القاهرة- الرسالة نت
لم يُخمد خطاب الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك حراك الدوائر القضائية المصرية في البحث عن ثروته وأسرته، سيما في ظل الأدلة الدامغة التي حصل عليها النائب العام في القاهرة، التي تؤكد حصول "آل مبارك" على ثروات طائلة وتهريبها خارج البلاد بعد ايام من اندلاع ثورة الخامس والعشرين من كانون الثاني/ يناير.
ووفقاً لدوائر سياسية في القاهرة جاء خطاب الرئيس السابق امس الأحد للعب على اوتار عواطف المصريين لتهدأ ثورتهم، وربما للتراجع عن قرارهم الرامي الى محاكمة مبارك واسرته، الا ان هذا الخطاب زاد من حسرة المصريين على المال العام، وضاعف من رغبتهم في محاكمة مبارك واسرته، وكافة الايادي التي امتدت لنهب المال العام.
رسالة سرية من النائب العام
وفي هذا السياق كشفت معلومات نشرتها صحيفة "واشنطن بوست" النقاب عن ان خطاب مبارك جاء في اعقاب رسالة سرية بعث بها النائب المصري العام عبد المجيد محمود الى الولايات المتحدة، مطالباً فيها بمساعدة واشنطن في التحقيقات الجارية لإعادة اموال اسرة مبارك للمصريين، سيما ان هذه الاموال تدخل في اطار المال العام، الذي تؤكد أدلة دامغة سطوة مبارك واسرته عليه.
ووفقاً لوثيقة الرسالة السرية، التي قالت الـ "واشنطن بوست" انها حصلت على نسخة منها، اكد النائب العام المصري في رسالته للولايات المتحدة: "ان حجم الاموال التي هربها مبارك وأسرته خارج البلاد تُقدر بـ 700 مليار دولاراً، معظمها اموال سائلة، اما باقي الثروة فتم تحويله الى قطع ذهبية، وتم تهريبها الى بنوك ومؤسسات مالية في دول عربية".
لم تحمل رسالة النائب العام المصري تلك المعطيات فقط، وانما جاء فيها بحسب تسريبات الصحيفة الاميركية، مخاوف عبد المجيد محمود من استغلال نجلي مبارك علاء وجمال من تحويل مبالغ مادية طائلة هي في الاساس اموال المصريين "اموال عامة"، مستغلين في ذلك نفوذهم لدى عدد من الأجهزة والمؤسسات المالية المصرية، الا ان الـ "واشنطن بوست" ذيّلت تقريرها بتقدير اشارت فيه الى انه من المحتمل ان تكون تقديرات النائب العام المصري للثروة التي يمتلكها مبارك واسرته مبالغ فيها، إذ كانت معطيات سابقة قدرت اموال مبارك وأسرته بأنها تتحرك ما بين مليار الى 70 مليار دولاراً.
وتشير الصحيفة الاميركية الى ان الوثيقة التي حصلت على نسخة منها، تحمل عنوان "طلب للمساعدة في التحقيقات"، وان النائب العام المصري كان قد بعث بها الى الولايات المتحدة في شهر شباط/ فبراير الماضي، الا ان الصحيفة عينها نقلت عن مصدر مصري في واشنطن قوله: "ان الطلب المصري الذي يتألف من 12 صفحة، وتم صياغته باللغة العربية، كان قد تم ارساله الى جميع الدول التي يشتبه في وجود اموال لمبارك واسرته في بنوكها ومؤسساتها المالية.
صناديق مالية كبرى
ووفقاً لتقرير الـ "واشنطن بوست" تعتمد الوثيقة المصرية على اتهامات معروفة، نسبتها الدوائر القضائية في مصر الى جمال مبارك، وتدور في مضمونها العام حول دوره في عدد من الصناديق المالية الكبرى في الدول العربية، اما بقية الوثيقة فتبدو وفقاً للصحيفة الاميركية: "انها لا تعتمد على أدلة دامغة، وانما تعيد اتهاماتها الى شهود عيان، وتقارير إخبارية تناقلتها وسائل الاعلام، وعلى وثائق بنكية مزيفة".
وكانت السفارة الاميركية قد اعلنت نهاية الاسبوع الماضي، ان كوادرها يبذلون قصارى جهدهم وبإصرار تام لتجميد اموال تابعة لقيادات النظام المصري السابق، كما تعقد السفارة لقاءات دورية مع رجال وزارة العدل المصرية لاستيضاح صحة الاتهامات التي تشير الى تهريب اي من هذه الاموال للولايات المتحدة. وتم تداول الاتهامات الجديدة المنسوبة لمبارك وأسرته على خلفية الاحتجاج الشعبي المتصاعد في مصر ضد النظام العسكري الحالي وعلاقته بالرئيس السابق.
على الرغم من ذلك نشرت مجلة "ديلي بست" الاميركية تقريراً مطولاً عن تفاصيل جديدة تتعلق بثروة مبارك واسرته، وامكانية اعادتها الى مصر او على الاقل تقفي أثرها وتحديد موقعها.
ونقلت المجلة عن دبلوماسيين وخبراء اميركيين في الشأن المصري قولهم: "انه على الرغم من ان ثروة مبارك واسرته مختفية بعيداً عن مصر في حسابات بنكية سرية، وحافظات استثمارية مسجلة بأسماء مؤسسات ائتمانية، الا انه من الممكن تقفي أثر هذه الاموال عن طريق تعقب الصفقات التي ابرمها جمال مبارك، فمبارك الابن البالغ من العمر 47 عاماً، الذي أحبطت ثورة الخامس والعشرين من يناير تطلعاته لخلافة والده، كان يتسلق للوصول الى هدفه جيداً، فضلاً عن حنكته في ادارة امواله واموال الأسرة".
وانطلاقاً من ذلك – كما تقول المجلة الاميركية، اعتبر جمال مبارك العاصمة البريطانية لندن مقر إقامته الثاني بعد القاهرة، إذ كان يقيم في منزل خاص يتألف من ستة طوابق في ضاحية نايتسبريدغ اللندنية، الى جوار محلات هارودذ، و"هايد بارك"، والى جوار منزله يقبع مقر شركة الاستثمارات والاستشارات المالية Medinvest, التي اسسها جمال مبارك بعد ان انهى عمله في بنك "اوف اميركا".
إدارة أموال أسرة مبارك
ووفقاً لما نقلته مجلة "ديلي بست" الاميركية عن دبلوماسي غربي سبق وخدم بلاده في القاهرة: "حاولت دوائر مالية عديدة الحصول على معلومات تتعلق بشركة Medinvest، الا انها لم تتمكن من ذلك".
اما أروة حسن خبير شئون الشرق الاوسط في منظمة Transparency International, المعنية بمكافحة الفساد، فقالت في حديثها مع المجلة الاميركية: "ان جمال مبارك كان مسئولاً رئيسياً عن ادارة اموال الاسرة، وخلال الآونة الاخيرة كان يعتاد على الظهور في مكاتب شركات مالية كبيرة في مصر، ليطالب هذه الشركات بالانضمام الى مجلس ادارة او شريحة كبار المدراء، في مسعى لم يكن سراً، وهو الحصول على عمولات من قيمة ارباح تلك الشركات".
واضافت أروى حسن: "سمعت ذلك من مصادر مختلفة، وانا لا اعتقد انه كان سراً".
وفي حديثه مع ديلي بست، قال "كريستوفر ديفدسون"، خبير شؤون الشرق الاوسط في جامعة درهام البريطانية: "ان مبارك جمع اموالاً بمعدلات ضخمة، لدرجة ان هذه المعدلات البشعة – وكانت جميعها عمولات من صفقات تُبرم مع مصر - أخجلت عدداً من دول الجوار المصري. وخلال حكم الرئيس المصري السابق، طلبت أسرة مبارك والدوائر المقربة منها الحصول على عمولات بلغت مليارات الدولارات من قيمة الاستثمارات الأجنبية في مصر".
واضاف ديفدسون: "هذه العمولات لم تعطها وسائل الاعلام الاجنبية حقها في النشر، الا ان الشارع العربي والدوائر المقربة من صنع القرار فيه، كانت على علم كاف بها".
واعرب الخبير البريطاني عن تخوفه من احتمالات عجز الاجهزة المعنية سواء في مصر او الولايات المتحدة وأوروبا في الكشف عن ثروة مبارك وأسرته، مشيراً الى ان تلك الاسرة انفقت مبالغ مادية طائلة للحيلولة دون نجاح اية تحقيقات في الكشف عن حساباتها السرية في مختلف بنوك العالم.
في الوقت عينه كشفت صحيفة "وول ستريت جورنال" الاميركية النقاب ان المباحث الفيدرالية الاميركية الـ FBI، كلفت طاقماً جديداً لتقفي أثر ثروة مبارك وأسرته للوقوف عن كثب على سرقة مودعي الشركات الاجنبية.3
وفي حديث مع الصحيفة الاميركية، قال "لني بروار" رئيس وحدة الجنايات في وزارة العدل الأميركية: "نعتزم العمل على الكشف عن ثروات زعماء دول ورؤساء حكومات على مستوى العالم، سيما ان تلك الاموال والثروات تعود في احقيتها الى الشعوب وليس للقادة السياسيين".
ويتصدر قائمة الزعماء السابقين الذين تعتزم واشنطن البحث عن ارصدتهم السرية المحتملة في الولايات المتحدة، الرئيس المصري السابق حسني مبارك، ونظيره التونسي زين العابدين بن علي.