الرسالة نت - أمينة زيارة
وقفت زوجة الأسير نافذ حرز " أم أحمد" الذي أمضى 24 عاماً في سجون الاحتلال، تنفض غبار الزمن الذي آلم مشغولات زوجها الإبداعية والتي استخدم فيها ابسط الإمكانيات من "الحجارة والقش والخرز" معتبرة أن تلك المشغولات بمثابة الذكرى الجميلة لزوجها في بيته بعدما غاب عنه لما يقارب نصف قرن من الزمان، فبيت الأسير حزر يحتضن صوره إلى جوار معلقات للمسجد الأقصى من الخرز، وسفن العودة التي زينت أجنحة البيت زواياه.
تقول "أم أحمد" لـ"الرسالة نت" وهي تشير إلى تلك المصنوعات التي زينت جوانب بيتها: صنع أبو أحمد فك الله أسره وجميع الأسرى الفلسطينيين تلك اللوحات والمجسمات، كما أهدى العديد منها لأولاده وأحفاده؛ فقد تركزت مشغولاته حول القدس التي يحمل بزيارتها والصلاة فيها وأن يفك الله أسرها مثله، وكذلك سفن العودة، وبراويز تحمل الصور.
مشغولات تزين البيوت
ولا يكاد بيت فلسطيني يخلو من الأعمال اليدوية التي ينتجها الأسرى في السجون، ومعظمها عبارة عن مجسمات لسفن شراعية ضخمة، ولوحات، ورسومات، وهياكل للمسجد الأقصى وقبة الصخرة، أو إكسسوارات على هيئة خريطة فلسطين.
"أم إياد" لازالت تحتفظ ببعض مشغولات شقيقها "خالد" الذي صنعها أثناء اعتقاله ومنحها إياها في زيارتها الأولى له في سجنه ، فقد قدم لها "محرمة من القماش" مطرزة بأجمل الرسوم التي تعبر عن الحب الأخوي والاشتياق للحرية، هدية زفافها.
وتضيف: أخي خالد إنسان موهوب في الرسم وكم كانت سعادته غامرة عندما علم بزيارتي فقد سهر الليالي يخط ويطرز أجمل الرسومات على تلك "المحرمة" فما أن سلمت عليه من خلف القضبان حتى فاجئني بتلك الهدية الجميلة التي احتفظ بها حتى اللحظة مثبتة بدبابيس في خزانتي حتى أراها ليل نهار.
وتتابع: رغم الإفراج عن شقيقي وهو الآن ينعم بالحرية إلا أن لتلك المشغولات ذكريات جميلة لا تنسى، كما يتزين بيته بالكثير من أعماله الإبداعية.
أما الأسير المحرر وليد الهودلي الذي استبدل الديكورات العصرية بأعماله التي تزينت به الحوائط وزوايا البيت، فقد وقف أمام لوحة صنعتها يده بخيط التطريز الأحمر والذهبي وكتب "عائشة .. رعاك الله ومن ثم تتوسط صورة الصغيرة تلك اللوحة التي فضل أن يغلفها بالزجاج حفاظا على تراث تعب عليه سنوات، ومثلها الكثير من اللوحات التي علقت على حوائط بيته بدءا بالمرايا المطرزة ولوحات الخرز، وصناديق الزهور والحلي.
ويواصل: لم تكن هذه المشغولات ملكي وحدي فبعضها من صنع زوجتي الغالية الأسيرة "عطاف عليان" التي أخرجت بشق الأنفس من قضبان السجون، وعن صناعة تلك المشغولات التراثية يوضح الهودلي: يستخدم الأسرى أدوات بسيطة حسب الإمكانيات المتاحة، فلا تكاد تخرج عن "قطع من الأقمشة البالية.. عجم الزيتون، وعلب الكرتون، أنابيب فارغة لمعجون الأسنان والحلاقة، وحصى ورمل، وأزار ملابس، وعيدان ثقاب، وخزف.
التحف الفنية والأعمال التراثية التي ينجزها الأسير تأخذ الكثير من وقته وجهده، لكنه يشعر الفرح عندما تصل إلى ذويه لأنها ستبقيه متواصلاً معهم رغم بعدهم عنه.
معرض دائم
ومن جانبه قال عبد الفتاح أبو جهل مدير دائرة التراث والأنشطة بوزارة شؤون الأسرى والمحررين على أن الوزارة أعادت افتتاح المعرض الدائم لمشغولات الأسرى برعاية دائرة التراث والأنشطة، والتي كانت موجودة في السابق، مضيفا: في فترة الفلتان الأمني نُهبت محتويات الدائرة من أعمال ومشغولات الأسرى.
وعن أهداف الدائرة أشار إلى أنها تتمثل في توثيق تاريخ الحركة الأسيرة الفلسطينية عبر تجميع إبداعات الأسري الفنية التي تشمل الأعمال اليدوية والأدبية، والتحف التي يصنعها الأسرى داخل السجون مما تيسير لديهم من إمكانيات ومواد بسيطة، وإقامة معرض دائم لها يستقبل الزوار والمهتمين لتسليط الضوء على قضية الأسرى ومعاناتهم.
ويضيف: يضم المعرض الدائم الأعمال اليدوية للأسرى التي تحكي سيرة نضالهم ووفائهم للوطن، واشتياقهم للأحبة والإخلاص لذكرى رفقاء الأسر، منوهاً إلى أنه سيتم الاحتفاظ بهذه المشغولات لتوثيق تراث الحركة الأسيرة وحمايتها من الضياع.
وعن أهم المعوقات التي تواجه هذا المشروع: قال تتركز المعوقات في عدم تعاون الأهالي بمدنا بتلك المشغولات التراثية لوضعها في المعرض خوفاً عليها من الضياع خاصة أنها تمثل وجود الابن في البيت وبمثابة الذكرى الجميلة لهم في بيوت ذويهم.
وحول تركيز المشغولات على صناعة الأقصى والسفن، يفيد أبو جهل أن الأقصى يحتل مساحات واسعة في عقول الأسرى، فهم اعتقلوا وعذبوا بسبب دفاعهم عنه، ورغم مرارة سجنهم فما زالوا يدافعون عنه في رسوماتهم ولوحاتهم التي ينحتوها داخل الزنازين.
وتعود الذاكرة بالأسير المحرر أبو جهل إلى سنوات قبل الإفراج عندما عايش إبداعات الأسرى فقال: كنا نركز في أعمالنا على قبة الصخرة، وذلك يدل على مدى ارتباطنا بالقدس، واشتياقنا للقائه، مضيفا: تلك الأعمال شكلاً من أشكال المقاومة من داخل السجون؛ حيث تعمل على ترسيخ أهمية القدس في الوعي الفلسطيني، وتجعل الأقصى حاضرة في كل بيت وفي أذهان الصغار والكبار.
وعن الأدوات التي يستغلها الأسرى في صحراء السجن القاحلة يذكر: تبرز هذه المشغولات اليدوية قدرة الأسير الفلسطيني على استغلال الإمكانيات البسيطة المتوفرة داخل السجن في نسج أشكال فنية نابعة مما يدور بخلده، وتبعث برسالة إلى الشعب الفلسطيني والعالم مفادها أن الأسرى داخل السجون الفلسطينية هم شعلة متقدة من النشاط والحيوية لن تكسرهم قسوة السجن وظلم السجان.
الأسير الفلسطيني يمكث وقتاً طويلاً في تحضير وتجهيز المجسمات والأشكال الفنية بغية تقديمها كهدية لذويه أو محبيه، بما يتوفر لديه من الكرتون والخيوط القماشية وغيرها لتكون ذكرى تحيي الأمل في اللقاء.