كل شيء يحتاج إلى همة لإنجازه، وعلى قدر عظم هذا الشيء تعظم الهمة المطلوبة لتحقيقه.
يقول ممشاد الدينوري: "همتك فاحفظها، فإن الهمة مقدمة الأشياء، فمن صلحت له همته وصدق فيها صلح له ما وراء ذلك من الأعمال".
ويقول الإمام ابن القيم: "لابد للسالك من همة تسيره وترقيه، وعلم يبصره ويهديه", وتتجلى أهمية التحلي بهذه الصفة الجليلة فيما يلي:
1- تحقيق كثير من الأمور مما يعده عامة الناس خيالاً أو يستصعبون تحقيقه، ومن ذلك أن:
- الرسول صلى الله عليه وسلم يبني أعظم أمة أخرجت للناس ويربي جيلاً قرآنياً فريداً خلال 23 سنة.
- أبوبكر الصديق في أقل من سنتين ينهي فتنة المرتدين ويرجع الجزيرة إلى حظيرة الإسلام ولم يمت رضي الله عنه إلا وجيوشه تحاصر الروم.
- أبوحاتم رحمه الله يقول: ذهبنا إلى عبد الله بن مسلمة من علماء القرن الثاني فسألناه أن يقرأ علينا الموطأ، فقال: تعالوا بالغداة، فقلنا: لنا مجلس عند حجاج بن منهال. قال: فإذا فرغتم. قلنا: نأتي مسلم بن إبراهيم. قال: فإذا فرغتم. قلنا: نأتي أبا حذيقة النهدي. قال: فبعد العصر. قلنا: نأتي عارم أبا النعمان. قال: فبعد المغرب.. فكان يأتينا بالليل.
إن الإنسان العادي يستصعب تلك الأعمال بل البعض يجعلها من المستحيلات، لكن صاحب الهمة العالية المرتبطة بهدف نبيل وغاية عزيزة له نظرة أخرى, وهذه الأمور العظيمة التي سنحققها إن شاء الله تعالى بهممنا السامية تكون في مجالات شتى: في طلب العلم. في العبادة والزهد. في الدعوة إلى الله تعالى. في تنفيذ مشاريع كبيرة..... إلخ.
2- البعد عن سفاسف الأمور: يقول الإمام ابن الجوزي: "قد رأيت عموم الخلق يدفعون الزمان دفعاً عجيباً إن طال الليل فبحديث لا ينفع أو بقراءة كتاب فيه غزل وسمر. وإن طال النهار فبالنوم وهم في أطراف النهار على دجلة أو في الأسواق.. ورأيت النادرين من الناس قد فهموا
معنى الزمان وتهيؤوا للرحيل، فالله الله في مواسم العمر، والبدار البدار قبل الفوات، ونافسوا الزمان". لا أدري ماذا كان ابن الجوزي يقول عن زماننا لو رأى كيف يقضي أبناء المسلمين وشبابهم بل أحياناً كبراؤهم وعقلاؤهم أوقاتهم، في التسكع في المجمعات ومضايقة الخلق وفي اللعب الباطل أو في المقاهي العابثة لايقيمون للوقت وزناً ولا لحياتهم معنى.
3- صاحب الهمة العالية عبد لله وحده: فهو يتحرر من الانغماس في هواه ومن ذل نفسه للمال ومن تتبع شهواته للجاه والنساء، يتحرر من عبوديته للأشخاص. هو إنسان لا ينقاد لتسلط الأمر الواقع بل يعمل لتغييره بما يوافق أحكام دينه. هو لا يرضى لنفسه أن تنقاد لكافر، بل يتطلع ليوم تعلو فيه راية الإسلام ويعمل لأجل ذلك.