواد الغذائية المختلفة وعدم أكل كميات كبيرة من نوع واحد، مؤكدة على ضرورة الإكثار من تناول الخضروات والفواكه .
كما أوضحت التقارير الصحية بوجود علاقة وثيقة بين التغذية الجيدة والأداء الأكاديمي من خلال الوجبات الصحية التي تساند الطلبة في التعلم وتحسن من التطور الجسدي والذهني والاجتماعي لهم ، مبينة أن أصحاب التغذية الصحية لهم القدرة على التركيز أفضل من باقي أقرانهم الذين يعانون من سوء التغذية.
والسؤال الذي يبقى مطروحا : هل باتت المدارس التي يضع الأهالي ثقتهم بها ستشكل خطرا على صحتهم؟