حكاية تشرد من يبنا الى "يبنا"

الرسالة نت -محمد أبو قمر

ترتسم ملامح البلدة القديمة في سواد عينيها وهي تتذكر بعضا من مشاهد الطفولة المرّة... تسترجع ثلاثة وستين عاما مضت لتصل الى براءة صغرها التي انتهت بحكاية هجرة.

تخط بإصبع يدها على الهواء خارطة البلدة وتفصّل معالمها الراسخة في ذهنها، ولم تغفل عن مئذنة المسجد التي لا زالت تشهد على أنقاض "يبنا".

من يبنا المحتلة عام ثمانية وأربعين الى مخيم "يبنا" في رفح شقت الحاجة كوثر التي أوشكت على طي سبعة عقود من عمرها، طريقها من هجرة الى هجرة، وحلم العودة كشفته الدموع المستقرة في عينيها.

ثمانون كيلو فقط تفصل بين "اليبنتين" -مخيم اللجوء والبلدة الاصلية -، الا أن اللاجئة لم تتمكن من الزحف الى يبنا الأصلية رغم مرور ثلاثة وستين عاما على آلام الفراق.

يمر على مخيلتها هجوم العصابات الصهيونية على البلدات الفلسطينية، وهروب ابنائها فزعا من بشاعة المشاهد التي سمعوا عنها في القرى والمدن المجاورة.

تتحدث الحاجة كوثر عن أن امرأة ولدت عشية الهجرة، واضطرت لترك مولودها فارة من الموت، قبل أن تعود للبحث عنه وتصطحبه معها لتستقر في مخيمات اللجوء.

مجازر وقتل وأصوات انفجارات لا زالت تدوي في ذاكرتها رغم صغر سنها آنذاك، لكنها عاشت المرارة بكل تفاصيلها، ورسمت قسوة الايام على تقاسيم وجهها القمحي.

وتعددت روايات احتلال البلدة، فبعض المسنين قالوا أن ساكنيها هربوا من هول المجازر التي حدثت في القرى القريبة منها، وآخرين تحدثوا عن أنها كانت موضع تنازع بين القوات المصرية والإسرائيلية، وفي كلا الحالتين سيطرت عليها العصابات الصهيونية.

تحن الحاجة كوثر لسنين الطفولة القصيرة في يبنا التي لم تتعد أصابع يديها المجعدة، تتذكر أهازيج قديمة علّ كلماتها توصلها الى مسقط رأسها.

تقول بصوت يعلو تارة وينخفض أخرى "يا خيِّ فُرقِة الأوطانْ مُرّة، ولهذا شربنا كؤوس مُرّة، بحبِّ اشُوفْ بلدي بَسْ مرَّة ، تكون محَرَّرة وراحُوا لِغْراب".

تقع يبنا إلى الجنوب من مدينة يافا وتبعد عنها 24 كم، وتبلغ مساحة أراضيها 59554 دونماً ، وكان يعتمد سكانها على زراعة الحمضيات.

اقيمت قرية يبنا على تل اثري شهد العديد من الحقب يرجع انشاؤها الى القرن الثاني عشر قبل الميلاد وقد حظيت بمكانة عالية في الحقب الاسلامية بعد ان فتحها عمرو بن العاص في خلافة أبي بكر الصديق.

ومن أشهر معالم يبنا قبر أبو هريرة الذي دفن فيها.

ليلة احتلال يبنا انتقل ساكنوها الى اسدود ثم هاجروا الى المجدل وحمامة، وانتهى بهم المطاف الى مخيمات اللجوء، وتشتت آخرون.

اقيمت على اراضي القرية العديد من المستعمرات اشهرها يفنه وهو تحريف عبري للاسم العربي.

يعتبر ما بقي من مئذنة مسجد يبنا رمزا للقرية تلك المئذنة التي ما زالت شامخة وحيدة بين الاطلال وركام القرية.

تتذكر السبعينية كوثر بعضا من مشاهد البلدة القديمة، وتعتمد في نقل شهاداتها على أحاديث والدها الذي مات لاجئا دون أن يحقق حلم العودة.

طار خيالها الى طفولتها التي قضتها بين في الاراضي الزراعية، وينابيع المياه، ولا زالت تردد قول والدها "سنعود يوما"، وتتمسك بأشعار وأهازيج العودة ... "قد أتينا نؤم قرية يبنا ولنا حصن منة الله يبنى ... قرية في طريق غزة لاحت جمعت بهجة ولطفاً وحناً... وقبور للصالحين منيرات دعونا هناك ربى وزرنا" فمتى تعود من يبنا اللجوء الى يبنا الموطن؟

البث المباشر