وكالات-الرسالة نت
كتب جيفري لين في صحيفة تلغراف البريطانية متسائلا: ماذا لو فقدت المضادات الحيوية التي نتناولها منذ وقت طويل قدرتها على محاربة الالتهابات البكتيرية؟ هل سنجد أنفسنا قد عدنا إلى عصور وصفات العطارين؟ إنه كابوس، يقول لين.
في عام 1900 كان مرضا الالتهاب الرئوي والسل مسؤوليْن عن ربع الوفيات في أميركا. وفي عام 1990 كان المرضان مسؤولين عن 4% فقط من الوفيات، وكل ذلك بفضل المضادات الحيوية. وعلينا أن لا ننسى أن المضادات الحيوية ساعدت في محاربة أمراض خطيرة مثل السحايا ومرض الزهري، هذا بالإضافة إلى مساعدتها على الشفاء بشكل شبه سحري من الحروق والفتحات التي يحدثها مبضع الطبيب في جسد الإنسان بعد العمليات الجراحية.
لكن هذا الأسبوع شهد بداية الكابوس، حيث ظهر المزيد من البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية، إذ ظهرت بكتيريا سلالة جديدة من بكتيريا إي كولاي المقاومة للمضادات الحيوية والتي راح ضحيتها 18 شخصا إلى حد الآن والعدد مرشح للارتفاع، ناهيك عن آلاف الإصابات التي استدعت التدخل الطبي المباشر.
والكابوس الثاني الذي قد يكون أسوأ من الأول، هو إعلان العلماء أنهم اكتشفوا وجود بكتيريا العنقوديات الذهبية المقاومة للمضادات الحيوية في مزارع إنتاج اللحوم البريطانية. ويبدو أن البكتيريا انتشرت فعلا من خلال منتجات الألبان وأصابت عددا كبيرا من الناس في أنحاء بريطانيا والسويد وإيرلندا.
ورغم أن هذه البكتيريا لا تقاوم عملية البسترة التي يمر بها الحليب قبل التعبئة، فإن الخطر الداهم هو أن تنتقل هذه العدوى البكتيرية إلى الناس عن طريق العاملين في مزارع إنتاج الألبان ولحوم الحيوانات.
ويلفت لين النظر إلى أن تحذيرات العلماء من المضادات الحيوية بدأت منذ سبعة عقود، أي بعد فترة قصيرة من اكتشاف البنسلين، ورغم ذلك فقد خسر الإنسان المعركة ضد البكتيريا.
صحيح أنه في خمسينيات وستينيات من القرن الماضي، تمكن العلماء من إنتاج مضادات حيوية ذات فاعلية أسرع من تطور البكتيريا وتقتلها قبل أن تكوّن سلالات جديدة، إلا أن هذه المعركة خسرناها هي الأخرى عندما انعكس الأمر مؤخرا وأصبحت البكتيريا تطور نفسها بوتيرة أسرع من المضادات الحيوية.
ويعتقد لين أن السبب في ذلك يعود إلى رخص ثمن المضادات الحيوية وكثرة تناولها من قبل الناس نظرا لقصر مدة تعاطيها وفعاليتها السريعة، الأمر الذي حدا بشركات الأدوية إلى التكاسل في تطوير منتجاتها التي تلقى رواجا كافيا.
ويستعرض لين طريقة عمل أصحاب مزارع إنتاج اللحوم والألبان والتي يعتقد أنها ساعدت في انتشار البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية، حيث يقول إن تلك المزارع تكدّس آلاف الحيوانات في أماكن وحظائر ضيقة، ويتم الاعتماد على حشو بطونها بالمضادات الحيوية تلافيا لانتشار الأمراض بينها، الأمر الذي أدى إلى تطوير البكتيريا لسلالات مقاومة للمضادات.
ويلقي لين باللوم على السلطات البريطانية في عدم منع استخدام المضادات الحيوية في الزراعة، وعدم اللحاق بالركب الأوروبي الذي منع استخدام وترويج أفلام دعائية تدعو المزارعين إلى استخدام المضادات الحيوية في محاصيلهم.
لين يأمل أن تحرك الكارثة الأخيرة -المتمثلة في انتشار البكتيريا العنقودية وإي كولاي- المسؤولين البريطانيين لاتخاذ ما يلزم.