رشا فرحات
انتحار
في وجوم، في خوف، في حنق، في غضب، اشتعلت النار فجأة، وعربة يسوقها اليأس انزلقت من على مفترق متخم بأوجاع الماضي، تدحرجت الثمار، انسلت الأيدي الفارغة إلى سلالها، تغترف من بضاعة بدون صاحب، النار تأكل الجسد، اللون الأسود يغلب على جميع الألوان، اليأس ينادي من الداخل، الندم يطفو فوق سطح الجسد المتفحم، الوجوه تستغرب، العيون تتفرج، أم تبكي من بعيد، أخوة يفتحون أفواههم جوعاً، جيوب فرغت من ثمن الكفن، الروح تخرج بدون صوت، جسد رخيص، وعربة خشبية، لقد كان الاختيار صائباً هذه المرة.
موت عادي
آخر حفنة من تراب، يتنازعون اغترافها فوق الجسد المسجى في حفرة بين الأرض والأرض، حيث تحولت الغيوم إلى لون أسود، أصواتهم تخبو شيئاً فشيئاً، عيونهم تتلفت بخجل، لا دموع تسقط، في اعتيادية الموت، سكون مخيف، لقبور موزعة على رمال ساكنة، وبعض أشجار جافة، تتقطع فتخرج صريراً، يرتجفون وجلاً، ، ثم يرتشفون فنجاناً للقهوة، وبعض حبات من تمر جاف، يقفون في سلام عاجل، يسيرون حيارى، يخمنون موعداً للموت المقبل، يتهامسون، يتذاكرون، يحتسبون، يخلعون اللون الأسود، تتوالى الضحكات، الصورة الكبيرة تصغر شيئاً فشيئاً، الذاكرة تضيع مع ضحكاتهم، يحددون موعداً للقائهم غداً ، فهناك عرس يقيمه الآخر .
اغتصاب
عيناه مضيئتان، كأعين ضبع مفترس، قلب وسخ، فم تعود على التهام الجيّف، وفكين مختلفين، وعقل ملغم بسيجارة متفجرة، وجوم وظلام دامس، وخيمة سوداء وفستان أبيض، وتلك الغريبة تصرخ للصحراء الخالية البعيدة، تناجي رحمة، وترجو سماء تنظر بتربص، الأسنان ما زالت تفترس، حسابات تتلخص في جسد فتي، وسكينه حادة كالنصل، تمزق الثوب الأبيض، ودموع تجرف ملامح وجه وردي اللون، مرسوم على عتبات ذاكرة قديمة. انتهت الجريمة، أشعلت سيجارة ملفوفة، وضحك الضبع في جوف ليلة سوداء، في صحراء قاحلة.
وفي المحكمة، صرخ العدل بصوت مكسور، زوجوا القاتل للمقتول.
صورعادية
شاخصة عيونهم على الشاشة الملونة، يقلبون بين الصورة والصورة، تزداد خفقات صدورهم فتزيد أوجاعهم، أطفال تمددوا على قارعة طرق بعيدة موحشة، يعرفونها ولا تعرفهم، وقفوا إلى جانبهم في زمن بعيد يهتفون لشيء لم يعد يسكن الذاكرة، تعلوا أصوات أنفاسهم فيفارقون الحياة مفارقة عادية، تغطى أجسادهم بأجساد أخرى ملونة بالأخضر والأبيض والأسود، وذلك الأحمر الذي خرج من رصاصة آثرت التفرج من بعيد، تفاصيل وجوههم أعلنت قرفاً من منظر الدماء، وقف البعض لإعداد مشروب ساخن، وخرج البعض لشراء الحلوى هرباً من وجع الصورة، أما أنا فقد أثرت تغيرها لمتابعة مباراة لكرة القدم.