غزة/ مها شهوان
يعاني قطاع غزة من أزمة اقتصادية خانقة جعلت معظم أهالي القطاع يعيشون تحت خط الفقر المدقع ، بسبب الحصار الإسرائيلي الذي يفرضه الاحتلال منذ أكثر من ثلاثة سنوات ، بالإضافة إلى الانقسام السياسي الذي زاد من حدة المشكلة الاقتصادية وما ترتب عليه من أثار اجتماعية تدفع نحو الجريمة والتفكك الأسري .
وحذرت وزارة الزراعة من وجود مجاعة خفية بدت ملامحها تتضح في غزة لتهدد مليون ونصف المليون إنسان.
الغذاء الضروري
في هذا السياق ذكر المحلل الاقتصادي معين رجب أن مؤشرات الفقر والبطالة مرتفعه في فلسطين عامة وقطاع غزة خاصة ،مشيرا إلى انه لم يتم التعامل مع هذه الظاهرة إلا عبر الحلول الجزئية المؤقتة المتمثلة بالجوانب الإغاثية كصرف الكابونات الغذائية ، مما يعزز من الاستمرار في المشكلة وتعمقها وزيادة سلبياتها.
وحول مؤتمر الأمن الغذائي الذي عقد في روما أوضح رجب بأنه يأتي كمحاولة لاستعراض أحوال الفقر في جميع أنحاء العالم إلى جانب نقص الغذاء وارتفاع أسعاره، مبينا أن الشعب الفلسطيني جزءا من العالم الذي يعاني حوالي مليار من سكانه الجوع ونقص الغذاء الضروري .
ووجه وزير الزراعة الدكتور محمد الأغا رسالة إلى مؤتمر الأمن الغذائي العالمي الثالث المنعقد في روما أكد فيها على وجود مجاعة خفية بدت ملامحها تتضح في غزة يعاني نتيجتيها مليون ونصف المليون إنسان.
ودعا الأغا المجتمعين إلى الضغط بقوة باتجاه إنصاف الشعب الفلسطيني وتخليصه مما يعانيه وتوفير لقمة العيش لأطفاله ونسائه، مطالباً برفع الحصار المفروض على القطاع منذ ما يزيد عن ثلاثة سنوات ورفع الظلم عن الصيادين والمزارعين في الضفة الغربية وغزة.
من جانبه أكد المحلل الاقتصادي محسن أبو رمضان أن هناك كارثة اقتصادية محدقة بقطاع غزة بسبب سياسة الحصار ، وذلك حينما تم الإعلان أن غزة معادية لـ"إسرائيل "في سبتمبر 2007 لتمنع حوالي 20 سلعة للدخول من "إسرائيل" لقطاع غزة مما أدى إلى تدمير البنية التحتية والقاعدة المؤسساتية .
وأشار إلى أن حوالي 85 % من سكان قطاع غزة يعيشون تحت خط الفقر معتمدين على وكالة الغوث وغيرها من المؤسسات الإنسانية في غذائهم ،وذلك ضمن سياسة الحصار والعقاب الذي فرضه الاحتلال على غزة نتيجة الخيار الديمقراطي الفلسطيني .
بينما أوضح رجب أن نسبة ارتفاع الفقر في قطاع غزة وصلت ما بين 60-70% مما يعكس وجود مشكلة حقيقية في الغذاء ، لافتا إلى أن الغالبية العظمى من السكان لا تجد حاجتها في الغذاء الضروري مما جعلهم يعتمدون على المعونات ، ويمكن أن يتم إدراجهم ضمن المناطق التي تنتشر فيها المجاعة فيما لو توقفت تلك المعونات.
وفي الوقت ذاته بين أبو رمضان أن 40% من سكان القطاع يعيشون تحت خط الفقر ومستوى الدخل لديهم ما يقارب الـ 1650 شيكل ليسد احتياجات خمسة أفراد، بينما العائلات التي تندرج تحت خط الفقر العام هي من يكون عدد أفرادها خمسة ودخلها 2350 شيكل.
وحول ما إذا كانت غزة يمكن أن توصف بان لديها مجاعة قال أبو رمضان:" لا يمكن وصف غزة بالمجاعة ،لكن يمكن وصفها بالفقيرة بسبب استمرار سياسة الاحتلال والحصار"،لافتا إلى أن القطاع يسير نحو تعميق الحالة الاستهلاكية والغذائية على حساب الإنتاجية والتنموية ،مما جعله معتمدا على حساب المساعدات الإغاثية.
الحصار الاقتصادي
ووافقه الرأي رجب حيث ارجع أسباب تدهور الوضع الاقتصادي الفلسطيني لاسيما في قطاع غزة إلى استمرار الحصار الاقتصادي الخانق مما زاد من تعقيدات المشكلة الاقتصادية المتمثلة في حركة الإنتاج ، مبينا أن الغالبية العظمى من المؤسسات الصناعية تعاني من استمرار حالة البطالة العالية التي تتراوح مابين 120 ألف لـ150 ألف متعطل .
وأكد رجب أن استمرار الحصار يزيد من حدة المشكلة الاقتصادية لما يترتب عليها من أثار اجتماعية تدفع نحو الجريمة والتفكك الأسري ، بالإضافة لحالة الفراغ بين المتعطلين باعتبارهم عنصرا معالا وليس معيلا.
وبين أبو رمضان أن "إسرائيل" تريد أن تبقي غزة سوقا للاستهلاك معتمدة على الإغاثة الخارجية ، موضحا أن الاحتلال الإسرائيلي حرم صيادو قطاع غزة الصيد على بعد 3 أميال ،بالإضافة إلى انه تم السيطرة على 300 متر شرق مدينة غزة وذلك ليحرم 18 ألف مزارع من حقهم العمل بالقطاع الزراعي.
وعن الأنفاق التي تعتبر الشريان الوحيد الذي يسد ما يحتاجه القطاع من مواد غذائية اعتبرها رجب الأنفاق ظاهرة مؤقتة واضطرارية ليست شرعية فهي محفوفة بالمخاطر من قبل السلطات المصرية لأنها ضد هذا التوجه ، مؤكدا في الوقت ذاته أنها خففت من حدوث انفجار داخل القطاع لكنها لم تحل المشاكل الاقتصادية لعدم استطاعتها إدخال كل ما يحتاجه القطاع من مواد غذائية وتعميرية.
ووافقه الرأي أبو رمضان قائلا:"الأنفاق وسيلة اضطرارية وليست اختيارية ، وان 70% من أسوق قطاع غزة تعتمد على بضائع الأنفاق"،موضحا أن تحسن الوضع الاقتصادي للقطاع يعتمد على إنهاء الانقسام والحصار لتتمم إعادة فتح المؤسسات التشريعية والقضائية ، بالإضافة لفتح المعابر وقيام المانحين بتقديم المساعدات لحكومة الوحدة الوطنية حتى تحدث عملية النهضة.
وأضاف رجب إلى أن الانقسام السياسي عامل إضافي في تفاقم الأزمة الاقتصادية وتعقيدها بسبب ظهور تناقضات بين أطراف الوطن ومن يمثلونه وينقلون مشاكله للمحافل الدولية مما انعكس سلبيا على فلسطين عامة وقطاع غزة خاصة ، مشيرا إلى أن الضفة تعاني أيضا من مشاكل كبيرة لوجود الحواجز التي تمنع انتظام حركة الأفراد والمواد والسلع .
وتمنى رجب أن تتغير الظروف نحو الأفضل وتحل حالة الانقسام الفلسطيني نهائيا، ليتفرغ الفلسطينيين لمشاكلهم الحقيقية لتتم معالجتها بطريقة صحيحة.
وأفاد تقرير صادر عن منظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية أن الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة أواخر 2008 وبداية 2009 تسبب في خسائر اقتصادية بقيمة أربعة مليارات دولار، وان قيمة الخسائر المباشرة وغير المباشرة تمثل"ثلاثة أضعاف حجم اقتصاد غزة".
وقالت المنظمة التي تتابع منذ 25 عاما تطور الوضع الاقتصادي في الأراضي الفلسطينية في تقريرها أن الوضع الحالي هو الأسوء الذي يشهده قطاع غزة منذ 1967 على مستوى الأمن الاقتصادي وظروف العيش.
وأعربت المنظمة الدولية في تقريرها عن أسفها لأنه رغم الإعلان في مؤتمر شرم الشيخ (آذار/مارس 2009) عن تخصيص 4,5 مليارات دولار بهدف دعم خطة النهوض، لم يتم الإفراج عن أي مبالغ حتى اللحظة.