التلميذ هنية يؤبن معلِّمه شمعة

الرسالة نت – أحمد الكومي

كان المعلّم النحوي الشيخ "الفراء" يُعلّم ولدَيْ الخليفة العباسي المأمون علوم العربية، وذات يوم أراد أن ينهض من درسه، فتسابق الأميران إلى حذائه ليقدِّماه إليه وتنازعا على ذلك لحظة، ثم اتفقا على أن يحمل كل منهما من الحذاء واحدة.

العلاقة بين المعلم والتلميذ في صدر الإسلام كانت قائمة على الحب والوفاء والتكريم والتوقير، فالمعلم والد يؤدب بالحسنى، ويهذِّب بالحكمة، والمثل يُضرب في هذا المقام على رئيس الوزراء الفلسطيني إسماعيل هنية، التلميذ والابن المطيع لشيخه الغني عن التعريف "محمد حسن شمعة" –أبو الحسن- الذي وافته المنية صبيحة يوم الجمعة 10-6-2011، بعد معاناة مريرة مع المرض.

وكان هنية قد تلقى تعليمه على يد عدد من المشايخ والعلماء، يتقدمهم الشيخ شمعة، في مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة، منذ الانطلاقة الأولى لحركة المقاومة الإسلامية حماس، الجناح العسكري لجماعة الإخوان المسلمين، بعد أن هاجر –شمعة- من المجدل واستقر به الحال في الشاطئ حيث أمضى جل حياته، أكسب هنية فرصة مصاحبة جزءا أصيلا من النواة الأولى لحماس، وعقلاً مفكراً يزخر بالعلم والدعوة.

ولأن الله حبا المعلّم بتكريمٍ منه، لم يحظ به أحد من خلقه، كان لزاماً على التلميذ هنية أن يكرم من علمه حرفاً، ولابد من كلمة إنصاف في وفاة معلمه أبو الحسن.

على نهجه نسير

في المسجد المجاور لمنزل رئيس الوزراء -مسجد الشاطئ الكبير-، سارعت حركة حماس في منطقة الشاطئ الغربي للدعوة إلى حفل تأبين المؤسس شمعة عقب صلاة العشاء من يوم الجمعة 15-7-2011، بحضور هنية وعدد من قيادات حماس وجمع غفير من أهالي المنطقة، وبتشريف من عائلة المرحوم.

وافتتح الحفل بكلمة لحركة حماس في المنطقة ألقاها القيادي أبو عماد بارود، أثنى فيها على الشيخ شمعة، وسرد إنجازات الفقيد في سبيل دعم العلم والمتعلمين.

وقال إن سيرة أبو الحسن الحافلة بالعلم والعطاء والبلاء تبرز علو هدفه ومنهجه ووعيه برسالته وموقفه، ووقف بارود على أبرز صفات الفقيد، منها: التواضع، والزهد في الدنيا، ومساعدة الفقراء والمحتاجين من طلبة العلم، وحب العمل والتفاني فيه، والتسامح، وتقدير أهل العلم والعلماء.

أما وليد شمعة أبن الفقيد المربي، فتطرق إلى جهود والده في العمل الخيري، وجهوده أيضاً في تأصيل الحياة الإسلامية داخل أسرته، رغم انشغاله الكبير.

وقال: "إن والدي كان يحرص على خدمة أهله، وأبناء مجتمعه، على حساب حياته الخاصة"، مشيراً في الوقت ذاته إلى عدم مبالاة والده بالمناصب والمراكز الاجتماعية، رغم قدرته على الوصول إليها.

غُرة المؤسسين

وبعدما استمع الحضور لكلمات الضيوف واستأنسوا بها، كونها تتحدث عن رجل أوقف حياته لله عزوجل، جاء دور من تتلمذ على يديه وحاز من علمه وصبره الكثير، "إسماعيل عبد السلام هنية -أبو العبد-" القائد الكبير في حماس، ورئيس الحكومة الفلسطينية.

هنية افتتح حديثه بالثناء على المؤسس شمعة، وسرد تفاصيل حياته وقت أن كان أميراً لمسجد الشاطئ الكبير -حيث ترعرع ونشأ أبو العبد-، وبعدما انتقل إلى المسجد الأبيض -غرب غزة- ليتولى قيادة الدفة هناك دعوياً وجهادياً.

وقال: "نفتخر بأننا ننتمي لمدرسة شمعة، حيث تربينا وتتلمذنا على يديه، ونحن نشهد أن عبادته وحياته وموته كانت في سبيل الله".

وأضاف هنية: "معلمي شمعة كان من أوائل من غرسوا بذور الدعوة في فلسطين، وكان يتقدم الصفوف الأولى في الدفاع عن القضية الفلسطينية من مشاريع التصفية الصهيونية والغربية من خلفها، علاوة على أنه من السبعة المؤسسين لحركة أثقلت كاهل العدو وأربكت حساباته -حماس-".

وأشار إلى أن أبو الحسن كان يبحث دائماً في شؤون الناس والدعوة والحكومة، مستدركاً: "حتى في الأيام الأخيرة من حياته، وفي أيام مرضه، وُجِد في ثوبه أوراقاً تتعلق بحاجات الناس وهمومهم".

وعن المواقف الفاصلة في حياة هنية وعلاقته الوطيدة بالشيخ شمعة، ذكر أبو العبد بأن القائد شمعة أوكل إليه في الثمانينات قيادة الجهاز الأمني، وكلّفه بتزويده بالتقارير الشهرية عن الأمن في المنطقة.

وعن تنقلاته وتحركاته الأمنية، تحدث هنية عن موقف شهده للقائد المؤسس شمعة، وقال: "ذهب -رحمه الله- إلى دمشق سراً، واجتمع بالقيادة السورية هناك، وعرض بأن يتوسط مبعدو مرج الزهور بين الاخوان والنظام السوري في وقت شابت فيه العلاقات بين الطرفين".

وتوج الحفل بدعوة رئيس الوزراء الباحثين والعلماء في قطاع غزة، إلى دراسة حياة ومنهجية الشيخ شمعة وإصدار الكتب والتوصيات لطلبة العلم في المدارس والجامعات، وثمن جهد وزارة الشباب والرياضة التي أطلقت المسابقة البحثية "شمعة في دروب الدعوة والجهاد"، مطالباً بتكثيف الجهود لترسيخ اسم المؤسس شمعة في ربوع الوطن.

البث المباشر