الرسالة نت - محمد بلّور
كل شيء في منزله يشتاق إليه, كلما همّت أسرته باتخاذ قرار ما تنبهوا لغيابه ومشورته .
ورغم غيابه عن البيت منذ ثلاث سنين ونصف إلا أن أطفاله يحومون في أرجاء البيت حاملين رائحته مذكرين من حولهم بأبيهم الذي طالت غيبته .
في الطريق إلى منزله شرق مخيم البريج قرب وادي غزة يبدو كل شيء وديع, نباتات متفاوتة الطول نمت على جانبي الطريق وزهور بريّة تهزّ قامتها مترنحة تحت أشعة الشمس في هدوء لا يخترقه سوى صوت العصافير .
يمضي الأسير النباهين 30 سنة حكما بالسجن 9 سنوات ونصف وهو الآن يقبع في سجن نفحة بعد تنقله بين عدة سجون .
يمتدح الأهل والأصدقاء حتى الأسرى المحررون الأسير صخر النباهين إعجابا بدماثة خلقه وحسن طباعه .
نشأة فريدة
في حجرة الضيافة امتلأت المقاعد بأشخاص يحملون له محبة وذكريات عتيقة , الأول هو الأب الذي افتتح حديثه بالقول إن نشأة ابنه كانت فريدة فهو شخص اجتماعي ونشأته دينية بامتياز .
تحسس أبو صخر مقعده وأضاف:"متدين من الصغر ويصلي ويقلّد المؤذنين ولما كبر أحب الدعوة للمساجد وللخير وقد كان حريصا على إنشاء مسجد في منطقتنا الحدودية ولما بني المسجد أصبح يحفظ القرآن للصغار".
يحتضن حفيده محمود 4 سنوات مشيرا أن ابنه تنقل في المنطقة للإسهام في بناء كل مسجد وأنه انضم للعمل المقاوم إيمانا بما قال عنه فرض على كل مسلم.
على مقاعد مجاورة اصطفت والدة صخر وزوجته وشقيقتيه في استماع للقصة من أولها .
تقول والدته إن غياب ابنها "أبو محمود" كان صعبا عليها وأنها تذكر كل يوم مواقفه وطاعته وبرّه بوالديه .
تعزز الأم رأي زوجها حين تؤكد على نشأة صخر الملتزمة التي أثارت محبة كل من عرفه .
وأضافت:"يحب الخير للناس ويمشي في طريق الخير ولم يغضب منه أحد يوما-تقلّب كفيها-أتمنى الفرج القريب له".
يختفي صوت الأم لحظات مجاهدة حزنها قبل أن تعود للحديث عن قدراته الاقتصادية منذ كان طفلا مضيفة:"كان يربي الدواجن ويتاجر ويعمل في الزراعة".
ليلة الاعتقال
كعادتهم سكان المناطق الحدودية فقد تعودوا على هدير الدبابات الإسرائيلية التي تجوب الحدود على بعد مئات الأمتار منهم لكن تلك الليلة كان مختلفة بالنسبة لمنزل أبو صخر النباهين .
عن ليلة الاعتقال أكد أبو صخر أنه سمع صوت دبابات قرب الثانية فجرا تتحرك إلى الشرق من منزله 300 متر .
وأضاف:"أيقظت الأهل وبدأت اسمعهم ينادونا بمكبرات الصوت على أهل البيت أن يخرجوا, كان صخر لجواري –يلوّح بيده-ثم بدأ إطلاق نار وقذائف وتقدموا إلينا وأجبرونا على رفع أيدينا أنا وأبنائي ثم قيدونا واعتقلونا في الدبابات".
تعرض أبو صخر وأبناؤه للتحقيق على يد الجنود داخل فلسطين المحتلة وقرب العاشرة ليلا أطلقوا سراحهم عند معبر بيت حانون ولكن دون ابنه صخر .
التحقيق
في أقبية التحقيق كان عليه أن يجسّد من اسمه واقعا حتى يتحمّل سياطهم التي انهالت على جسده دون رحمة .
في الخارج كانت أسرته تتابع مع مؤسسات حقوق الإنسان طوال 40 يوما حتى علمت أنه موقوف في التحقيق .
خيّم الصمت على الحاضرين عند وصول أبو صخر لهذا الجزء من الحكاية حيث أكد أن ابنه ضرب بشدة على جسده ما سبب له آلام في كليته .
وتابع:" ضرب وشبح 60 يوما ثم نقلوه على مستشفى سوروكا وظل يعاني من كليته حتى أجرى عملية في رمضان الماضي ومكث 24 يوم في المستشفى ولازال يعاني آلاما" .
تنقل صخر بين سجون المجدل وإيشل وهوليكدار ونفحة وقد حكم قبل شهرين بالسجن لمدة 9 سنوات ونصف بتهمة المشاركة في أعمال المقاومة .
انقطعت أخبار صخر عن أسرته ولا يعرفون عنه شيئا سوى أنه الآن في سجن نفحة علما أن الاحتلال يمنع أهالي أسرى غزة من زيارة ذويهم منذ 4 سنوات .
مكانة عظيمة
يرخي عمر شقيق الأسير صخر قبعته على جبهته ويضم كفيه أمام وجهه خاشعا أمام ذكريات منزليه لا تمحى من ذاكرته .
وقال عمر إن لشقيقه صخر مكانة عظيمة بين أهله ومنطقته وان غيابه أثر على الجميع .
أما والدة صخر فتؤكد أن ابنها حاضر أمام عينيها في كل لحظة قائلة: "لا أنسى مواقفه وحركاته فالابن الأكبر له محبة خاصة ولكن اعتقاله جاء بإرادة الله وأتمنى رؤيته قريبا في البيت" .
وعاشت الأم حالة من الحزن الشديد في بداية اعتقال ابنها , تخيّلت ألوان العذاب التي سمعت أن المعتقلين يواجهونها وحاولت التغلّب على جراحها حتى سلّمت بالقدر.
الزوج والأب
رغم أنها عاشت معه أقل من عامين إلا أنها رأت عبره الدنيا كلها بتفاصيلها حلوها ومرّها .
صخر الزوج في قلب زوجته "أم محمود" كان كما تقول الرجل الذي حاول تطبيق تعاليم الإسلام ووصايا الرسول صلى الله عليه وسلم.
تشير بيدها لطفلها قبل أن تضيف:"حين اعتقل كان معي فقط ابني محمود والآن معي محمود وملاك وقد فرحنا كلنا بميلاد البكر وقد أسماه على اسم والده وزوجي رجل متواضع يحاول دائما إرضاء الطرفين في كل خلاف ويوازن بين القضايا وقد ولدت طفلتنا ".
حثّ صخر زوجته كثيرا على إتمام دراستها وخصّها بأجواء البيت الدافئة حتى أكملت دراستها وهي الآن تعمل معلمة رياضيات.
وقالت إنها تغلّبت على الأيام الأولى لاعتقاله بمساعدة الأهل لكن أكثر ما يؤثر فيها الآن الأطفال فتضيف:يسأل الصغار عنه دائما وكلما شاهدوا قناة طيور الجنة وخالد مقداد يحمل أبناءه يسألوا متى سيحملنا أبي مثلهم؟!" .
أصبحت أم محمود جزء من مجتمع الأسرى تتابع أخبارهم في كل وسيلة إعلام, موقع الكتروني-إذاعة وتلفزيون وكل شيء.
وتتهم كافة الجهات الرسمية والإعلامية بالتقصير في قضية الأسرى التي قلما يذكرونها أو يركزوا عليها.
شقيقات الأسير
تحمل كل واحدة منهن قسطا من ذكريات ومواقف كبرت مع الزمن, الأولى أم عماد التي افتتحت حديثها بإرسال التحية لمن وصفته بالأب الثاني لها في البيت.
وأضافت:"رغم اعتقاله أشعر بوقوفه لجانبي فيحثني من معتقله على إكمال دراستي" .
وقف صخر بنصائحه لجانب أم عماد لما تزوجت وطالبها باللجوء إليه حال واجهت أي مشكلة فوجدت في حنانه ومحبته سلوى الأخت في أخيها.
أما شقيقته أم يونس التي تليه سنا فقد لازم على زيارتها بعد زواجها وجسّد بكلماته مرشدا وموجها لها-كما تقول .
وأضافت:"طيب لأبعد حدود وحريص على زيارتنا دوما حتى اعتقل" .
وتتمنى أسرة الأسير صخر النباهين أن يرى ابنها النور قريبا في صفقة تبادل الأسرى وألا تطول غيبته عن أطفاله وزوجته وذويه فكلهم مشتاقون إليه.