غزة – عبد الحميد حمدونة-الرسالة نت
أسراب من النحل تحوم حول محل حلويات "أبو عمر ساق الله"، وتتنقل من صحن إلى آخر من أجل أن تتزود بالرحيق لتحوله بين أحشائها إلى عسلٍ شفاء للناس، وفي الوقت ذاته، يصطف عشرات الزبائن للحصول على كيلو أو أكثر من حلوى "النمورة" الحائزة على إعجاب جموع المواطنين المحبين للحلويات الفلسطينية.
وعلى الرغم من اكتظاظ المواطنين والنحل سوية على بوابة المصنع، استقطعت "الرسالة" اليسير من الوقت للحديث مع الحلواني ساق الله، بهدف معرفة المذاق العسلي للنمورة الغزية، المصنوعة بيديه في محله المتواضع شرق مدينة غزة.
ومن عشرات السنين وطوال ساعات النهار التي تشكل مسرحاً لهذه الصورة المتكررة كل يوم عدا الجمعة، حيث يتزايد فيها الطلب على الحلوى التي يصنعها أبو عمر.
وما يجذب الزبائن من الناس والنحل فخر صناعته للحلويات التي يتقاطر عليها الغزيون من كل حدب وصوب.
اللغز
وعن كيفية صناعة "النمورة"، يوضح ساق الله أن صناعتها لا يجيدها سواه، لكن مع إصرار "الرسالة" على معرفة رؤوس أقلامها، نزل "الحلواني" عند رغبتها، وقال: "نستخدم السميد والزبدة، والبكنج باودر، والسمن، والسكر، واللوز، واللبن في حال احتجنا له".
وأضاف: "نذوّب السكر في الماء، أما إذا كان لبناً فنضيفه مع السكر والسميد ونخلطهما جيدا، ثم ندهن صحنا مستديرا طول قطره متر بالطحينية ونصب فيها العجينة، ونزيّن سطحها باللوز وتقطع بعد خروجها من فرن النار ومن ثم تصبح جاهزة للبيع".
وبينما يواظب العامل العشريني "موسى محمد" على تلبية طلبات الزبائن من جهة، وطرد النحل من فوق سطوح الصحون من جهة أخرى، قال لـ"الرسالة": "لا أَمَلّ من المجيء يوميا إلى هنا لأؤمن قوت عائلتي في عمل عسل على عسل"- حسب وصفه.
وعن آلية خروج النمورة بالشكل الجميل، استطرد ساق الله، قائلا: " ندخل الصحون في فرن تصل حرارته لـ 210 درجة مئوية، ونتركها لمدة نصف ساعة حتى يحمّر لونها"، مبينا أنه يضعون القطر البارد عليها وهي ساخنة، ويتركها لتبرد وتقطّع ويرش جوز الهند على وجهها.
كلمة سر
ولا يتجاوز عدد العاملين في مصنع ساق الله الخمسة، لكنهم يعملون كخلايا النحل التي تحوم حولهم، مختزلين فكرة النشاط والعمل بجد من النحل أملا في الحصول على سمعة أفضل.
المواطنون المصطافون على باب المصنع لم يسبب لهم طول الانتظار إزعاجا يذكر، إنما الحصول على ما يريدونه من حلويات ساق الله هو مبتغاهم، كما يقول المواطن أبو العبد، الذي أكد أن النمورة من أكثر الحلويات الشعبية المحببة له ولعائلته.
وبالرجوع إلى حديث الحلواني ساق الله، الذي لا يكاد يترك هاتفه النقال لتلقي طلبات الحجز على صحون النمورة من المواطنين تباعا، قال "إن أسعار النمورة تتراوح بين عشرة إلى عشرين شيكلا للكيلو الواحد- أي ما يعادل خمسة دولارات-، وتختلف الأنواع في المكونات الرئيسية بين اللوز وعين الجمل والنمورة السادة.
ولم ينس ساق الله مرضى السكر من الاستمتاع بأكل حلويات عن طريق صناعة "النمورة الدايت"، كما تعرف بين أوساط الغزيين، لقلة كمية السكر المستخدمة في صنعها.
وتبقى كلمة السر بين النمورة من جهة والمواطنين والنحل من جهة أخرى غامضة لا تفسرها الكلمات، رغم أن الحلواني ساق الله اقتطع جزءا منها مع رشة جوز الهند على سطحها وقدمها على طبق من ذهب لـ"الرسالة"، شاكرا صنيع الصحيفة في ما تسلطه من ضوء على إنجازات المواطن الغزي منذ عشرات العقود.