الرسالة نت - فيز أيوب الشيخ
ملاحقة العقول الفلسطينية والعربية أينما حلت وارتحلت هي ديدن الكيان الصهيوني ، وقائمة الاغتيالات للقيادات الفلسطينية في الداخل والخارج طويلة, حيث كشف اختطاف المهندس الفلسطيني ضرار أبو السيسي مدى تخبط "الموساد الصهيوني" وإصراره على ملاحقة حركة حماس خارجياً، مع الإشارة إلى أن الحركة نفت أن يكون لأبو سيسي أي علاقة بها، علماً بأن الاحتلال "ألبسه" لائحة اتهام خطيرة وطويلة أبرز قضاياها "تطوير قدرات حماس القتالية وامتلاكه معلومات عن الجندي شايط".
يذكر أن "الموساد" أقدم العام الماضي على اغتيال محمود المبحوح أحد قادة كتائب القسام في إمارة دبي، وحاول-في نفس العام- اغتيال " أسامة حمدان وعلي بركة" ممثلي حماس في لبنان، كما أنه حاول قبل ذلك اغتيال خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحماس في الأردن .
وللتذكير فقد اغتال الكيان الصهيوني أبرز قادة حماس والقسام أمثال الشيخ المؤسس أحمد ياسين والرنتيسي وأبو شنب والمقادمة وشحادة والجمالين، ويحيى عياش.
اختراق سيادة الدول
ويرى د.يوسف رزقة المستشار السياسي لرئيس الوزراء، أن "إسرائيل" لا تتعامل وفق قواعد اشتباك في المناطق الفلسطينية فحسب، بل تعدى ذلك إلى اختراق سيادة عدة دول عربية وأجنبية، كما أنها لا تعمل وفق قواعد الأخلاق و لا تلقي بالاً للمعايير الدولية التي تنظم العلاقات بين الدول.
وذكر رزقة في حديثه لـ"الرسالة نت " أن -إسرائيل- منذ عام 1948وهي تعمل في مناطق مختلفة في العالم ضد الفلسطينيين وقياداتهم الذين تشعر بأنه يشكلون خطراً عليها.
وإزاء اختطاف أبو سيسي أكد رزقة أن محاولة "إسرائيل" إلصاق أبو سيسي تهمة التصنيع الصاروخي وتزويد حماس بالقدرات العسكرية " محض افتراء وكذب وتضليل لتبرير عملية الاختطاف".
واعتبر أن "إسرائيل" تغامر كثيراً حينما تنقل المعركة في الظروف الحالية إلى خارج فلسطين وتعيد إلى واجهة الأحداث ما كان في السبعينيات حينما كانت المعركة بين الموساد الصهيوني والجبهة الشعبية، لافتاً الى أن "إسرائيل" تحاول في المرحلة الراهنة الإضرار بحركة حماس وأن تجرها إلى مربع "الرد في الخارج".
وشدد –حسب معرفته- بأن حركة حماس من صميم أجندتها أن تقوم بالقتال أو الاشتباك مع العدو الصهيوني داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة وليس في الخارج وذلك احتراماً للقانون الدولي وسيادة الدول. وفي سياق ذي صلة، أكد رزقة أن توجيه "إسرائيل" للشهداء القساميين الثلاثة -الذين اغتيلوا الأسبوع الماضي- تهمة التخطيط لعمل خطير وربطته بالشقيقة مصر "إنما هي بذلك تريد أن تجد مبرراً لجرائمها وعدوانها أمام الرأي العام العالمي وهو كلام فارغ لا قيمة قانونية له ".
وحسب رزقة، فإن "إسرائيل" تريد أن تدفع المقاومة الرد عليها في الوقت الراهن، وهو ما يفسر نية "إسرائيل" في التصعيد العسكري الأخير داخل قطاع غزة بشكل أو بآخر وذلك "لخلط الأوراق في الساحة الإقليمية التي باتت تحاول أن تكون رافعة للقضية الفلسطينية".
وشدد على أن "إسرائيل" تريد أن تستخدم عامل القوة المتوافر لديها لوجستياً وعامل القوة المتوفر لها من الغطاء الأمريكي والأوروبي وتريد أن تقدم رسائل للدول العربية وبالذات إلى مصر.وتطرق إلى محاولة "إسرائيل" جر مصر إلى مربع الحرج من خلال خلط الأوراق في الساحة المصرية بين المجلس العسكري الذي يحاول أن يعيد النظام للواقع المصري وبين الثوار الذين لهم سقف أعلى فيما يتعلق بالعلاقة مع "إسرائيل"، حيث أبدوا اهتمامهم وتأييدهم للقضية الفلسطينية.
ورأى رزقة أن مزاعم "إسرائيل" واتهامها لحركة حماس بالعبث في سيناء "فيه رسالة للمصريين بأن ينزعجوا من دور حماس في سيناء"، مؤكداً أن مايزعج "إسرائيل" بأن تكون هناك علاقة منطقية ومتطورة مع النظام الجديد في مصر.
وقال رزقة "إن المصريين متأكدين بأن حماس لا تعمل خارج أرضها وهم مطمئنون من هذه النقطة بالذات"، معتبراً أن حالة الهدوء التي تسود على الحدود المصرية الفلسطينية أكبر برهان بشهادة الجانب المصري "أن حماس جهة مسئولة ولديها تقدير عالي لطبيعة الحدود والسيادة المصرية على أراضيها".
قوة الردع الصهيونية
وفي تقديره للهدف الصهيوني من تصعيد الموساد لعملياته ضد الفلسطينيين في الخارج ، فقد قال الكاتب والمحلل السياسي هاني المصري " إسرائيل تريد اثبات أن يدها طويلة وأن قوة الردع لديها مازالت في لياقتها"، مؤكداً أن قوة الردع الصهيونية تضررت كثيراً في السنوات الأخيرة سواء في لبنان أو في فلسطين ولم تستطع "إسرائيل" أن تحتفظ بعناصر قوة الردع في أن تبدأ الحرب في الوقت الذي تريده وتنهيها في الوقت الذي تريده.
كما أوضح المصري في حديثه لـ"الرسالة نت " أن "إسرائيل" فشلت في جعل الحرب في جبهة العدو بدون أن تلحق خسائر في جبهتها الداخلية، عوضاً عن أنها لم تحقق أهدافها من الحرب.
ولخص قائلاً "إن العناصر الثلاثة في نظرية الردع لم تعد إسرائيل تتحكم بها لا من حيث تحديد وقت الحرب ولا حماية جبهتها الداخلية ولا من حيث قدرتها على تحقيق أهدافها".وأضاف "إن إسرائيل لا تحارب الجانب الأمني فقط بل تحارب العقول والعلماء الفلسطينيين، وتريد بذلك أن تضرب المعنويات الفلسطينية وإمكانيات المقاومة في تطوير وسائلها" .
وفي الوقت الذي لم يستبعد المصري أن يكون لـ"إسرائيل" ردا خارجيا، اعترف أن قدرة الفلسطينيين على الرد في الخارج محدودة جداً وتكاد تكون معدومة لأنه ليس من إستراتيجيتهم نقل المعركة إلى ميادين يخسروا فيها التأييد العربي والدولي .وتطرق إلى أن مسألة العدوان على قطاع غزة "دائماً خط مفتوح لدى إسرائيل"، ولكن الأخيرة رغم التصعيد والعدوان المتواصل الذي تقوم به في غزة فإنها "لن تقوم بحرب سريعة ".
اغتيال العلماء والعقول المبدعة
من جهته يرى المحلل السياسي هاني البسوس، أن الموساد الصهيوني يتبع سياسة الحرب المفتوحة من خلال المتابعة لكل الشخصيات التي يعتقد أنها تساند المقاومة الفلسطينية أو تقوم بأي إجراءات يمكن أن تؤثر على أمن الكيان الصهيوني، مشيراً إلى أن عمليات كثيرة قام بها الموساد ضد أبناء الشعب الفلسطيني سواء كانوا من المقاومة الفلسطينية أو لا يتبعون إلى أي حزب سياسي معين .
واعتبر أن الموساد الصهيوني لا يأبه بأي عملية قرصنة واغتيال في أية دول عربية وأجنبية لأنه يعلم أنه ليس هناك متابعة قانونية وتحديداً من قبل أوكرانيا التي تمت على أرضيها عملية اختطاف أبو سيسي.
وقال "إن الكيان باختطافه لأبو السيسي يوصل رسالة جديدة للمقاومة الفلسطينية بأنه سيقوم بمثل هذه العمليات -في الوقت الحالي وفي المستقبل- ضد قيادات سياسية أو حتى ضد أي أحد يساند المقاومة الفلسطينية"، مشيراً إلى أنها محاولة لبث الخوف والرعب في صفوف المقاومين والسياسيين وحتى المفكرين الفلسطينيين.
ولم يستبعد البسوس جر العدو الصهيوني للمقاومة الفلسطينية نحو خوض حرب مفتوحة في أكثر من مكان في العالم وتحديداً مع حركة حماس من خلال الرد خارجياً والتسبب لها بحرج مع الدول التي يمكن أن تعادي حماس إذا ما فعلت ذلك، معرباً عن اعتقاده بأن المقاومة لن ترد بالمثل خارجياً لأنها تحترم القوانين الدولية وتحترم قوانين الدول الموجودة فيها.
ولكن البسوس استبعد أن تتعامل الدول العربية والأجنبية بشكل جدي مع "إسرائيل" إزاء مثل هذه الجرائم على أراضيها، موضحاً أن كل ما تم في قضية أبو السيسي بالنسبة لدولة أجنبية مثل أوكرانيا أنها استدعت السفير الإسرائيلي وقامت بتوبيخه فقط، غير أنه وحسب القوانين الدولية يجب متابعة قانونية حازمة وحماية الأشخاص المتواجدين على أراضيها، و هذا يعطي ذريعة للكيان لأن يقوم بمثل هذه العمليات في المستقبل، على حد تفسيره.
سياسة ثابتة للكيان
وفي ذات السياق، يرى المحلل السياسي والاستراتيجي محمد مصلح أن اغتيال أو اختطاف إسرائيل للعقول العربية المفكرة ليست مسألة جديدة.
وقال "هذه السياسة ثابتة بالنسبة للكيان الصهيوني تتعلق بمفهوم الأمن باعتبارها مسألة قومية إسرائيلية يجب أن تبقى المنطقة العربية في الحد الأدنى من أي مستوى أمني تقني علمي"، مستدلاً على قوله أن أول ما تحدث الإعلام الصهيوني عن أبو سيسي بأنه استطاع أن يُشغل محطة توزيع الكهرباء في غزة بالسولار المصري بمعنى أن "إسرائيل" تشن حربا على التمنية والاقتصاد الفلسطيني في غزة .
وأشار إلى "الرسالة" أنه بالرغم من أن حركة حماس لديها سياسة داخلية بعدم العمل العسكري في الخارج، إلا أن إمكانيات الكيان الصهيوني تفوق أضعاف المقاومة الفلسطينية ويتصرف بإمكانيات عسكرية واسعة جداً وجهاز أمني متغول ومنتشر في كل العالم .
ونوه إلى أن الساحة العربية منشغلة في قضاياها الداخلية ومشاكلها وغير متفرغة لقضية تخطيط الموساد للاغتيالات على أراضيها، لافتاً "أن إسرائيل تجاوزت الأزمة مع الإمارات والدول التي استغلت جوازات سفرها في عملية اغتيال المبحوح".
تجدر الإشارة إلى أن قسم الدراسات والأبحاث بجهاز الاستخبارات العسكري الصهيوني أكد استحالة القضاء على حركة حماس كونها حركة متعددة الأطوار وتتكيّف مع المتغيرات، مؤكداً في دراسة بحثية أن كافة المعطيات تشير إلى تنامي الحركة سياسيًا وعسكريًا وأمنيًا.