بقلم: مجدي يوسف
"كان من الأطفال الذين سقطوا على حدود البريج الشرقية وسط قطاع غزة ، فقد طالته أيدي الظالمين بصاروخ طائرة إسرائيليّة ،وكأن الله قد حقق له حلمه بالشهادة معشوقته التي يبحث عنها حيث لفظ أنفاسه الأخيرة بين ذراعي والدته الأخت الصابرة بأحد المستشفيات ، وذلك بتاريخ لن ينساه التاريخ في 21/ 5 /2008 م أي بعد مرور أربعين يوماً على إصابته؛إنه الشهيد الخالد: الطفل خالد الذي فارق الحياة كنور مضىبين الأنجم ،أو طائرٍ مسافرٍ للمجهول ،ولم يرجعْ.. إلى جنة الله العليّ"...
(1)
أمّاه، قد حان الوداعْ ،والموتُ يطوي بي الشّراعْ
قد كان عمــري زورقاً كمسـافرٍ نحو الضّياعْ
والموجُ لا يرجو لـه من رحـمةٍ يُـبدي اندفاعْ
والشّمسُ ولّت للغروب على التفـاتاتِ الشّـعاعْ
ما زال صخّـاباً لـه في مـدّه كــدّ الصّـراعْ
***
أمّاه ،ضـمّي فيّ عظــماً ،ودّعيــهِ بالقُبـلْ
قد باتَ يفتنه الهـوى،والجفـنُ أيقظـه الأمـلْ
فقذفتُ صــدري عـارياً بين القواذفِ لا وَجَـلْ
هـذي يدي مقطوعةً ما بيـن خَطْـوي،والزّلـلْ
ولكَـمْ ترافقــنا على صــدّ الليالي ،والعِلَـلْ
***
(2)
يا لَلشّــظايا بين أحشـــائي تقطّع بي العُروقْ
ما زلتُ أذكـر يوم أنْ حطّــتْ إليّ على حـريقْ
والناس تسـبقهم خُطــاهم قد أتوا تحت البُروقْ
جَسَدٌ تناوَشُه الحروقُ ،يشقـّه وهْـجُ الحـروقْ
يا للبقايا من فتىً قد صـار مصـلوب الطـريقْ
***
فاستودعوا عنّي الوجودْ ،أمسيتُ والمـوتُ العنيدْ
وسلوا الرّبا: هل هدّها شـوقٌ إلى الطّفل الطريدْ؟
هل راح من جدّ العـهودْ؟ فالزهرُ مشقوق الوريدْ
مستوحِشٌ للشمـس تعـلو قبّــة اليـوم الوليدْ
أين الشّـعاع بإصبعي ،فأصـوغَ أغنيـَة الخلودْ؟
***
(3)
مستوحِشٌ للنحل فوق الزّهـر يهمسُ في خفاءْ
والطير يخفِـقُ بالفضـاء على ابتهـالات اللقاءْ
للعشب مُخضرّاً بخطوي طال في رحب الفضاءْ
والشّوكُ في عيني ينادي بالغـرير إلى فــداءْ
ماذا حملتُ معي إلى الكـوخ المهدّم في المساءْ؟
***
نجماً أفاق على ظلامْ من بُرجـه بين الغـمامْ؟
قمراً له حدّ المُدى ،أو مثل قوس ٍفي الظـلامْ؟
ترمي السّهام إلى عيوني ،والفـؤادِ المُستهـامْ
يا صرخةً بالباب تفضحُها الرشـيقاتُ الجِهـامْ
وتعثّـرت بالبـاب أقـدامي المقيّـدة الـدّوامْ
***
(4)
أمّـاه ،إنّي راحــلٌ، فاسـتقبلي عنّـي أبي
قولي لـه: إنّي قضيـتُ إلى النّعيـم الأطيبِ
يا رحمـة الله على ذاك الحبيـــب المُتعَبِ
طاحتْ بهامته عصا الزّمن القــدير الأغلبِ
يا ثأره ،من يفتـدي بعدي أبي؟ هذا الصّبي؟
***
أملٌ ،هشـامٌ، نورنَا ، لو أنّ لي جفـناً يرى
مستوحِشٌ ذاك الثرى النادي على نزَق الّصبا
كمْ عشـتُ بينـكمُ بقلبٍ طاهرٍ يهـوى الدّمى
ما بين أيدينـا حنـانٌ،و الطفولة ،والرّضـا*
_________
(أمل، هشام، نور، وحنان_ إخوة الشهيد الفتى خالد ؛رحمه الله تعالى).
(5)
لكنّـها الأقـدار لا تُبقي على جهـل الخُطَـا
***
إني أراها في السّما _ روحي التي كانتْ معي
عمّا قريبٍ ، فالمــلائكُ ينزلون بمسمـعي
جاؤوا إليّ برحمة كُبرى تُغشّــي مضجعي
من أبيض الأثواب من ديباجِ عَدْنٍ مطلـعي
والطّـيب من أردانه نَفْحُ الجنان مُشَعشِعي
***
أمّـاه، ها أناْ راحلٌ ،مُرّوا على قبري مساءْ
واستذكروا طفلاً شقيّاً طالما نشَد الرجـاءْ
ما أحقر الدنيا بعيني! إنها لحـن الشّـقاءْ
ما أعجب الناس الألى عاشوا كما راحوا هباءْ!
(6)
وتألّقتْ روحُ الشّـهيد برجفةٍ نحـو السّماءْ
***
وتناثر الوردُ الذّبول برعشـة الريح الجهولْ
لكأنّ في خديه أشواكَ المــلامة ،والرّحـيلْ
ماذا جنيـتُ على الطريق؟ سلـوا عيوني:هل تقولْ؟
هذا جبيني خـافقاً فيه البـراءة ،والنّحـولْ
هذي يدي الأخرى خذوها تفـتدِ الوطن الجليلْ
***
هـذي ثنايايَ النّضارُ تفتّحـتْ كالأقحــوانْ
وتهـدّلتْ فيها الشّفاه عقيقُـها كالأرجــوانْ
يا طعنةً نجـلاءَ بانتْ في الجناح معَ الدّخـانْ
طفـلٌ تولّى للخـلود على تراتيــلِ المكـانْ
قد صار في خُضْر الطيورِ معلّقاً مثل الجُـمانْ
***
إسحـاقُ لم يصـبرْ على كـدّ الحياة كصبرهِ
(7)
أيّوبُ_ لو شَهد الزمـانَ _محـيّرٌ في أمـرهِ
يا ليتـهم ألـقُـوه في جُـبٍّ تفيض بسـرّهِ
قد عاش مسلوب السّلامة جسمُه من صَـغْرهِ
كانـتْ أيادي الظـالمين قوابضاً في نحـرهِ
***
سيظلّ وجهكَ كالفنـار لقاربٍ يبغي العبـورْ
أو كالمِسلّة راسـخاً مهـما تدافعت ِالعصورْ
كالشمس في حِضن السّحائب تنجلي حيناً بنورْ
هذي دماؤك لعنةً تدهى العروبة في الظّهورْ
فاهنأ بدارٍ للخلـود تطيّبتْ خـلف السّـتورْ