الرسالة نت - ميرفت عوف
من منا لا يعشق سماع " الحكاية " سواء كانت حقيقية أو خيالية أو تراثية ، ومن لا يُجذب إلى مشهد " الحكواتي " في الدراما الشامية التي تتناول الماضي ، أنه المورث الشعبي الجميل الذي افتقدناه في ظل التقنيات الحديثة.
اليوم ما زال الكثير منا يحلم بأن يجلس أمام " حكواتي " يحكي حكاية شعبية عن بطل أو موقف نبيل، لقد أصبح هذا الحلم حقيقة لأهلنا في قرى الداخل المحتل عام 48 ، هناك احترف الأستاذ عبد الحكيم سمارة مهنة " الحكواتي " فأعطاها أكثر ما يمكن أن يعطيه مثقف مؤمن بقضية ما لهذا الموروث الشعبي ، وقد نفعه في إتقان هذه المهنة حبه وهو طفل للجلوس إلى "مايلات العصا" أي "العجائز" فيسمع ما طاب له من الحكايات الشعبية التي بطلها "نص نصيص" أو "الشاطر حسن".
لقد تحول سمارة قبل أكثر من خمس سنوات من العمل السياسي إلى العمل الثقافي الشعبي فوجد "الكنز" عندما بدأ يبحث في الموروث الشعبي عن "الحكاية الفلسطينية"، كان الكنز موجودا في ذاكرة عجائز فلسطين هناك في الداخل المحتل وأيضا هنا في غزة حيث جمعت في بعض الكتب الثقافية.
بدأ سمارة يجمع ويأرشف ما يفوق الألف حكاية، ورغم أنها مرت عليها آلاف السنين إلا أنها بقيت محتفظة بجوهرها، لم يسبقه في الاهتمام بهذه الحكاية الشعبية سوى مؤسسة وحيدة هي مؤسسة "إنعاش" الكائنة في البيرة.
يعرف أهل بلاد الشام " الحكواتي " لوجود المقاهي الشعبية التي تجمع الكثير من الناس ، فكانت القرية التي تخلو من هذه الأماكن لا تعرف هذا الحكواتي بل يقوم بمهمته كبير العائلة، وهنا سمارة أحب أن يكون " حكواتي " فلاحا يدخل السرور إلى أهل قريته فمنذ خمس سنوات ارتدي زى الفلاح وصال وجال يحكي الحكاية في قرى المثلث .
لا يكتفي سمارة بهذا النشاط بل أراد أن يحفظ هذا التراث حتى بعد رحيله ، فعكف وبعض المؤسسات على توثيق الحكاية الشعبية ، وتم نشر ثمانية حكايات بلغة فصحى مهذبة من هذه الحكايات.
يجول أيضا الحكواتي " سمارة " في مدارس ونوادي والجمعيات غالبية مدن وقرى الداخل المحتل ليحكي ويحكي، ولن ينسى سمارة أن يشارك بكل ما أوتي من قوة برواية الحكايات في القرى المهجرة التي تسعي دولة الاحتلال لطمسها ، هناك لا يكاد يترك مخيم ترفيهي للأطفال إلا وقد حكى فيه أكثر من حكاية ، يغذى بها الأطفال بالانتماء والتسامح ، ولا ينسى سمارة المشاكل التي يعني منها المجتمع العربي في الداخل المحتل فيحاول أن يوصل رسائل الأمن والسلام عبر قصصه إلى جيل المستقبل هناك .
يقول لنا سمارة :" الحكاية هي الثقافة والانتماء والعادات والتقاليد الجميلة الخاصة بالمجتمع الفلسطيني المحافظ ، كما أنها لا تخص الصغير بل هناك حكاية تناسب ابن الخامسة وابن المائة من العمر".
لا تقف عند الرواية
لا تخلو الحكايات الشعبية من الأغاني الشعبية التي تطرب الجميع وتكون خالية من الموسيقي ومرافقة لدبكة أو بعض الحركات الخاصة ، وقد يقدم سمارة على تمثيل الحكاية بكامل شخوصها كما يحدث في المسرح ، أما أجمل ما يعمل عليه سمارة مع مؤسسة القطان الثقافية فهو تحويل الحكاية الشعبية الفلسطينية إلى كرتون يكون بطلها شخصية "نص نصيص" أو غيره من أبطال الحكايات الشعبية وهو شيء مميز يتعطش له الأطفال وسيكون مفيدا جدا لهم كما يتوقع القائمون على المشروع.
الحكواتي سمارة سعيد بعمله هذا ويتمنى دائما أن يؤدي دوره على أكمل وجه، وسيقوم قريبا بتدريب مجموعة من الحكواتية الشباب على فن الحكاية كي لا يموت هذا الموروث الشعبي.
يأمل "الحكواتي" سمارة أن يصل غزة وخاصة مخيماتها كي يحكي فيها الحكايات الشعبية ويرى أهله وزملاءه المثقفين فيها، لكن الظروف منعته والأمل يسكنه بان يأتي قريبا إلى أهالي غزة الذين أحبهم كثيرا ، ووجه لهم عبر "الرسالة نت" تحية ودعاء بالنصر والفرج القريب.