الرسالة نت - وكالات
على موقع وزارة الشؤون الخارجية الإسرائيلية على الإنترنت ثمة خريطة توضح بُعد المسافات بين التجمعات السكانية "الإسرائيلية "وخط الهدنة قبل حرب 1967.
فمثلاً يُلاحظ أن المسافة بين خط الهدنة لعام 1967 مع الأردن ومدينة ناتانيا (أم خالد) على البحر المتوسط تقدر بنحو 15 كيلومتراً، وإلى بئر السبع 16 كيلومتراً، وإلى تل أبيب (تل الربيع) 18 كيلومتراً وخط الهدنة عند قطاع غزة، الذي كان تحت الإدارة المصرية في ذلك الوقت، إلى عسقلان نحو 11 كيلومتراً.
المسألة بسيطة، وهي أنه لم يكن بالإمكان الدفاع عن (إسرائيل) وأي "معتد" كان بإمكانه أن يفصل شمال فلسطين المحتلة عن جنوبها.
وفي الواقع، هذا ما حاولت الجيوش العربية تحقيقه في حرب عام 1967، إذ قالت صحيفة "الأخبار" المصرية عشية الحرب: "بموجب شروط الاتفاق العسكري الموقع مع الأردن، كانت المدفعية الأردنية، وبالتنسيق مع القوات المصرية والسورية، في وضع يمكنها من تقسيم اسرائيل إلى قسمين بالقريب من قلقيلية، حيث تقدر مسافة الأراضي "الإسرائيلية" بين خط الهدنة الأردني والبحر الأبيض المتوسط بنحو 12 كيلومتراً."
وهي المسألة التي ركز عليها رئيس الوزراء الاسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في لقائه في البيت الابيض مع الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، مطلع الأسبوع الجاري.
وقال: "تذكر أن عرض إسرائيل قبل عام 1967 كان 11 كيلومتراً، أي نصف عرض منطقة المقار الحكومية في واشنطن.. وهي لم تكن حدود سلام، وإنما حدود حروب متكررة نظراً لأن الهجوم على "إسرائيل" كان مغرياً بالنسبة لهم."
قد اختياره "حدود" كلمة لم يكن عرضيا ، لأنه في 1967 وافقت "اسرائيل" ليس لديها حدود مع جيرانها العرب.
وكانت الهدنة المتفق عليها بدلا من خطوط عام 1949 بعد تقسيم فلسطين. (ومنذ ذلك الحين الحدود المعترف بها دوليا مع الأردن ومصر وافقت.) حرب الأيام الستة جعلت تلك خطوط الهدنة لزوم لها.
لكن.. ربما لم يكن استخدامه لكلمة "حدود" عبثياً، ذلك أن "إسرائيل" في العام 1967 لم يكن لها حدود متفق عليها مع الدول العربية المجاورة، بل كانت خطوط هدنة اتفق عليها عام 1949 بعد تقسيم فلسطين.
وفي نهاية مايو/أيار عام 1967، حشدت مصر وسوريا والأردن القوات والمدرعات على مقربة من "إسرائيل"، بينما أغلقت مصر مضيق "تيران" أمام الملاحة "الإسرائيلية".
وفي الخامس من يونيو/حزيران، شنت "إسرائيل "هجوماً استباقياً دمر جزءاً كبيراً من القوة الجوية المصرية، وفي الأيام التالية، احتلت القوات "الإسرائيلية" كل القدس والضفة الغربية من الأردن ومرتفعات الجولان من سوريا وشبه جزيرة سيناء وقطاع غزة من مصر، وفجأة أصبح لإسرائيل "عمق استراتيجي".
في وقت ما تغيرت فيه عقيدة إسرائيل العسكرية -- بمعنى أن الضربة الاستباقية لم تعد الخيار الوحيد المتاح لها. وأظهرت حرب أكتوبر 1973 أن "إسرائيل" قادرة على امتصاص الضربة الأولى والرد.
غير أن أرييل شارون، عندما أصبح وزيراً للدفاع عام 1981، جادل بأن تحديث الجيوش العربية وحصولها على صواريخ سطح أدى إلى إلغاء مزايا "العمق الاستراتيجي."
وقال إن "إسرائيل" لا يمكنها امتصاص الضربة الأولى، وينبغي أن تكون مستعدة لتوجيه ضربات وقائية واستباقية ضد التهديدات المحتملة، وهي الحجة نفسها التي يطلقها العديد من الخبراء الاستراتيجيين "الإسرائيليين" اليوم فيما يتعلق التهديد النووي الإيراني المحتمل.
ويرفض الزعماء" الإسرائيليون" المتعاقبون عودة إلى حدود ما قبل عام 1967، بدءاً من رئيسة وزراء "إسرائيل" السابقة، غولدا مائير، عام 1969، التي قالت إن أي حكومة "إسرائيلية" تدعم مثل هذه الخطة ستكون غير مسؤولة.
في عام 1976، كتب وزير الخارجية "الإسرائيلي" الأسبق، يغال ألون، يقول إن "إسرائيل" بحاجة إلى حدود يمكن الدفاع عنها "وتتيح لوحدات صغيرة من قوات الدفاع إبعاد الجيوش العربية الغازية إلى حين تعبئة معظم قوات الاحتياط في البلاد."
أما مناحيم بيغن، فقال عندما كان رئيسا للوزراء، إن التراجع إلى حدود ما قبل 1967 سيكون انتحاراً وطنياً "لإسرائيل".
وفي عام 2004، وعد الرئيس الأمريكي جورج بوش، رئيس وزراء "اسرائيل" آنذاك، شارون، بـ"الالتزام الثابت لأمن "إسرائيل"، بما في ذلك حدود آمنة يمكن الدفاع عنها."
ومع ذلك، فإن المجتمع الدولي لم يعترف أبداً بضم" إسرائيل" أي أرض ما وراء خطوط الهدنة قبل عام 1967.
لكن، ومن وقت لآخر، كان هناك استعداد أكبر للتفاوض حول أراض، وعلى الأخص في قمة كامب ديفيد في العام 2000 عندما جمع الرئيس الأمريكي الأسبق، بيل كلينتون، بين زعيم منظمة التحرير الفلسطينية آنذاك، الراحل ياسر عرفات، ورئيس الوزراء" الإسرائيلي" الأسبق، إيهود باراك.
فقد طرح باراك اقتراحاً من شأنه أن يمنح الفلسطينيين السيطرة على حوالي 90 في المائة من الضفة الغربية، على أن تضم "إسرائيل" النسبة المتبقية.
غير أنه كان هناك الكثير من العوامل المعقدة، إذ وفقاً لإحدى الروايات من تلك القمة، رفض أبو علاء، وهو قيادي فلسطيني مفاوض، التفاوض على الخارطة، بحجة أن على "إسرائيل" أولاً أن تلتزم بأن أي اتفاق حول الأرض يجب أن يستند إلى خط الرابع من يونيو/حزيران عام 1967، الأمر الذي دفع كلينتون لأن يصرح: "لا تقل ببساطة "للإسرائيليين" أن خريطتهم ليست جيدة.. أعطني شيئاً أفضل!" وانتهت القمة إلى تبادل الاتهامات.
أما إيهود أولمرت، وقبل وقت قصير من مغادرته منصبه كرئيس لوزراء "إسرائيل" في العام 2008، فقال إن "إسرائيل" ستضطر في النهاية إلى منح الفلسطينيين "نسبة مماثلة" من الأراضي مقابل الكتل الاستيطانية اليهودية الكبرى في الضفة الغربية إذا كانت "إسرائيل" تريد الاحتفاظ بها في أي صفقة حول "الوضع النهائي." مضيفاً "نحن بحاجة لاتخاذ قرار، لكننا لسنا مستعدين لنقول لأنفسنا: حسناً، هذا ما يتعين علينا القيام به."
غير أن الرجل الذي أصبح وزير خارجية "إسرائيل" حالياً، أفيغدور ليبرمان، وصف أفكار أولمرت بأنها مجنونة.
من هنا، ما هي "تبادلات الأراضي المتفق عليها"، وهي العبارة التي استخدمها أوباما، التي يمكن أن تعطي "إسرائيل" الأمن والفلسطينيين الأراضي التي ترضي الطرفين؟
الأسبوع الماضي، قال أوباما: "يجب على الشعب الفلسطيني يكون له الحق في أن يحكم نفسه، ويحقق إمكانياته، في دولة ذات سيادة ومتصلة جغرافياً."
غير أنه طوال السنوات الأربع والأربعين التي تلت حرب يونيو/حزيران 67، أصبحت خريطة الضفة الغربية مقطعة الأوصال بوجود المستوطنات اليهودية، والتي يسكنها حالياً حوالي نصف مليون نسمة.
إن الحاجز الأمني ينتصب عميقاً في الأراضي المحتلة، ويوفر الحماية للمستوطنات ولكنه يقسم الأراضي الفلسطينية إلى سلسلة من الجيوب.
نتنياهو قال بعد لقائه أوباما إن حدود ما قبل 1967 أصبحت الآن "غير قابلة للدفاع عنها لأنها لا تأخذ في الاعتبار بعض التغييرات التي حدثت على أرض الواقع، كالتغيرات الديموغرافية التي حدثت على مدى السنوات الأربع والأربعين الماضية".. و"التغيرات الديموغرافية" تعني المستوطنات.
بالإضافة إلى ذلك، قال نتنياهو أيضاً إنه سيصر على وجود قوات إسرائيلية على طول نهر الأردن، الذي يفصل بين الضفة الغربية والأردن، حتى بعد اقامة دولة فلسطينية كضمان ضد الهجمات الصاروخية.
في إطار جولة له على المنطقة في مارس/آذار الماضي، قال نتنياهو: "إذا انطلقت صواريخ وقذائف من هنا فإنها ستصل تل أبيب وحيفا وجميع أنحاء الدولة"، وهو موقف مماثل اتخذه قادة إسرائيليون آخرون، بمن فيهم رئيس الوزراء الإسرائيلي الراحل اسحق رابين.
وكل عام تزيد "الحقائق على الأرض" والتكنولوجيا العسكرية المتطورة، تعقيد الجدل حول الأراضي، التي باتت في العمق كما كانت في 1967 و1948، وكما كانت دائماً حتى قبل أن ينطق أي شخص بكلمة "القدس".