غزة - فلسطين السوافيري
بفرحة تغمره وبكلماته الخجولة أبلغ الشاب "عبد الكريم" -22 عاماً- والديه عن فتاة أحلامه التي اختارها لتكون شريكة حياته, وبدأ يخبرهما عن التزامها وأخلاقها وصفاتها التي تشجع على الزواج منها.
فرحَ الوالدان كثيراً بهذه المواصفات، لكن عندما علما أنها "غزاوية" رفضا بشدة، وقالا لابنيهما "نحن لا نُزوج ولا نَتزوج إلا لاجئين مثلنا، لا تكسر القاعدة ".
عادة تزويج الفلسطينيين تبعاً للبلدة الأصلية برزت في قطاع غزة منذ النكبة عام 1948, حيث ظهرت مصطلحات لاجئ ومواطن وسادت ظاهرة رفض تزويج كل منهما للآخر, فكل يعتبر اسلوب حياته وعاداته الافضل ولا تتناسب مع الاخر.
مجدلاوية وإلا..
الشاب "أحمد" (25عاما) أخبر والديه أنه وجد شريكة حياته التي اختارها ليكمل معها نصف دينه، الا انهما رفضا وبشدة ارتباطه بها، بحجة أنها ليست مجدلاوية مثلهم، وتختلف عن عاداتهم وتقاليدهم .
ويضيف أحمد :"لم أتحمل هذا الكلام من أهلي وخصوصا أني كنت مقتنعا جداً بالفتاة وبأخلاقها، لذلك ذهبت لأهلها وتقدمت لخطبتها، وتم الاتفاق بيننا ورتبنا أمور الزواج ودفعت المهر ضارباً برأي أهلي عرض الحائط ، ولكنهم أقاموا الدنيا ولم يقعدوها علي".
ومضى يقول :"هددني والدي إما العدول عن الفكرة أو أن يتبرأ مني، ثم ذهب لأهل الفتاة وأجبرهم على قطع علاقتهم معي ، وتنازل لهم عن المهر الذي دفعته من مالي الخاص".
وأوضح بأنه عاجز عن الزواج منذ ذلك الوقت بعد تنازل والده عن المهر المقدر بـأربعة ألاف دينار لأهل الفتاة وهو كل ما إدخره للزواج .
قصة أحمد واحدة من قصص كثيرة تعكس مدى تعصب بعض الاهالي لتقاليد بالية.
"حمزة" (23عاما) أراد أن تشاركه أمه فرحته، فأسرع لإبلاغها عن فتاة أعجبته حتى تخطبها له، ولكنه فُوجئ بسؤالها عن أصل الفتاة، وعندما علمت أنها فلاحة رفضت وبشدة، قائلةً :"ممنوع، وما بقبل أزوج ابني فلاحة", لتنهار أحلام حمزة امام عقبة العادات والتقاليد.
الطالبة الجامعية ولاء (21عاما) اعتبرت ان هذه الظاهرة تسيئ للشعب الفلسطيني قائلةً :"نحن في القرن الحادي والعشرين، وما زال, أهلنا يفرقون بين المهاجر والمواطن!! يعتقدون فلاناً طيباً لأنه مهاجر والعكس إن كان مواطناً بينما تناسوا اعتبارات الدين والخلق التي أوصى بها ديننا الحنيف".
لاجئ أم مواطن؟!
وبدوره أكد د. نبيل دخان أستاذ علم النفس بالجامعة الإسلامية أن الظاهرة موجودة ولكنها مرتبطة ببعض البلدات وليس جميعها, وقال :"اللاجئون لهم خصوصية لأن ثقافاتهم وتقاليدهم وعاداتهم مختلفة، ولا يستطيعون العيش مع من هم يختلفون عنهم، وكذلك المواطنين".
وأوضح دخان أن الخصوصية في أسلوب الحياة قد يكون لها علاقة بجوانب المال والأملاك مثل بعض العائلات التي ترفض تزويج أبنائها إلا من نفس العائلة مما يترتب عليه ارتفاع نسبة العنوسة بشكل كبير.
وأكد أن النجاح أو الفشل في الزواج لا علاقة له باختلاف البلدة أو مسقط رأس الانسان، لأن النجاح مبني على أمور عدة غير ذلك منها الدين والخلق والفكر .
وتوجه دخان بنصيحة للآباء بأن يكونوا مُوجهين فقط من بعيد، وألا يضغطوا على أبنائهم لأنها حياتهم الخاصة وهم من سيتحمل نتائجها ، وأن ضغط الأهل قد يؤدي إلى الفشل ومن ثم يُحملهم الأبناء النتائج.
الدين والخلق
وفيما يتعلق بوجهة نظر الدين الاسلامي أوضح رئيس قسم الشريعة بالجامعة الإسلامية أ.عاطف أبو هربيد "للرسالة" أن الظاهرة منتشرة في المجتمع الفلسطيني، حيث تناسى هؤلاء الناس المعايير الشرعية للزواج.
وقال: "الأصل في الزواج التحقق من الأسس الشرعية في اختيار كل من الزوجين للأخر"، ودلل على ذلك بقول الرسول –عليه الصلاة والسلام- "إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه" وكذلك قوله "تنكح المرأة لأربع: مالها وجمالها وحسبها ونسبها، فإظفر بذات الدين تربت يداك".
وعن واقع الزواج في غزة أشار أبو هربيد إلى وجود مظاهر سلبية، حيث يصر بعض الأهالي على تزويج أبنائهم لأقاربهم, معتبرا ان ذلك ليس عيباً إن وجد توافق ورضا بينهم، ولكن رفض التزويج لغير الاقارب لهذا السبب فقط.
ونوه إلى أنه لا يحق للأب أن يرسم لأبنائه أسرهم وفق رغباته، حيث أن دوره هو التوجيه والارشاد, ولا يحق له اجبارهم على الالتزام برغباته.
ووجه أبو هربيد نصيحة لأولياء الأمور ألا يجعلوا تدخلهم عقبة في وجه أبنائهم، لأن الانسان لا يعرف أين تكمن السعادة، فربما يجدها مع من هو من غير بلدته.