قائد الطوفان قائد الطوفان

تدفن فيه أسرارها وتبث مشاعرها

أوراق الكراس للفتاة.. الصديق في وقت الضيق

غزة – إيمان جمعة

 

عند شعورها بالاختناق أو الاكتئاب أو حتى اليأس الشديد قد تتوجه الفتاة فوراً لوالدتها لترتمي في حضنها باكيةً بحرارة, وليست سوى لحظات حتى تبدأ الشعور بالارتياح لبوحها بما يختلج في صدرها من مشاكل أو صعوبات, وأخرى تفضل صديقتها للبوح لها بأسرارها ومشاعرها.

لكن هنالك من الفتيات لا يجدن لدى الأم أو الصديقة مخبئاً لأسرارهن, فيلقين بأسرارهن أو حتى دموعهن على صفحات ذاك الدفتر, ويرينه الوحيد الذي لن يسخر من دموعهن, ولن يفشي لهن أسرارا.

صديقي الوحيد

إسراء عبد الكريم (21عاماً) تنظر لدفتر المذكرات على أنه صديقها الوحيد, فهي لا تؤمن بالصداقات وتقول:" لا أرى في الفتيات الأخريات صديقات لي, لأنهن غالباً ما يسدين لي النصائح الكثيرة باعتقادٍ منهن أنني لا أستطيع التصرف, لذا أبوح بما في صدري لدفتر مذكراتي لأنه الوحيد الذي لا يسدي لي النصائح".

وتضيف:" عندما أنتهي من كتابتها أخفيها في خزانة الملابس لكي لا يراها أحد وحين اكتشفت أن أختي الكبرى تقرأها مزقت الدفتر " .

بيسان هشام (19عاماً) طالبة في كلية الحقوق جامعة الأزهر تعتقد بأن كل إنسان يستطيع أن يكتب مذكراتٍ له, فهي ليست فقط الأسرار, بل قد تكون المواقف اليومية التي يمر بها, وعن نفسها تقول: "أحب التحدث مع الآخرين كثيراً, لكنني وبالرغم من ذلك أرى في المذكرات ذكرى جميلة عندما أكبر وأفتح دفتر مذكراتي لأسترجع ذكريات جميلة وأليمة مررت بها".

بابتسامة قالت وهي تضع يدها في جيب حقيبتها الزرقاء الصغيرة, لتخرج منها دفتراً صغيراً وردي اللون, وتقول:"هذا هو دفتر مذكراتي لا أستطيع تركه أبداً", رشا الوحيدي (18عاماً) الطالبة في الثانوية العامة,  تضع دفترها في حقيبتها دوماً خوفاً، كسابقاتها، من أن يراه أو يقرأه أحد, فهي تعتقد أن ما على سطوره ملكاً لها وحدها.

كنت أشعر بالخوف الشديد ورغم ذلك لم يكن أحد منتبهاً لي فأنا أعتبر ناضجة وعاقلة ويجب ألا أخاف كما تقول لي والدتي. المذكرات كانت المأمن الوحيد والسلوى من هذا الخوف في تلك الأيام الصعبة بالنسبة للطالبة هلا السلاق (20عاماً)، التي بدأت كتابة مذكراتها بعد الحرب الأخيرة على غزة.

أسرار

وتضيف السلاق: أعتقد أن دفتر المذكرات هو الوحيد الذي لا يفشي خوفي, فأنا لا أخجل من البوح بمشاعري له, التي لا أستطيع أن أخبر بها أحداً آخر".

من تكتب المذكرات تشعر بالاستقلالية, لأنها قد تملك أسراراً خاصة لا تريد أحداً أن يعلم بها, كما تؤكد الدكتورة والأخصائية الاجتماعية في الجامعة الإسلامية فتحية اللولو، إلى جانب ذلك ترى اللولو أن الدافع لكتابة المذكرات هو انعدام ثقة الفتاة بالمحيطين بها, أو عدم تقبل الأم لأفكارها.

وتعتقد بأن الفتاة لا تلجأ للتدوين إلا في لحظات الألم أو الشعور باليأس, وترى بأن كتابة المذكرات ليست بالأمر السيئ أو الخطير, ما دامت لا يطلع عليها أحد ما، محذرة في حال حدوث ذلك من وقوع الفتاة في مشاكل كبيرة وشاقة.

 

تفريغ انفعالي

بينما كان للدكتور سمير قوتة رئيس قسم علم النفس بالجامعة الإسلامية رأي آخر، فهو يعتقد أن كتابة المذكرات لها علاقة كبيرة بوضع المرأة في المجتمع الفلسطيني خاصة الفتاة كنوع, ويوضح قائلاً:" على الفتاة هنا أن تلتزم بمعايير وتقاليد المجتمع الذي لا يسمح لها بالتعبير عن آرائها, لذا فتعتبر كتابة المذكرات نوعا من التعبير عن الرأي يسهم في التفريغ الانفعالي".

ويشير قوته إلى أن عملية التفريغ الانفعالي التي تحدث عندما تبدأ الفتاة بالكتابة يصحبها راحة نفسية كبيرة, ومن ثم تتعزز بمكانتها وتميل الفتاة لتكرارها, لأن الإنسان كما يقول د.قوته:" يميل لكل شيء يزيل عنه توتراته".

ويرى أن كثيراً من الأمور الجميلة تظهر من كتابة المذكرات, كالأعمال النثرية والشعرية والتي تعبر عن حالة الإنسان النفسية, كما لا يرى قوته في كتابة المذكرات خطورة لأنها وسيلة لإظهار الأعمال الإبداعية.

ويلفت المحلل النفسي الفرنسي جاك شابرول إلى أن لدى الفتيات خوفا غير معلل من عدم فهم الكبار لهن , ولا يستطعن أن يعبرن عن شعورهن على نحو سهل , فيلجأن إلى المفكرة ويتحدثن معها عبر الكتابة . هذه الطريقة قد تصبح , مع مرور الوقت , عادة أو هواية، فنجد سيدات بلغن الثلاثين , ولا يزلن مثابرات على كتابة اليوميات.

 

 

البث المباشر