قائمة الموقع

مقال: ‏مزاعم اليهود عن "أملاكهم" العربية

2011-07-19T16:50:00+03:00

محمد خليفة

استُحدثت دائرة جديدة في وزارة شؤون المتقاعدين "الإسرائيلية" أخيرا من أجل البحث عن أملاك اليهود الذين هاجروا من الدول العربية إلى "إسرائيل" واستعادتها، وتستعد هذه الدائرة الجديدة لتقديم دعاوى قضائية لاستعادة الأملاك في الدول العربية بالطريقة نفسها التي استعاد بها الكثيرون من اليهود الذين هاجروا من أوروبا إلى "إسرائيل" في أعقاب ما يسمى المحرقة أملاكهم. وذلك عقب إقرار الكنيست في أواخر فبراير 2010 قانونا ينص على اعتبار اليهود القادمين من الدول العربية "لاجئين" للمطالبة بحقوق وتعويضات لهم.

وأوردت صحيفة "يديعوت أحرونوت" في عددها الصادر بتاريخ 21 يوليو/تموز 2010 أن عدد اليهود الذين هاجروا من الدول العربية إلى "إسرائيل" بعد قيامها يبلغ اليوم مليون يهودي، "والذين فقدوا أملاكا تصل قيمتها إلى عشرات المليارات من الدولارات، ومن بين هذه الأملاك أراضٍ وبيوت وشركات ومصانع".

لقد كانت الحضارة العربية الإسلامية نموذجا في التسامح والتفاهم مع اليهود، وهو ما تحاول الصهيونية أن تخفيه من أجل أطماعها في الأرض العربية، مدعية أن اليهود كانوا مضطهدين في البلدان العربية؛ إذ عاش اليهود بأمن وسلام مع العرب، وظهر من بينهم مفكرون وعلماء وشعراء أثروا التاريخ الإنساني، وكانوا جزءا لا يتجزأ من تاريخ البلدان العربية التي عاشوا فيها، ولم يكن لهم كيان منعزل عن مجتمعاتهم أو بمعزل عن الأنشطة بكل أنواعها، بل كانوا جزءا من نسيجها شأنهم شأن بقية الطوائف الدينية الأخرى، وظلوا يعيشون جنبا إلى جنب مع العرب المسلمين إلى أن ظهرت المؤامرة الكبرى في بداية القرن العشرين المتمثلة في وعد بلفور عام 1917 القاضي بإعطاء وطن قومي لليهود في فلسطين، ومنذ ذلك الحين بدأ العداء بين العرب واليهود الذي بلغ ذروته باغتصاب فلسطين عام 1948 وإنشاء الكيان الصهيوني.

لقد قابل اليهود إحسان العرب والمسلمين لهم بالإساءة وما زالوا إلى الآن مصرين على باطلهم ومستمرين في المطالبة بـ"أرض إسرائيل التاريخية" الممتدة من الفرات إلى النيل، مدعين أن تلك المناطق كانت ضمن مملكة داود ومن بعده ابنه سليمان، ولا يمكن التأكد من صحة هذه الرواية التي تشابه الأساطير الأخرى في كتاب التوراة، ويطالبون كذلك بأرض الحجاز غربي السعودية ويستندون إلى هجرة قبائل من اليهود إلى شبه الجزيرة العربية بعد دمار أورشليم على يد الملك البابلي نبوخذ نصر عام 586 ق.م واستيطانها خيبر، وتوجه بعضها جنوبا إلى يثرب، وجلائهم عن المدينة ورحيلهم إلى خيبر في عهد النبي محمد عليه الصلاة والسلام، وجلائهم عن خيبر نحو الشام في عهد الخليفة عمر بن الخطاب، وبعد ذلك خلت الحجاز منهم.

وقد كتب عدد من الرحالة الأوروبيين عن يهود البلدان العربية، ومن بينهم الرحالة جان تنود الذي زار مصر في عام 1512 وقدر عددهم بعشرة آلاف نسمة، وتمثل وثائق "الجنيزا" التي اكتشفت في مصر نهايات القرن التاسع عشر مصدرا رئيسا للتعرف على تاريخ يهود البلدان العربية من العصر الفاطمي حتى نهايات العصر العثماني.

وفي نهاية القرن الـ19 وبداية القرن الـ20 شهدت مصر تدفقا في أعداد المهاجرين، مما جعل العدد الإجمالي ليهود مصر يصل إلى 75000 نسمة في عام 1948، ولكن معظمهم هاجر في السنوات اللاحقة إلى "إسرائيل" والبرازيل وفرنسا والولايات المتحدة والأرجنتين.

وكان اليهود يحرصون على الإقامة في المدن العربية الأخرى التي تتمركز فيها الجهات الإدارية والحكومية والأنشطة الاقتصادية، فقد شهد النصف الأول من القرن الـ20 نموا ملحوظا في أعداد اليهود القاطنين في بغداد والبصرة، وبلغ تعداد يهود العراق 87000 نسمة في عام 1920، و150.000 نسمة في عام 1948، وفي عام 1950 سُمح لهم بالهجرة إلى "إسرائيل" مقابل التخلي عن جنسيتهم العراقية.

أما في لبنان فقد بلغ عددهم 24000 نسمة في عام 1948 وازداد بعد ذلك عددهم لسبب تدفق اللاجئين من يهود العراق وسوريا غير أنه عقب حرب 1967 هاجر معظمهم إلى الولايات المتحدة وفرنسا و"إسرائيل".

وفي سوريا كان يقدر عددهم بـ30000 نسمة في عام 1948، وغادر معظمهم إلى الولايات المتحدة و"إسرائيل".

وفي اليمن كان عددهم 63000 نسمة في عام 1948، ونقلت الحكومة "الإسرائيلية" 44000 منهم واستمرت هجرتهم إلى عام 1962 حينما اندلعت الحرب الأهلية.

وفي البحرين كان عددهم 600 نسمة في عام 1948 ومعظمهم غادروا إلى بريطانيا وأمريكا.

ومعظم يهود الجزائر غادروا عقب الاستقلال في عام 1962، ويقدر عددهم بـ140000 نسمة، وكانوا يحملون الجنسية الفرنسية منذ عام 1870 وغالبيتهم اتجهت إلى فرنسا والبقية إلى "إسرائيل".

وفي ليبيا كان يقدر عددهم بـ40000 نسمة في عام 1948، وما بين 1948-1951 هاجر 30000 منهم إلى "إسرائيل" والبقية إلى إيطاليا.

وفي تونس كان يقدر عددهم بـ105000 نسمة في عام 1948، وعقب الاستقلال في عام 1956 غادر نصفهم إلى فرنسا والآخر إلى "إسرائيل".

وفي المغرب غادر 18000 يهودي إلى "إسرائيل" في عام 1949، وفي السنوات اللاحقة غادر أكثر من 70000 يهودي، وبحلول عام 1967 بقي حوالي 50000 يهودي.

إن كل ملامح الثقافات والحضارات برهنت بالدليل القاطع على أن اليهود قد حظوا في ظل الحضارة العربية الإسلامية بما لم يتمتعوا به في أي مرحلة تاريخية أخرى أو أي بقعة جغرافية خارج حدود الثقافة العربية، ولم يشهد تاريخ شعب ما ما شهده التاريخ العربي الإسلامي من تسامح مع الأقليات الدينية التي كانت تعيش بين العرب والمسلمين، وقد تركت لليهود في البلاد العربية حرية الحكم في ما بينهم من دون أي تدخل من العرب، وكان يحق لهم أن يوقفوا ما يشاؤون من الأموال وأن يستغلوها، وكذلك أداء شعائرهم الدينية بحرية في معابدهم الخاصة بهم.

نتمنى أن تأخذ هذه القضية الحساسة حقها من الطرح والبحث والقراءة عبر السياسيين والباحثين والدارسين حتى يتضح كل ما يرتبط بالمزاعم "الإسرائيلية" المتتالية عن حقوق اليهود في البلدان العربية من دون الحديث عن الحقوق التي اغتصبوها، وما زالوا يغتصبونها تحت مختلف الذرائع والحجج الواهية؛ وحتى لا تنعكس على مجريات الصراع العربي الصهيوني، واستنفار القوى العربية كافة برؤية قومية تميز بين الثابت في قضية الحقوق الفلسطينية والمتغير الذي تحكمه المعطيات السياسية الراهنة، والذي لا يجوز أن يقترب بأي حال من الأحوال من الحقوق التاريخية الأساسية في الصراع.

 

اخبار ذات صلة