نابلس-الرسالة نت
عقارب الزمن ستعود بك حتما لمئات السنين الماضية وأنت تدخل أحد الحمامات التركية في مدينة نابلس، فالرسومات التي تزين جدرانها وبلاطها، وأماكن الجلوس وقاعات الاستقبال والاستحمام، تحدثك عن عصور مضت وأناس دخلوا تلك الأماكن وعمّروها.
تسع حمامات تركية بنيت خلال القرون الماضية على أرض مدينة نابلس، توجد معظمها بالبلدة القديمة بالمدينة وبالقرب من ينابيع المياه، إلا أن اثنين منها فقط يعملان حاليا بعد ترميمهما بجهد ذاتي من العائلات المالكة لتك الحمامات العريقة.
والحمامان اللذان تم ترميمهما هما الشفاء الذي بناه أبناء إبراهيم طوقان عام 1235هـ- 1886م، وتعتبر من العائلات الكبيرة بالمدينة، وحمام السمرة أو الهنا وسط حارة الياسمينة، وسمي بذلك بسبب مجاورته لحي السامريين، وقد شيد بالفترة المملوكية بالقرن التاسع الهجري، وتعود ملكيته لآل طوقان، وأعيد افتتاحه بجهود شخصية، ويبلغ عمره حوالي 600 سنة.
أما الحمامات الخمسة المتبقية فمنها ما تحول لمخازن ومحال للتجار، ومنها ما هدم بفعل الزلازل أو الاحتلال وعوامل أخرى أدت إلى هدمها واندثارها.
جولة بالحمام التركي..
وكما يؤكد أصحاب تلك الحمامات فإن سبب تسميتها وشهرتها بـ"الحمامات التركية" ليس لأنها بنيت بالعهد العثماني، إلا أنها مصطلحات أطلقت من قبل الناس لشهرة الحمامات بتركيا، ولكنها حمامات إسلامية أو تاريخية منها الروماني والإسلامي والعثماني التركي.
ويتكون الحمام التركي من عدة اقسام وغرف لاستقبال الزبائن، كغرفة الاستقبال والقاعتين الشتوية والصيفية لتغير ملابس الضيف، وقاعة التحميم وفيها مجموعة من الخلاوي وصنابير المياه الباردة والساخنة وهو المكان الذي يستحم به الشخص، وفيه جرن "وعاء حجري" لتعبئة المياه المخصصة للاستحمام.
وفي أرجاء الحمام تتوزع المساطب التي يجلس عليها المستحمين، بينما يمتعون ناظرهم ببرك المياه الواسعة والنوافير التي تضفي على المكان رونقا خاصا.
وفي غرفة الاقميم وملحقاته يتم جمع المواد القابلة للاحتراق لإشعال النار وتدفئة مياه الحمام، حيث كان العاملون بتلك الحمامات قديما يجمعون القمامة لحرقها ، لهذا كانت الحمامات قديما تعتبر وسيلة أساسية في تنظيف المدينة.
كما يضم الحمام التركي غرفة التدخين، وفيها وعائيين كبيرين مصنوعان من النحاس مملوءان بالماء، ويتم إشعال النار تحتهما ويتم تمرير المياه عبر قنوات وتوزع قنوات فرعية عبر غرف التحميم وبداخل الحمام من اجل تسخينه وتدفئته.
إحياء التراث
ومن داخل حمام الشفاء الشهير في مدينة نابلس، يتحدث حازم مرعي صاحب الحمام عن حبه وعشقه لمهنته النادرة هذه الأيام، ويقول: "منذ ثلاثين عاما أخذت على عاتقي ترميم هذا المكان الذي يذكرنا بماضينا وتاريخ أجدادنا الذي يحاول الاحتلال سرقته منا وطمسه بكل الوسائل".
ويضيف مرعي في حديثه لـ " الرسالة نت " هذا الحمام أغلقه الاحتلال الصهيوني عام 1967م من خلال سد أبوابه بالطوب، فتعطل لسنوات طويلة، إلا أن حبي لكل شيء قديم وتراثي خاصة في البلدة القديمة، دفعني لترميمه بجهد شخصي".
وإذا ما قصدت حمام الشفاء التركي العريق بتاريخه، فسيستقبلك مرعي بالبهو وساحة الاستقبال التي تتوسطها البحرة أو نافورة المياه، بعدها يتوجه الشخص إلى "المشلح الجواني" حيث يتم تبديل ملابسه ويرتدي لباس الحمام أو ما يطلق عليه "الوزرة".
وبعد أن يستعد الضيف لحمام من نوع خاص، يتوجه إلى غرف التحميم، وهناك يستلقي على بلاط النار وهو بلاط سلطاني قديم تحته نار ذات درجة حرارة عالية ومناسبة للجسم ويساعد على التعرق وإزالة الدهون وفضلات الجسد، ويتم تلييفه بغرف التحميم أو الخلوات.
وإذا أردت إكمال مشوارك داخل الحمام لتاريخي، فيمكنك التوجه لغرف الساونا والبخار، أو لمغطس المياه المعدنية التي تساعد كثيرا على الشفاء من الأمراض، وبعد انتهائك من كل ذلك.. تخرج إلى غرفة الراحة لاستعادة درجة حرارة جسمك الطبيعية وأنت تشعر بحيوية وانتعاش ونضارة في وجهك.وللحمامات التركية قصص أخرى.. حيث تقام فيها حفلات وسهرات للعريس ليلة زفافه، ويدعو أصدقاءه وأقاربه ليشاركوه فرحته في جو تراثي وتاريخي يتخللها ترديد أغاني الأعراس التراثية وأجواء من المرح تعيد المرء لمشاهد المسلسلات الشامية التاريخية.
للنساء أيضا..
ولا يقتصر ارتياد الحمامات التركية على الرجال فقط، حيث يتم تخصيص يومين بالأسبوع للنساء، فكثيرات هن اللواتي يقصدن تلك الأماكن للعناية ببشرتهن، حيث تقول رجاء عامر المسئولة عن حمام الشفاء في الأيام المخصصة للنساء ان هذا المكان مناسب جدا للسيدة التي تحتاج لوقت من الراحة والاسترخاء والابتعاد قليلا عن متاعب الأسرة والبيت والعمل.. وهو فرصة جيدة للنساء اللواتي يحتجن لعناية طبيعية ببشرتهن.
وتوضح رجاء لـ " الرسالة نت " أن الحمام التركي بتقسيماته وميزاته كلها تمنح الإنسان فوائد صحية جمة، وتقول:"القاعات الشتوية والصيفية والمياه تعمل على تنشيط الدورة الدموية وتخليص الجسم من الفضلات والشوائب والجراثيم، كما أنها تساعد الجسم على التخلص من اليورك أسيد والأملاح".
أما عن الحرارة العالية في غرف الاستحمام فتشير رجاء إلى أن هذه الحرارة تساعد الجسم على عملية التعرق التي تعتبر كلية ثالثة للجسم، فهي تريح الكلى وتزيد من كفاءتها ونشاطها، إضافة للمساعد في معالجة أمراض الروماتزم والشد العضلي وتخفيف آلام الانزلاق الغضروفي.