قائمة الموقع

محو الأمية الملاذ الوحيد لمن يجهل القراءة والكتابة

2009-11-10T14:24:00+02:00

غزة/ مها شهوان

"بعد ما شاب ودوه الكتاب" هذا المثل الذي جعل أبو محمد( 32 عاما) يترك محو الأمية حينما بدا إخوته وزوجاتهم يعايرنه في كل مرة كان يحمل فيها دفتره متوجها للمركز ليتعلم .

وقد ترك أبو محمد المدرسة في عمر صغير لينضم إلى طريق التجارة مع والده آنذاك، حتى أصبح جميع إخوته يستغلونه لأنه وبكل بساطة لا يستطيع القراءة والكتابة.

وأنجز حوالي 70% من المنهاج المقرر عليه في مركز محو الأمية، وذلك بعد ضغوطات من زوجته التي باتت تغار عليه من الفتيات اللاتي يدرسنه في المركز.

وقبل أن يترك المركز أبو محمد كان ملتزما بالحضور فكان يحضر قبل موعد حصته بوقت لكنه كان يخبئ الدفتر في ملابسه حتى كان يظنه الطلبة بأنه أستاذ ذلك حسب قوله.

لم تكن حالة أبو محمد الوحيدة التي قابلتها "الرسالة" أثناء تجوالها على مراكز محو الأمية في قطاع غزة .

فقد باتت تلك المراكز تستوعب العديد من المنتسبين إليها لتبين مدى إدراك قيمة العلم لدى جميع شرائح المجتمع الفلسطيني ، فالكبير أصبح يدرك قيمة العلم قبل الصغير.

قيمة العلم

أما محمد الذي يبلغ من العمر الـ20 ربيعا تزوج دون أن تدرك زوجته بالتحاقه بمركز طيبة لمحو الأمية خافيا عليها الأمر بشكل مؤقت ليمهد لها حتى يتفادى الإحراج معها.

ترك محمد المدرسة وهو في الصف العاشر فلم يكن يحب المدرسة ، لكنه حينما ابتعدت عنها أدرك بأنه ينقصه العديد من الأشياء ، معتبرا أن الإنسان الغير متعلم ليس له قيمة في المجتمع.

ويعمل محمد في مجال التجارة مما يدفعه لمواجهة العديد من الصعوبات،لاسيما في الحسابات أثناء عملية التوزيع ، و في كثير من الأحيان يقع في مواقف محرجة لعدم استطاعته القراءة والكتابة.

ويقول محمد وعلامات الأمل بادية عليه:" توجهت للمركز لأني أدركت قيمة العلم ، وأريد أن أكون قدوة لأولادي حتى يكونوا متعلمين"، منوها إلى أن المجتمع لا يرحم الجاهل وإنما يحترم المتعلم، وأنه سيعمل جاهدا من اجل الحصول على شهادة الثانوية العامة".

وذكر بأنه حينما يكون بين جماعه من الناس يخشى من أن يطالبه احدهم بالقراءة أو الكتابة، إضافة إلى أنه يمتنع عن الحديث أمامهم أو يبدى رأيه إزاء أي موقف خوفا من أن يقولوا"جاهل وبحكي".

وبحسب محمد فهو يقوم بتشجيع عدد من أصحابه الذين تركوا المدرسة بالالتحاق بإحدى مراكز محو الأمية لكنهم يرفضون ذلك بسبب خجلهم وخوفا من أن يعايرهم احد.

في حين كان فتحي ابن السابعة عشر عاما غارقا في تقليب دفتر واجباته وهو جالس على مقعده في إحدى مراكز تعليم محو الأمية ،فهو من ترك التعليم في الصف الثالث الابتدائي فقد كانت أمه في ذلك الوقت متوفاة لترغمه زوجة أبيه بان يترك المدرسة ليجلب المال حيث كانت تفتعل له المشاكل باستمرار .

اضطر فتحي منذ ذلك الوقت بان يعمل في محل لصيانة الأجهزة الكهربائية فلم يزد راتبه منذ ذلك الوقت سوى خمسة شواقل رغم انه متمكن في الصيانة.

صاحب المحل والعاملين معه يعاملونه معاملة سيئة نظرا لعدم استطاعه القراءة والكتابة فقد كانوا باستمرار ينظرون إليهم بأنه اقل شئنا منهم.

ويشعر فتحي بنقص شديد خاصة بأنه يرى أصحابه الذي كان يرافقهم في المدرسة أصبحوا الآن بالمرحلة الثانوية فقد بات قلبه يعتصرا حسرة كلما رأى احد منهم ذاهبا لمدرسته ليتعلم ، ذلك النقص الذي جعل العزيمة والرغبة تسيطر عليه للالتحاق  بالمركز لاستكمال تعليمه.

العادات لم تسمح

الحاجة أم احمد 63 عاما لم تكن تعرف الكتابة ولا القراءة ، فقد كانت منذ صغرها تود أن تتعلم كباقي الفتيات اللواتي كن في عمرها لكن عادات عائلتها لم تكن تسمح لها بان تلتحق بالمدرسة إلى أن بقيت حبيسة شباك غرفتها لترى فتيات حارتها وهن يذهبن إلى المدرسة .

أم محمد كثيرا ما كانت تتمنى بان تتعلم القراءة والكتابة وحينما كبرت طلبت من رب العالمين بان يقدرها على قراءة القران الكريم حتى تمكنت من ذلك حينما علمت بأنه في احد المساجد القريب من بيتها أعلنوا عن فتح حلقات لتعليم القراءة والكتابة لكبار السن فلم تتردد كثيرا ، لاسيما حينما شجعها أولادها وبناتها الستة الذين لم تتوانى للحظة واحدة عن تشجيعهم للعلم حتى أكملت لهم تعليمهم الجامعي.

بينما مصطفي "27"عاما احد الملتحقين بمركز لمحو الأمية ، كان الدافع الأكبر لالتحاقه بالمركز مشاكله مع إخوته لحرمانه من ميراث والده مستغلين عدم معرفته للقراءة والكتابة، بالرغم من انه من وقف مع والده منذ صغره لجمع تلك الثروة .

فالمال الذي تركه أبو مصطفى كان من تعب مصطفى وعلى حساب حياته العلمية فقد ترك الدراسة وهو بعمر الثانية عشرة رغم انه اصغر إخوته .

مصطفى كان يتعلم بالمدرسة لكن حينما ضربه الأستاذ تغيب عده أيام دون أن يكترث احد والديه ، فهو من أحب اللعب والجلوس بالبيت ومرافقة والده ليترك الدراسة ،فلم يكن والده ممانعا كثيرا ترك ابنه للمدرسة معتبرا إياه "من سيرد العين عن إخوته المتعلمين".

توجه مصطفى إلي العديد من المحاميين ليرجع حقه الذي سلبه منه إخوته ، لكنه فشل لعدم استطاعته التعامل مع المحاميين بسبب عقدة داخلية أصبحت لديه بان كل شخص متعلم هو عدوه.

وبحسب مصطفى فان إخوته لا زالوا يعاملونه كأجير عندهم بالرغم من انه يحرك ما يقارب الـ40 عاملا داخل احد المصانع التابعة لإخوته لكنه بالنهاية يأخذ راتبا كبقية العمال .

يقول مصطفى:"في بداية التحاقي بالمركز كانت نيتي الانتقام من إخوتي وكل شخص متعلم ، لكني حينما بدأت بأخذ الدروس أدركت قيمة العلم حتى باتت لدى العزيمة بان أكمل الثانوية العامة والتحق بالجامعة كباقي إخوتي الذين يعايرونني بالجاهل".

الحقيقة المرة

وفي إحدى زوايا مراكز محو الأمية تجلس حنين ،حيث كل من ينظر إليها يعتبرها أية من آيات الجمال ،و من يراها لا يعطيها عمرها الحقيقي الذي تجاوز الثلاثين عاما فعيناها الخضراوتان ووجنتيها الحمراوتان جعلت كل شاب يراها في صباها راغبا بالزواج منها ،لكنهم حينما يدركون بأنها غير متعلمة ولم تكمل المرحلة الابتدائية يمتنعون الاقتران بها.

وأوضحت حنين بأنها تركت المدرسة بسبب مرض والدتها التي أرادت لابنتها أن تجلس بجانبها طيلة فترة مرضها لتساعدها في إعداد أمور البيت باعتبارها البنت الصغرى وجميع إخوتها متزوجات .

رغم حب حنين للعلم إلا أنها اقتنعت بتلك الفترة بكلام أمها بأنها فتاه جميلة وغنية وجميع الشباب يرغبون بالزواج بها ،لكنها أدركت الحقيقة المرة حينما تجاوزت الثلاثون عاما لتصدم بالواقع الذي يعتبر الإنسان لا يساوي شيئا دون العلم.

التحقت حنين بمركز لمحو الأمية حتى استطاعت أن تحصل على شهادة الابتدائية والإعدادية حسب برنامج أعدته وزارة التربية والتعليم لمثل تلك الفئات ، والآن تعد نفسها للالتحاق لنيل شهادة الثانوية العامة للتمكن من دخول الجامعة.

 

اخبار ذات صلة