الرسالة نت - خاص
ربما كان المشهد داميا وقتها، لكنه الوحيد الذي شفى غليلنا لأول مرة منذ عقود، وربما كان السلاح الصهيوني على أهبة الاستعداد؛ لكن "طلاّب الموت" لم يكترثوا إلا لتراب الأرض المسروقة والممتدة أمام أنظارهم يشمّون عبقه ولا يستطيعون لمسه بأيديهم.
اثنان وستون عاما من الروتين الذي خيّم على إحياء ذكرى النكبة، وإن سجلت بعض الأحداث عبرها في النكسة أو المجازر الصهيونية ضد الشعب المنكوب، لكن الحالة بقيت على وضعها؛ فالحدود يحرسها العرب للعدو، والشعب يقهر في كل يوم مئة مرة.
أما هذه المرة فقد جاءت ذكرى النكبة مكللة بمسيرات العودة الجماهيرية التي وجهت بوصلتها نحو القدس.. من الحدود اللبنانية والسورية والأردنية والضفة الغربية وقطاع غزة والداخل المحتل؛ لتسجل مشهدا كان أُمنية الملايين.
ويدخل التاريخ عشرون شهيدا في أول مسيرات العودة للوطن، وتمكن عشرات من قطع الأسلاك الشائكة واحتضان أهلهم في مجدل شمس، ووصل بعضهم إلى يافا التي هجر منها أجدادهم وعائلاتهم.. لتصل بهذا كله رسائل كبيرة ومهمة من وراء ثورة لاجئين دعمتها ثورات مظلومين.
العودة حق
وفي هذا يقول الكاتب خالد العمايرة لـ"الرسالة نت": " إن مسيرات العودة والمواجهات التي شهدتها الحدود مع فلسطين المحتلة تؤكد على أن العودة حق وواقع قريبان لكل فلسطيني لاجئ تجرع مرارة التهجير؛ خاصة أنها أعادت الاعتبار لحق العودة، ومنها رسائل عديدة للإدارة الأمريكية والمجتمع الدولي وللقيادة الفلسطينية بأن ما كان يدور حول عودة اللاجئين من اتفاقيات أو مساومات أو تعويضات وهْم دخل فيه مبتكروه، وبأن آلاف الحناجر التي وصلت للحدود ومن خلفها الملايين في المسيرات التي نظمت حول العالم تقول بأن العودة باتت أقرب".
وأوضح العمايرة أن المشهد الذي سجلته وسائل الإعلام ورصدته الكاميرات في ذكرى النكبة نفى عن هذا الحق بأنه فقط أمنية وحلم؛ "لأن هذه الخطوات ستكون مقدمة لأخرى في السنوات القادمة في ظل الثورات العربية الداعمة لإرادة الشباب الذين وصلوا للحدود وغامروا في حقول الألغام للعودة إلى بلادهم، وهذا يدلل على أنهم استمدوا المعنويات والتفاؤل من التغيرات في المنطقة والتي كانت على يد الشعوب وشبابها". وفق قوله.
واعتبر د. وليد الشرفا -أستاذ الإعلام في جامعة بير زيت- من جهة أخرى أن هذه الثورات وإن لم يخطط لها مستقبلا لكنها ستكون هبة عابرة في ظل حالة الأمن التي يعيشها المجتمع العربي، متوقعا أن تتطور لمراحل أخرى أوسع وأقوى في حال توافق الجميع عليها، "وفي حال لم تحبط هنا أو هناك"، ووصفها بـ"الهبة"، "وإن لم تُبن عليها خطوات توجيهية وتوعوية".
وأكد الشرفا لـ"الرسالة نت" أن الشعب يحافظ على الثوابت بقوة، وأن العاطفة التي دفعت الشباب لاختراق الحدود تجعل من المرحلة المقبلة وقفة ترقب وانتظار.
شارع فخور
يصوّر الفلسطينيون يوم الخامس عشر من أيار -حين خرجت المسيرات من كل الحدود مؤكدة على العودة- على أنه يوم فخر وبصمة شرف في جبين الشعب الفلسطيني الذي عانى طويلا من الاحتلال تارة، ومن ظلم ذوي القربى تارة أخرى حتى بلغت القلوب الحناجر.
وسُئل السؤال الذي ظل في القلوب طويلا: "متى نصر الله؟"؛ لتكون برقية هذا الهبة الجماهيرية: "ألا إن نصر الله قريب".
يقول المواطن غسان جهاد من الخليل لـ"الرسالة نت": "هذا تغير في استراتيجيات الشعوب في المنطقة؛ لأنه ومنذ انتهاء أحداث القتال بين منظمة التحرير والاحتلال في الثمانينيات دخل الكيان في حالة راحة وكأنه تخلص من ملف اللاجئين الذي آرقه طويلا".
وتابع: "بفعل المفاوضات واتفاقيات التسوية بدأ الاحتلال بالتوسع في الاستيطان والتمادي في البطش، لكن العام 2011 شهد نقطة تحول نفخر بها جميعا؛ لأنها رسّخت ما حاول الاحتلال وأعوانه إزالته من العقول، وهو العودة".
أما المهندس محمد الرملاوي من مدينة البيرة فيقول: "كنت أتوقع أن تكون مسيرات عابرة ومهرجانات خطابية لكنني لما رأيتها تحولت أفعالا ودماء سالت، دخل قلبي السرور وفاضت عيناي وتأملت خيرا في المستقبل لعودة بالملايين لكل أبناء الشعب الفلسطيني".
وأكمل: "هذا الأمل الجديد عززته ثورات الشعوب، ولعل الثورة المصرية ألهمت الفلسطينيين أنه باستطاعتهم التغيير وقلب الواقع المرير الذي فرض عليهم لعشرات السنوات وسط صمت عربي رسمي مطبق".
وفي ظل الصورة المتقلبة للحالة العربية اليومية التي رسمتها أيادي الشباب، فإن القضية الفلسطينية تقف على محور جديد من تحولاتها بالتزامن مع بناء ثوري جديد في الجوار العربي وعنجهية صهيونية تصاعدت خلال الأعوام الماضية ودور دولي خجول أمام الممارسات الاحتلالية، وإن المفاجآت السارة هي حليفة القضية كما نطق بها أحد المواطنين عندما سألناه عن توقعه، فقال: "عام 2011 مليء بالمفاجآت، كل يوم خبر وصورة وكأنه انتفض على الروتين، فلا نعلم ما سيحدث خلال ساعة وهذا من مؤشراته الأولية فأل خير علينا؛ لأننا هرمنا".