قائد الطوفان قائد الطوفان

مارون الراس في كل عرس لها قرص

بيروت- الرسالة نت

بضع مئات من الأمتار تفصل مرزوق مهنا عن حقول التبغ التي زرعها منذ شهرين، «لكنني لن أذهب إليها اليوم، فهي لا تبعد أكثر من خمسين متراً عن السياج الفاصل بين فلسطين المحتلة ومارون الراس. هنا وقعت المواجهات، وكانت أرضي ساحة لها»، يقول الرجل البالغ 65 عاماً، فيما تطلب إليه زوجته أم نايف «التريث حتى الغد حتى تكون الأوضاع قد هدأت تماماً».

يطول حديث أبناء مارون الراس عن احتلال لم يزل يقتطع مئات الدونمات من أراضي بلدتهم. هو احتلال الألغام الذي أوجده الجيش الإسرائيلي منذ مطلع السبعينيات؛ إذ أقدم على تسييج الحقول القريبة من السياج الرئيسي الفاصل بمساحة تراوح بين ثلاثين متراً ومئتي متر على امتداد أكثر من ثلاثة كيلومترات.

 «يوم أمس، نجا المتظاهرون الفلسطينيون المطالبون بحق العودة من كارثة أخرى؛ إذ سلكوا اتجاهاً كان خالياً من الألغام المضادة للأفراد، نحن كنا نترقب أن تحدث مجزرة بسبب الألغام، ومن حسن حظ الذين وصلوا إلى السياج الحدودي أن الطريق الذي عبروه كان خالياً». يشرح سلمان أبو علي وهو في منطقة عالية تطل على المستعمرات الإسرائيلية التي تلاصق أراضي مارون الراس، وتقتطع أجزاءً منها، هي: كفربرعم، صلحا، وأفافيم، قائلاً إن «هذه الحقول اللبنانية تمثّل سياجاً خارج السياج الإسرائيلي المحدد بالخط الأزرق».

ويضيف: «منذ ما بعد عدوان 2006، أوجدت قوات الطوارئ الدولية (اليونيفيل) ممرات داخل هذه الحقول تصل إلى محاذاة الأسلاك الشائكة التي وصل إليها الشبان الفلسطينيون. لكن أبناء مارون الراس، وخصوصاً أصحاب الحقول، يدركون أنّ من المستحيل الوصول إلى أراضيهم، والدليل أن قطعان الماعز والأبقار كانت تنفق منها أعداد هائلة كلما كانت تقترب من هذه الحقول، ونحن لاحظنا خلال عمل اليونيفيل على فتح الممرات أنهم فجروا مئات الألغام ثم أقفلوا هذه الممرات بعوائق لكي لا تسبب أي أذى لمن يحاول عبورها ويصبح بمحاذاة الأسلاك الرئيسية».

كيف استطاع الفلسطينيون الوصول إليها؟ يجيب الشاب المدرك لواقع الأراضي التابعة لبلدته، قائلاً: «نحن اعتقدنا أن الحاجز البشري الذي أوجده الجيش على طول المنطقة الممتدة حول المكان الذي كان يقام فيه المهرجان الخطابي سيمنع دخول الشبان الفلسطينيين الذين شدتهم الحماسة نحو أرضهم المغتصبة لحظة رأوها، لكن موجاً بشرياً من المتظاهرين كاد يؤدي إلى صدام مع الجيش الذي أطلق عيارات نارية في الهواء لتفريق المحتشدين ولم يفلح، فاخترق الحشد هذا الحاجز وسلك طريقاً باتجاه الحدود في حقول تنخفض نحو مئتي متر عن مكان الاحتفال. حاولت فرق الانضباط وتعزيزات الجيش منع امتداده خشية دخول الشبان الحقول الملغمة ولم تفلح كلها، حتى حصل ما حصل».

وحقول التبغ التي يزرعها أبو نايف مهنا من الحقول القليلة التي يزرعها أبناء مارون الراس في المنطقة «الخطرة»، وهو يزرعها منذ عشرين عاماً؛ إذ «ليس لدي خيار آخر، ولا أملك غيرها، لذلك أنا مضطر للذهاب إليها ولا أزرعها بغير التبغ؛ لأن هذه الزراعة لا تحتاج إلى اهتمام يومي، فقط في أوقات القطاف أذهب إليها أنا وزوجتي يومياً، ويساعدنا أحياناً الأولاد القاطنون أصلاً خارج البلدة، في منطقة صور».

يتداول أبناء مارون الراس المقيمون في بلدتهم، وهم لا يتعدون مئة عائلة في فصل الشتاء، في توصيفهم لما يحصل في بلدتهم، بين الحين والآخر جراء الاعتداءات الإسرائيلية عبارة: «في كل عرس لنا قرص». والبلدة التي جعلها الإسرائيليون ممراً لآلياتهم ودباباتهم عام 2006 لاحتلال البلدة، محاولين تطويق مدينة بنت جبيل «ستكون بإذن الله هي الطريق إلى تحرير فلسطين من رجس الاحتلال»، يقول سلمان وهو يصف حالة الشباب الفلسطينيين وهم في ذروة اندفاعهم نحو الحدود، «ولم يتمكن أحد من ردعهم، رددوا بأصوات عالية نريد أن نستشهد هنا بدلاً من حياة الذل التي نعيشها ألف مرة ومرة. أنا سمعت شباناً يطلبون من رفاقهم ناقلي الجرحى فوق الأكتاف والأيادي بحقول وعرة: اتركوهم الشهادة هنا أولى بهم».

تطل مارون الراس على الجليل الأعلى. من هنا، يمكن مشاهدة جبل ميرون، جبل كنعان، الجبل الأحمر والجشّ، ويمكن كذلك رصد حركة السير الطبيعية في صلحا التي تبدو كملعب كرة قدم تحت مارون الراس. خلف الأسلاك انتظم عدد من جنود العدو يعملون على إصلاح الأعطال التي أصابت الحاجز السلكي المكهرب جراء رشق المتظاهرين الفلسطينيين له بالحجارة. قبل ذلك، أتت جرافة وعملت على تجميع كميات الحجارة التي رُشقت باتجاه جنود العدو، ونقلها من المكان.

المصدر : الاخبار اللبنانية

 

البث المباشر