أزمة الرواتب .. عقبة مفتعلة لعرقلة المصالحة

فايز أيوب الشيخ

كلما سار قطار المصالحة الوطنية بالفلسطينيين إلى حيث الوحدة والأمان، كلما وُضعت العراقيل أمامه من أطراف عديدة أبرزها "إسرائيل" التي عبرت عن رفضها للمصالحة بين حركتي حماس وفتح، وجمدت تحويل مستحقات الضرائب الفلسطينية لافتعال "أزمة الرواتب".

وإلى جانب العراقيل المعتادة من "إسرائيل"، فقد أكد مراقبون "أن هناك عراقيل داخلية تحول دون دفع رواتب الموظفين الموجودة في البنوك عن الشهر الجاري"، مشيرين الى أن "سلام فياض" يفتعل الأزمة للضغط على الفصائل الفلسطينية من أجل ابقائه على منصبه الحالي في المرحلة القادمة.

الرهان على "فياض"

ويراهن مريدو فياض على توليه رئيساً للحكومة المقبلة باعتباره شخصية مقبولة لدى "إسرائيل" والغرب، أما معارضوه فيقولون إنه ليس قدراً على الفلسطينيين، وخاصة أن مصادر في حركة فتح قالت: " غالبية مؤسسات الحركة لا تريد فياض رئيساً للحكومة المقبلة"، حسب "الشرق الأوسط".

كما عبرت أوساط في حركة فتح والسلطة الفلسطينية عن خشيتها من "أزمة مالية مفتعلة"، فقد حمل بسام زكارنة رئيس مجلس نقابة العاملين في الوظيفة العمومية في الضفة الغربية "حكومة فياض" مسئولية التأخر عن دفع رواتب الموظفين، مستهجناً تصريحات فياض بشأن "العجز في الموارد المالية"، في حين كان يتحدث قبل أسابيع عن الجاهزية التامة لإقامة الدولة، وتغطية 80% من الموارد المحلية، والاستغناء عن الدعم الخارجي.

وبالمقابل توقع عضو المجلس الثوري لحركة فتح بسام الولويل لـ"الرسالة نت"، حل أزمة دفع الرواتب لموظفي السلطة الفلسطينية قريباً.

وأشار الولويل إلى أن هناك تفهما أوروبيا حينما حولت فرنسا 10مليون دولار  للسلطة وكذلك السوق الأوروبية ستحول 85 مليون يورو أخرى، زاعماً أن هذا مؤشر واضح على الاستياء الأوروبي من الموقف الإسرائيلي تجاه حجز الأموال الفلسطينية من عائدات الضرائب .

ورأى أن "إسرائيل" لن تتجرأ أمام موقف عربي واضح على الاستمرار في سياستها بوقف مستحقات الشعب الفلسطيني .

وأضاف "إسرائيل لا تعطينا مساعدات ولا تمن علينا، فهذه ضرائب تحصلها الأخيرة نيابةً عن السلطة لأنها تسيطر على المعابر".

وتقدر فاتورة الرواتب والأجور الشهرية-حسب وزارة المالية في الضفة الغربية- عن شهر نيسان الماضي، بنحو 220 مليون دولار، منها حوالي 150 مليون دولار رواتب الموظفين، حيث يتم تحصيل هذه الفاتورة من قبل "الجانب الإسرائيلي"، الذي يحولها بدوره للسلطة شهرياً، بعد لقاء ما يسمى "المقاصة" الشهري بين وزارة المالية الإسرائيلية ووزارة المالية للسلطة في الضفة، وتتقاضي "إسرائيل " مقابل ذلك نسبة 3% من قيمتها الإجمالية.

التزامات الدول العربية

وشدد الولويل على أن الدول العربية عليها التزامات مالية تجاه السلطة والشعب الفلسطيني يجب عليها أن تنفذها، لافتاً الى أن معظم هذه الدول باستثناء بعض الدول مثل السعودية أوفت ببعض هذه الالتزامات ولكن مازالت هناك التزامات ضخمة لم تلتزم بها دول عربية أخرى.

وأكد أنه من الواضح بأن المصالحة الفلسطينية أزعجت الإسرائيليين وكل من يقف أمام المشروع الوطني الفلسطيني، وبالتالي هم يضعون كل المعوقات و يبتزون شعبنا بالرواتب، غير أنه قال  "كرامة المواطن الفلسطيني والوطن أهم من كل الرواتب".

وأضاف الو لويل " بعد أن تمت المصالحة بقرار ورعاية من جامعة الدول العربية ، فإنه يجب على الدول العربية أن تقوم بدورها في الدعم السياسي والمالي والمعنوي لإنجاحها".

من جهته شدد رجل الأعمال الفلسطيني منيب المصري، على ضرورة أن تقوم الدول العربية بواجبها في دعم أي حكومة فلسطينية يتم التوافق عليها، كما شدد على أهمية أن التطبيق الفعلي لهذا الدعم بإيصال الأموال للشعب الفلسطيني بأي طريقة.

وأكد المصري لـ"الرسالة نت" أن الدول العربية قادرة على سد العجز المالي للسلطة لما تتمتع به من ثروة نفطية غنية، لافتاً الى أن ارتفاع أسعار النفط وغلائه عامل مساعد ولن يؤثر بالمطلق على الموازنات الهائلة لتلك الدول.

كما اعتقد بأن أزمة الرواتب التي تعاني منها السلطة الفلسطينية في الظرف الراهن "ليس لها علاقة بالوضع الداخلي وإنما مرتبطة بالابتزاز الإسرائيلي المنزعج من المصالحة الفلسطينية".

ارتباط بالأموال المشروطة

أما أستاذ العلوم السياسية بجامعة النجاح الدكتور عبد الستار قاسم، فقد أرجع سبب الأزمة المالية التي تعاني منها السلطة الفلسطينية إلى ارتباطها الوثيق بالاقتصاد الإسرائيلي والأموال الغربية المشروطة.

وأوضح قاسم لـ"الرسالة نت" أن هذا الارتباط بـ"إسرائيل" والغرب جاء بموافقة السلطة والدول العربية ضمن اتفاقيات "باريس الاقتصادية وأوسلو وطابا وغيرها من الاتفاقيات المجحفة والمذلة"، مشيراً إلى أن كل المؤتمرات التي كانت تعقد من أجل دعم السلطة هي في النهاية "من أجل حماية أمن إسرائيل مقابل الرواتب فقط".

وقال" كان من المفترض هو محاولة بناء اقتصاد خاص بنا بطريقة علمية ومهنية والبحث عن وسائل وأساليب جديدة للتحرر من التبعية والابتزاز الإسرائيلي والغربي" ، موضحاً أنه منذ 1994 حتى الآن كانت مدة كافية لعمل تنمية معينة في الضفة الغربية-على سبيل المثال- و ربط الاقتصاد الفلسطيني بالأردن والاعتماد على مصادر تمويل أخرى غير مشروطة سياسياً.

وأضاف "أحياناً الكثير من الناس يدعي الوطنية وعند الراتب كل شيء تتبخر هذه الوطنية مقابل الحصول على الراتب"، وتابع" لا نلوم الأسر التي تعتمد على الراتب ولكن نلوم القيادات التي رهنت الإرادة السياسية الفلسطينية بهذه الأموال المسيسة"، على حد تعبيره.

وشدد قاسم أن الاعتماد الفلسطيني على مساعدات وأموال الغرب " عقبة كبيرة أمام المصالحة الفلسطينية لأن هناك شروط للحصول على هذه الأموال وعلى رأسها المهام الأمنية الواجبة لحماية أمن إسرائيل".

كما شدد على أن من الشروط الأساسية لإتمام المصالحة "هو تحرير الإرادة السياسية الفلسطينية من الارتهان للمال الغربي "، لافتاً أن الإرادة السياسية لن تتحرر طالما بقي الدعم  المالي عقبة مربوطة في أعناق الشعب الفلسطيني تستخدمها"إسرائيل" والدول الغربية وقتما يشاءون.

البث المباشر