قائمة الموقع

النكبة الفلسطينية.. حكاية مفتاح

2011-05-16T10:44:00+03:00

غزة-أمل حبيب-الرسالة نت

عمري من عمر نكبتي وتهجيري ...ولدت في 1948 وهو عام يحمل في حناياه تاريخا مشبعا بالألم والنكبة والتهجير... أشتاق لرائحة البلاد وأفتقد كروم الزيتون والعنب ..وما زلت أذكر صاحبي أبو عاهد وهو يخرجني من باب الدار ودموعه تنهار .. شعرت بالاطمئنان حينما علقني على صدره وعلمت وقتها بأن جيل النكبة لن ينساني .

أفتخر بأنني رمزا لحق العودة , ورغم كوني مفتاح إلا أنني لم أتأثر بالوعود أو المؤامرات، ولم أتغير مع تغير الأجواء من حولي فما زلت صلبا ولم أنكسر.. و قلبي لم يكسه الصدأ بعد فأصالتي أستمدها من أصالة شعبي الصامد .

مفتاح العودة هو الإرث الذي تتوارثه الأجيال ويرمز إلى تمسك اللاجئين بحقوقهم المسلوبة . (الرسالة نت) تسلط الضوء على حكاية مفتاح العودة للتعرف عليه بشكل موسع من الناحية التاريخية والفنية والأدبية .

المفتاح .. الشاهد والرمز

ما زال الكثير من اللاجئين الفلسطينيين يحتفظون بمفاتيح بيوتهم التي أجبروا على تركها في نكبة 1948 ونكسة 1967 هربا من المجازر الصهيونية, وما زلنا نشاهد العديد منهم  وهم يقبضون على مفاتيح منازلهم تعبيرا عن رفضهم لسياسة التوطين ، وتصميما على حق العودة..

طرقت "الرسالة نت" باب المؤرخ الفلسطيني سليم المبيض للتعرف على تاريخ المفتاح , وبحسب المبيض فان المفتاح كمادة و كقيمة تاريخية لا احد يعلم تاريخ صناعته , مشيرا الى أنه من المؤكد انه سبق المفتاح الحديدي الذى نعرفه الان.

وقال :" كانت (الضبة والمفتاح الخشبي) هي المستخدمة قبل المفتاح الحديدي , والضبة هي عبارة لوح خشبي به أربع ثقوب تسقط به أربع أعواد خشبية , أما المفتاح عبارة عن قطعة خشبية لها ثلاثة اسنان لتساعد على رفع الأعواد لفتح الباب ", وأضاف :" كان يصنعها نجار البلد , ورغم كثرة اجزائها الا أنها لم تكن تكلف تعريفة واحدة بالماضي ".

وبين المؤرخ الفلسطيني بأن المفتاح يمثل الطمأنينة و الأمن والأمان على ما نمتلك وما تحوي منازلنا من اخص الخصوصيات , ونوه بأن المفتاح كان اشبه بالسلاح في جيب الرجل كما كان يمثل الطمأنينة في صدر المرأة واحيانا تربطه في زنارها.

وبحسب المبيض فان المفتاح كرمز للعودة بدا الشعب الفلسطيني يحمله منذ عام 1998 وكان ذلك بالذكرى الخمسين للنكبة , واعتبره الفلسطينيين شعار لإثبات حق العودة والتنازل عنه يعني التنازل عن حق العودة والتخلي عن الوطن المسلوب.

بالرغم من أن الكثير من مفاتيح العودة لم يعد لها أبواب الا أن اللاجئ الفلسطيني ما زال متمسكا بمفتاحه وينتظر العودة لبيته وارضة , وفي هذا السياق أوضح المبيض بأن هذا التمسك يدل على الايمان الراسخ في القلوب بان الحق لا بد أن يعود لأهلة وان طال الزمان , منبها الى أن من يمتلك المفتاح أشبه بمن يمتلك الوثيقة الدامغة التي تؤكد على ملكيته وتثبت حقوقه .

وبين المبيض خلال حديثه (للرسالة نت) بأن كلمة مفتاح أضحى لها قيمة كبيرة وخصوصا بعدما استخدمه الفلسطيني في حكمه وأمثاله الشعبية ومنها " كل انسان والو مفتاح" فأصبح وكانه "حلال للمشاكل" , وكما نقول احيانا عند دعائنا لرجل الاصلاح بصفة خاصة "ربنا يخليك مفتاح للخير ومغلاق للشر " واحيانا نقول " الصبر مفتاح الفرج".

فالمفتاح في التراث الشعبي الفلسطيني ليس للبيت فقط بل هو مفتاح للخير و الطمأنينة ولحل المشاكل .

رموز النكبة والعودة

ويعتبر المفتاح من أبرز الرموز التي يتخذها الفلسطيني لإثبات حقوقهم والتمسك بهويتهم ومنها كوشان الأرض وأشجار الزيتون وكروم العنب والكوفية الفلسطينية .

يقول المبيض :"هناك الكثير من الحجج التي كانت تكتب في نهاية الحكم العثماني لتؤكد ملكيه الارض منها(كواشين) الطابو التي اصدرتها وسجلتها حكومة الانتداب البريطاني وكذلك هناك الثوب الفلسطيني للمرأة الذى يعتبر الهوية لمدلول واسم القرية و المدينة التي ولدت فيها" , وتابع :" المورثات الشفهية كالمثل الشعبي تعتبر وثيقة شعبية تؤكد تجذر الفلسطيني بالأرض منذ آلاف السنين وهذا ما يفتقده عدونا".

أما بالنسبة لكيفية تنمية وتجذير هذه المورثات لدى اطفالنا , أكد المبيض بأن الدور الأول يعود الى منهجنا الفكري  والثقافي من خلال المناهج التعلمية والتربوية ووسائلنا التي اصبحت الان متنوعة وسهله الوصول الى كل غرفه في كل بيت .

وعند سؤالنا له عن ما اذا كان الفلسطيني مقصرا في حفظ تراثه وآثار نكبته قال المبيض :"لا نقدر الامور حق قدرها واتمنى ان لا نحيى ذكرى النكبة بأسلوب موسمي يبدا في يوم او يومين وينتهى على اكثر تقدير في  3 ايام" , وتساءل لماذا لا يكون هناك تفعيل للتراث الفلسطيني من خلال اقامة متحف خاص بالنكبة ورموزها . 

ونبه المؤرخ الفلسطيني بأن التذكير بحق العودة واجب على كل فلسطيني , مشيرا الى ضرورة تعزيز الدور اعلامي والأدبي  من اجل ابراز قضية العودة لأنه عندما نصل الى اليقين بحقوقنا من خلال اعلامنا فلابد أن يسير موكب متضافر الجهود لتحقيق العدل واسترداد الحقوق.

توظيف المفتاح بالفن والأدب

" إلي ما عندوا مفتاح يشتري واحد " هي كلمات يرددها بعض " ختايرة البلد " بعد نكبة 48 وخروج الناس من بيوتهم واغلاقها على ما يمتلكون والتوجه لمناطق اخرى هربا من طغيان الاحتلال , كانوا يظنون بأن خروجهم مؤقت لاعتقادهم الجازم بانهم سيعودون بعد يوم او يومين.

الشاعر الفلسطيني سليم النفار عضو الأمانة العامة لاتحاد الكتاب والأدباء الفلسطينيين أوضح بأنه يوجد توظيف لقضية فلسطين وخصوصا النكبة والتغريبة في الشعر والرواية أما مفردة المفتاح ورغم قلة تداولها الا ان هناك مدلولات اخرى عليها مثل الحضور الأكبر للبيت والذكريات والأرض المسلوبة.

 وبحسب عضو الأمانة العامة لاتحاد الكتاب والأدباء الفلسطينيين يوظف المفتاح شعريا في السياق الأدبي عند الحديث عن حق العودة في الشعر والرواية الفلسطينية , ويرمز المفتاح الى أمل الفلسطينيين بأن العودة حتمية .

ويرى النفار بأن الشاعر الفلسطيني كان له دور بارز في التنبيه لمخاطر الاطماع الصهيونية قبل النكبة مثل ابراهيم طوقان ومحمود عبد الرحيم وغيرهم ممن تصدوا لمحاولات سلب الحقوق من خلال أشعارهم على مدار أكثر من أربع عقود , لافتا الى أن فترة بعد النكبة والنكسة عمل الشعراء الفلسطينيين أمثال محمود درويش ومعين بسيسو وغيرهم على ابراز حقوق اللاجئين من خلال قصائد شعرية .

بسيط في رسمه .. قوي في معناه

يقول أحد الشعراء الايرلنديين: " إننا بحاجة إلى الرمز الذي هو التعبير الوحيد عن خلاصة الحقيقة اللامرئية " .

هي حكمة عملت بها رسامة الكاريكاتير أمية جحا حينما اتخذت من مفتاح العودة رمزا في كل لوحاتها واتخذته شعارا لها , وتقول جحا :" بدأ مفتاح العودة يظهر في رسوماتي في أوائل عام 2003  والقرار نابع من ايماني بهذه القضية وواجبي كرسامة كاريكاتير أن أعرض نكبة الشعب وحقوقه المسلوبة وأحضه على التمسك بالثوابت" , وتابعت :" هو رمز بسيط في رسمه قوي في معناه (...) المفتاح شرف لي.

وكانت شركة جحا تون لرسوم الكرتون التي ترأسها الفنانة جحا قد أنتجت أول فيلم كرتوني بعنوان " حكاية مفتاح" عن نكبة 1948 , وتدور أحداثه عن قرية المحرقة , ويجسد مفتاح العودة دور البطولة . 

وأكدت الفنانة جحا بأن الفن له دور كبير في طرح القضايا الهامة وترسيخ الثوابت الوطنية, فالمفتاح يمثل قضية وهو أحد الثوابت التي لا يمكن التنازل عليها , ويرمز للعودة الى كامل التراب الفلسطيني , مشيرة الى أنها من خلال ريشتها  تعبر عن دفاعها عن الحقوق والوطن.

وذكرت جحا بأن للكاريكاتير أهمية في الصحف العربية فلا تخلو منه أي صحيفة فالوعي الشعبي ازداد بأهمية الفن ودوره في اظهار القضايا الوطنية الهامة .

وتعمل رسامة الكاريكاتير إلى تشكيل المفتاح وتغير رمزه في لوحاتها , فتارة يظهر جبار مقاوم وفي لوحة أخرى يتحول الى عكاز ثم الى مجداف لسفينة العودة .

ختاما.. أطمئنكم عن صحتي.. فبالرغم من مرور ما يزيد عن ستة عقود الا أنني ما زلت أنبض شوقا لرؤية الوطن المسلوب وما زال شعبي يحتضنني بين أنامله ويعلقني وساما على الصدور.. فالأمل يملأ قلوبنا جميعا بأننا حتما سنعود.

اخبار ذات صلة