الرسالة نت - مها شهوان
بجسدها الهزيل والدماء تسيل من وجنتيها.. رقدت قبل أيام الطفلة "ش" -لم يتجاوز عمرها الـ12- في قسم الاستقبال بمستشفى الشفاء، فقد ألقت بنفسها من شرفة غرفتها في الطابق الثاني لتسقط أرضا حينما أغلق والدها الباب عليها خشية أن تهرب لوالدتها المطلقة؛ فمنذ خمس سنوات تعيش "ش" مع والدتها التي عودتها على حفظ القرآن، إلى أن أخذها والدها بالقوة متجاهلا القانون، وحينها بدأت الطفلة محاولة الاتصال بوالدتها وزيارتها خلسة.
وعندما اكتشف الوالد تواصل ابنته مع أمها لم يرحم طفولتها فحبسها في إحدى الغرف مغلقا الباب عليها عقابا لها، فما كان منها إلا أن ألقت بنفسها منتحرة.
وفي حكاية أخرى لطالبة مدرسية سخرت منها صديقتها لقباحة منظرها أمام زميلاتها بالفصل، حتى لجأت الطالبة إلى والدتها التي تعمل "خياطة" فصدّتها أمها معللة بأنه لا وقت لديها "للكلام الفارغ".. تجاهل الأم لمشكلة ابنتها واستمرار استهزاء زميلتها دفعها إلى الانتحار بشرب كمية من الحبوب والدواء فسقطت مغشيا عليها، ونقلت للمستشفى ليحاول الأطباء إنقاذها.
شريان يدها
حالات الانتحار تظهر من حين لآخر لأسباب مختلفة تدفع الفتيات والشباب للإقدام عليها لسبب ضغوط نفسية يمرون بها، وهذا ما حدث مع الفتاة "ص. و" -16 عاما- عندما أرغمها أهلها على الزواج.. رفضت "ص" الاقتران بشاب يكبرها بعشر أعوام لشعورها بأنها ما زالت صغيرة وتريد إكمال دراستها، لكن الواقع فرض عليها حياة أخرى لم تكن تعلم تفاصيلها من قبل؛ مما دفع زوجها للتفكير بزوجة أخرى بعد 4 شهور من زواجهما.
لم يرق الحال للفتاة الصغيرة حتى جن جنونها، وحاولت إيذاء نفسها عدة مرات للتخلص من الواقع الذي تعيشه، حيث أُنقذت أكثر من مرة عندما حاولت قطع شريان يدها بالشفرة، ومرة أخرى تعاطت فيها دواء منتهي الصلاحية.
أيضًا..
ليست الفتيات وحدهن من يحاول الانتحار؛ فالشاب "م. ك" -26 عاما- تخرج من جامعته دون أن يجد وظيفة له رغم محاولاته الحثيثة في البحث. ومع ظروفه النفسية بشعوره أنه عاطل عن العمل كان والده "يزيد الطين بله" ويسخر منه أمام الجميع، إلى أن عايره في إحدى المرات بالقول: "أكل ومرعى وقلة صنعة".. وهذا ما دفع الشاب إلى الاقدام على الانتحار لكن أخاه أنقذه في اللحظة الأخيرة قبل أن يعلق حبل المشنقة بيده.
وأظهرت مصادر خاصة من المباحث العامة لـ"الرسالة نت" أنه يصل إليهم شهريا ما بين 25-35 حالة تتراوح أعمارهم من 18-24 سنة، لكن المصدر أكد أنه لا يوجد وفيات نتيجة الحالات التي وصلتهم.
الفشل والاكتئاب
كثرة حالات الانتحار أسبابها متعددة.. وحول ذلك أرجع أستاذ علم النفس د. درداح الشاعر ظاهرة الانتحار إلى عدة أسباب، "وأبرزها ضعف الإيمان"، ويقول: "عندما يواجه الشاب مشكلة ما ولا يقدر على مواجهتها يعتبر الأمر نهايةً للحياة ولذلك يلجأ للانتحار".
وأوضح أن هناك بعض الشخصيات مبنية على بعض المفاهيم المادية، "وعلى ضوء الظروف المادية الضاغطة لا يستطيع الشباب إشباع حاجاتهم؛ الأمر الذي يدفع بهم للشعور بالفشل والاكتئاب ثم محاولة الهروب من براثن المشكلة عبر الانتحار".
وبين الشاعر لـ"الرسالة نت" أن بعض المشكلات الخاصة -المشكلات النفسية أو الجنسية أو الاجتماعية- تدفع بعض الأشخاص للإقدام على ارتكاب جريمة بحق أنفسهم، مشيرا إلى أن الظروف الخاصة التي يعيشها الإنسان الفلسطيني ربما كانت دافعا أيضا من دوافع الإقدام على الانتحار. وقال: "ربما يصل الشباب إلى درجة لا يستطيعون فيها التصدي لمشكلاتهم، ويعجزون عن مواجهة الواقع؛ الأمر الذي يتطلب تعبئة إيمانية لهؤلاء الشباب"، مشددا على ضرورة تبْيان المخاطر الناجمة عن هذه الظاهرة من خسران الحياة الدنيا والآخرة.
ووصف الشاعر أن من يقدم على الانتحار لديه ضعف بالشخصية؛ "مما يتطلب فتح آفاق المستقبل أمام الشباب وتوفير فرص العمل لهم"، مطالبا بضرورة تواصل الآباء مع أبنائهم باستمرار لمعرفة مشكلاتهم ومساعدتهم في حلها، "وتعزيز نماذج النجاح التربوي في الأسر الفلسطينية".
تعزيز القيم الدينية
وحول حكم الاسلام في الانتحار أكد د. ماهر الحولي -عميد كلية الشريعة والقانون بالجامعة الإسلامية- أن الشريعة حافظت على النفس البشرية وأرادت من الإنسان المحافظة على نفسه. ولفت إلى أن الشريعة الإسلامية حرمت قتل النفس، مستشهدا بالآية القرآنية (وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إلى التَّهْلُكَةِ)، "وهو ما فيه استنباط لضرورة عدم اعتداء الشخص على نفسه".
ودعا الحولي إلى ضرورة وضع مخافة الله نصب أعين الجميع، "وتقوية الوازع الديني لدى الجيل الناشئ"، ناصحا الشباب بعدم اليأس والتشاؤم من الحياة.
وقال في ختام حديثه: "يجب أن تأخذ كل من المساجد والمؤسسات التعليمية وكذلك الأسرة ووسائل الإعلام دورها في تعزيز القيم الدينية والإيمانية لدى الشباب؛ وذلك للحد من تفاقم هذه الظاهرة".
بيد أنه لا بد من الإشارة لضرورة تحرك الجهات المعنية للحد من تلك المشكلة قبل أن تستشري في مجتمعنا الذي يعاني من ضغوط نفسية واجتماعية، إلى جانب دور الأهالي في احتضان أبنائهم بدلا من أن يغويهم الشيطان ويؤدي بحياتهم للتهلكة.