د. محمد إبراهيم المدهون
يا شباب فلسطين: إجازة الصيف أطلت برأسها ووقت الفراغ يزداد، حيث هنا نعمتان مغبون عليهما كثير من الناس: الصحة والفراغ، ونحن شعب فلسطيني محاصر أحوج ما نكون إلى إعادة التوازنات الروحية والنفسية والجسدية لحياتنا، وعلينا أن نحسن استغلال الفراغ؛ لأنه نعمة على أساسها يُبنى الإنسان الذي هو مشروعنا ورأس مالنا، وعنوان تحررنا في المستقبل الآتي القريب إن شاء الله. والأوقات التي هي رأس مال الإنسان محاسبون عليها لأنها الحياة.. "لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيما أفناه وشبابه فيما أبلاه".. فعلينا استثمار الأوقات لتكون بذكر الله معمورة، وبطلب العلم والدعوة إلى الله مشغولة، وبالقيام والرباط تسهر ليلها وبالجهاد والعلم تضيئ نهارها.
يا شباب فلسطين: الوقت هو الحياة.. أقسم الله -سبحانه وتعالى- به في كتابه؛ فأقسم بالنهار وأجزائه -الفجر والضحى والعصر- وأقسم بالليل.. رأس مالك الوقت، فعليك أن تعلم أن استثماره بيدك، فشمر عن ساعد الجد فإن الوقت يمضي والعمر قصير.. فبالوقت حفظت العلوم وجمعت السنة وحررت المسائل وكتبت القصائد، وما من عالم رُفع شأنه إلا واستثمار الوقت كان مركبه، وما من داعية رفع ذكره إلا واستثمار الوقت كان همه، والذي ميّز العلماء عن العامة استثمار العلماء لأوقاتهم، ويكون لك التأثير في واقع أمتك بالعلم والعمل الذين لن يتحققا لعشاق الدعة والكسل, فاقرأ سير أصحاب الهمم العالية.
يا شباب فلسطين: الاستثمار الأمثل للأوقات يقتضي مضاعفة الأوقات بتقليل ساعات النوم، وتعلم الفنون التي توفر الوقت كأساليب القراءة السريعة، ولا تقرأ كل ما تقع عليه عينك، وتعلم فن اختيار الكتاب الجيد، وحذار من الوقت الضائع في الانتظار بأماكن معينة، ودائما احمل معك كتابا نافعا (القرآن الكريم)، وفوق ذلك أعطِ نفسك فترة راحة بعد كل جهد، وقم ببعض التدريبات الرياضية مع تجنب الطعام الثقيل فإنه يجهدك ويحد من نشاطك عن العمل.
يا شباب فلسطين: كسب الوقت والعمل الجاد لا يعني حرق الذات أو حرمانها من متاع الدنيا؛ فبعض الأنشطة تجدد نشاطك وتدفعك إلى مزيد من العطاء (إجازة قصيرة، أو رحلة ممتعة، أو ممارسة هواية محببة، أو الذهاب إلى البحر)؛ لذلك تعلم كيف تحول المواقف والضغوط إلى مصلحتك، مثلا: تكلم مع صديق من أصحاب التجربة والحكمة، أو اقترب من الناجحين والمفكرين ومارس بعض الرياضيات...
يا شباب فلسطين: اعلموا أن كثيرا من الأوقات تفقدها لسبب (المجاملات الاجتماعية) فتعلم كيف تقول (لا) بصورة لبقة.. (المكالمات الهاتفية غير الهادفة.. الزيارات المفاجئة.. الأعمال التي توكل إلينا من زملاء العمل والأصدقاء بدون مبرر مقنع)..
اجعل التقنيات الحديثة في خدمتك مثل استخدام الكمبيوتر في مراسلات وحفظ المذكرات فهي توفر كثيرا من الوقت، وخزن أرقام الهاتف، واستخدم المسجل الصوتي عوضا عن الرد على كل المكالمات، واجعل أيامك مفيدة وعامرة بالعمل الصالح واستمع أو شاهد برامج وأفلام ثقافية وعلمية، قم بزيارة إلى صديق حكيم أو عالم مفكر، ومارس التدريب على الكمبيوتر، وتعلم لغة جديدة، وشارك في عمل خيري أو تطوعي، واستمع إلى شريط أثناء قيادتك للسيارة...
يا شباب فلسطين: إياك وقتل الوقت والحياة بسهام المعاصي فتقضي ليلك على الأطباق الهوائية ونهارك نوما عن الصلوات وهجرا للجماعات، وإياك وإضاعة الوقت فيما لا فائدة فيه فتنقضي الإجازة ورصيدك العلمي والعملي والدعوي كما هو قبل الإجازة، وإياك أن تنقضي الإجازة ولم تراجع فيها قرآنا أو تحفظ فيها حديثا، ولم تقرأ فيها كتابا أو تواظب على حضور درس.
يا شباب فلسطين: أعتقد أنك راغب في استثمار إجازتك الصيفية، والخطوة الأولى لذلك: حدد الأهداف الكبرى التي ترغب في تحقيقها في الإجازة. ثم اجعل لكل هدف مراحل تؤدي إلى تحقيقه (أهدافا صغرى)، وبناء على ذلك يكون الجدول العلمي لتحقيق هذا الهدف، وهذا البرنامج يجب أن يكون معقولا بحيث يتناسب مع قدراتك وحاجاتك، وأن يكون البرنامج فيه مرونة بحيث يمكنك التصرف فيه في الحالات الطارئة، وتدارك ما فات منه واستشر أهل الخبرة.
ليكن شعارك: الإجازة فرصة لتربية النفس على العبادة والطاعة والجهاد والعلم..