كشفت الإحصاءات عن ازديادها

غزة : 73 محاولة انتحار خلال شهرين !

فتاة تحاول أخذ جرعة من عقار
فتاة تحاول أخذ جرعة من عقار

 

 

الموت بالعقار موضة تتقمصها الفتيات في القطاع

طفلة منعت من مشاهدة المسلسلات التركية فحاولت الانتحار

المباحث الطبية: 74 محاولة انتحار خلال شهرين معظم مرتكبيها صغار سن

مختص نفسي: الإحصاءات تعكس مدى الانحلال الذي وصل إليه بعض الشباب

شرعي: الانتحار حرام وعلى المؤسسات المختصة الحد من تفاقم الظاهرة

 

 

غزة- فادي الحسني

لم تحتمل الطفلة "س" عاشقة المسلسلات الدرامية التركية، توبيخ والدتها لها أمام نفر من أقاربها.. فهرعت إلى حجرتها موصدة الباب خلفها، وبدا الأمر للجميع أنه أمراً طبيعياً.

لكن سرعان من أصابت الصاعقة الأسرة، عندما حاولت إحدى شقيقات "س" الدخول للحجرة، ففوجئت بأن الباب محكم الإغلاق، وأن صوت أنين يصدح من شقيقتها، مما دفعها لاقتحام الحجرة، فوجدتها ملقاة و الألم ينهش أمعاءها.

تداعت الأسرة لنقل طفلتها المريضة للمشفى، وهناك تبين أن الطفلة "س" ذات الأربعة عشر ربيعاً، قد حاولت الانتحار عبر تناولها جرعة كبيرة من عقار مجهول.

وتنذر عدة محاولات انتحار جرت في قطاع غزة خلال الفترة الأخيرة، بكارثة حقيقية تتهدد الجيل الناشئ، الأمر الذي يدفع بالسؤال : هل الانتحار أزمة عابرة أم ظاهرة جديدة في غزة؟، من أين تسللت هذه الثقافة إلى المجتمع الغزي المحافظ؟ وكيف ينظر أهل الاختصاص لمثل هذه الظاهرة؟

محاولات تتزايد

وتتحدث إحصاءات صادرة عن المباحث الطبية في قطاع غزة عن أن عدد محاولات الانتحار في تزايد مستمر، وقد بلغت خلال الشهرين الأخيرين ما يزيد عن ثلاثة وسبعين حالة.

وعلى الرغم من  أن النسب تحمل مؤشراً خطيراً، إلا أن البعض رأى أنه من المحظور  التقليب في مثل هذه الملفات، لكن "الرسالة" ترى أن المحظور هو دس الرؤوس في التراب.

وبلغت نسبة محاولي الانتحار من الإناث أعلى من نسبة الذكور، وتشير الإحصاءات إلى أن أصغر محاولة انتحار سناً بلغت أربعة عشر عاماً، فيما بلغت أكبرها سناً سبعة وخمسين عاماً.

وبناءً على التحقيقات التي أجرتها المباحث حول حالات الانتحار في غزة، تبين أن أهم الدوافع التي تقف خلف إقدام الشباب تحديدا على الانتحار هي المشاكل العائلية والنفسية الناتجة عن سوء الأوضاع الاقتصادية.

وقال مصدر مطلع في المباحث الطبية لـ"الرسالة نت": اكتشفنا العديد من الدوافع، كان أبرزها التحصيل الدراسي السيئ لدى طلبة المرحلتين الثانوية والجامعية، بالإضافة إلى الأزمات المالية، وكذلك المشاكل الأسرية".

ووفقاً للتحقيقات فإن الأدوات التي استخدمت في محاولة الانتحار تمثلت في تناول عقار وحبوب مخدر، يليها تناول السم (المبيد الحشري)، ثم السقوط من علو، ثم استخدام آلة حادة (مشارط)، وأخيرا الإقدام على الحرق.

وتشير الإحصاءات الواردة من المباحث الطبية، إلى أن محاولات الانتحار تزايدت مع إعلان نتائج الثانوية العامة نهاية الشهر الماضي.

ويقول المصدر: "إن إحدى طالبات الثانوية العامة كانت تعاني من خوف شديد، فقامت ليلة الإعلان عن النتيجة، بتناول كمية من الحبوب، للتخلص من خوفها، إلا أن سرعة اكتشاف ذويها للأمر، حال دون قتلها لنفسها".

فيما أشار المصدر إلى أن حالتين خلال الشهر الماضي، كان سببهما، إغلاق معابر قطاع غزة، مؤكداً أن "طالبين جامعيين يعيشان وحدهما في القطاع، ويودان قضاء إجازتهما برفقة ذويهما القاطنين في الخارج، إلا أن إغلاق المعابر حال دون تحقيق مرادهم، فأقدموا على الانتحار".

ظاهرة دخيلة

وتعد ظاهرة الانتحار دخيلة على المجتمع الغزي، لاسيما أنه يعتبر مجتمعاً محافظاً، تطغى فيه العادات والتقاليد على سلوك الأفراد وتصرفاتهم في كثير من الأحيان.

ويرجع أستاذ علم النفس في جامعة الأقصى د.درداح الشاعر، ظاهرة الانتحار إلى عدة أسباب، أبرزها : ضعف الإيمان، ويقول: "الشاب أصبح عندما يواجه مشكلة ما ولا يقدر على مواجهتها، يعتبر الأمر أنه نهاية الحياة وبالتالي يلجأ للانتحار".

وأوضح الشاعر لـ"الرسالة نت" أن هناك بعض الشخصيات مبنية على بعض المفاهيم المادية، وفي ضوء الظروف المادية الضاغطة لا يستطيعوا إشباع حاجاتهم، الأمر الذي يدفع بهم للشعور بالفشل والاكتئاب ومن ثم محاولة الهروب من براثن المشكلة عبر الانتحار.

وبين في الوقت ذاته أن بعض المشكلات الخاصة "كالمشكلات النفسية أو الجنسية أو الاجتماعية" تدفع ببعض الأشخاص للإقدام على ارتكاب جريمة بحق أنفسهم، مشيرا إلى أن الظروف التي يعيشها الإنسان الفلسطيني وعدم وضوح المستقبل السياسي ربما كانت دافعاً أيضا من دوافع الإقدام على الانتحار.

ووصف أستاذ علم النفس الأرقام التي تحدثت عنها الإحصاءات بـ"الخطرة جداً" مشيراً إلى أنها تعطي مؤشراً يعكس حالة انحلال الشخصية التي وصل إليها بعض الشباب.

وقال الشاعر: "ربما وصل الشباب إلى درجة لا يستطيعوا فيها التصدي لمشكلاتهم، وعجزوا عن مواجهة الواقع، الأمر الذي يتطلب تعبئة إيمانية لهؤلاء الشباب".

وشدد على ضرورة تبيان المخاطر الناجمة عن هذه الظاهرة "كخسران الحياة الدنيا والآخرة" ويقصد بذلك أن المصير سيكون "جهنم".  

ويتفق د.ماهر الحولي عميد كلية الشريعة والقانون بالجامعة الإسلامية، مع سابقه، في قوله "إن الله سيحاسب من يقدم على مثل هذه الجريمة (..) وكأنه يدخل النار بإرادته وبمزاجه" كما قال.

تقوى الله

وأضاف الحولي في سياق حديثه لـ"الرسالة نت" أن الشريعة الإسلامية حافظت على النفس البشرية وأرادت من الإنسان المحافظة على نفسه"، مشددا على ضرورة أن يتقي الله كل من يفكر في مثل هذا العمل المشين.

ولفت إلى أن الشريعة الإسلامية حرمت قتل النفس بحجة عدم وجود رزق أو طعام.

واستشهد الحولي في حديثه بآيات من القرآن الكريم :( وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا".

وفي آية أخرى قال تعالى (وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ)، وهو ما فيه استنباط بضرورة عدم اعتداء الشخص على نفسه، كما يقول الحولي.

واستحضر أيضا حديث من السنة النبوية، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من قتل نفسه بحديدة، فحديدته في يده يجأ بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً).

ويقرأ الحولي فيما أورده من أدلة من القرآن والسنة، أن الإسلام حرم الانتحار، ويصور كل إنسان قتل نفسه بأنه يأتي يوم القيامة على الهيئة التي قتل نفسها عليها.

وعبر عميد كلية الشريعة عن استغرابه الشديد للأرقام التي تحدثت عنها الإحصاءات الواردة عن المباحث الطبية في القطاع.

الوازع الديني

وطالب أستاذا علم النفس والشريعة بضرورة، وضع مخافة الله نصب أعين الجميع، مشددين على ضرورة تقوية الوازع الإيماني لدى الجيل الناشئ.

ويقول الشاعر: "هذه الظاهرة تعكس ضعف الشخصية، وهذا يتطلب فتح أفاق المستقبل أمام الشباب، وتوفير فرص العمل لهم"، مشددا على أهمية رفعت مستويات الوعي والفكر عن الأسرة الفلسطينية.

وطالب بضرورة تواصل الآباء مع أبنائهم بشكل مستمر لمعرفة مشكلاتهم ومساعدتهم في حلها، وتعزيز نماذج النجاح التربوي في الأسر الفلسطينية.

فيما طالب الحولي الجيل الشاب بعدم اليأس والتشاؤم من الحياة، مشيراً لأهمية أن تلعب المؤسسات المختصة دوراً كبيراً في توعية الشباب وتثقيفهم.

وقال الحولي في ختام حديثه: "يجب أن تأخذ كل من المساجد والعلماء والمؤسسات التعليمية وكذلك الأسرة ووسائل الإعلام، دورها في تعزيز القيم الدينية والإيمانية لدى الشباب، للحد من تفاقم هذه الظاهرة".

وبذلك يتضح أن هناك تقصيراً واضحاً بدأ بالأسرة وليس انتهاء بالمربين في المؤسسات التعليمية ودور العبادة، الأمر الذي يتطلب وضع حدٍاً لهذه الظاهرة، قبل أن تستفحل في الوسط الشاب وتقلب موازين المجتمع الغزي "المحافظ".

 

 

 

 

 

 

البث المباشر