بيت لاهيا / ديانا طبيل
يمكن القول أن سكان منطقة " السيفا" غربي بيت لاهيا يعيشون في عالم موازى لازال يقبع في القرون الوسطى فلا كهرباء ،ولا شبكات مياه ، ولا وسيلة موصلات ولا مركز صحي .
نمط حياتهم مختلف كلياً فما أن يخيم الظلام على المنطقة في الساعة الخامسة تماماً حتى يسارع السكان إلى دخول بيوتهم وإغلاق أبوابها ، والامتناع عن مغادرتها إلا لظرف قاهرة ، فمغادرة باب المنزل تعنى مغامرة من النوع الثقيل قد تجنى ويلاً للعائلة برمتها ، لذا يفضل أفراد هذه الأسرة قضاء سهرتهم الليلة في ساحة منازلهم المطلة على مزارعهم ، متوجسين من احتمالات خطر قد يداهمهم، سواء من جراء توغل ليلي للقوات الخاصة أو إطلاق للنار من البحر غرباً أو من مواقع الاحتلال شمالاً .
الزينكو والقش
المواطن جمال أبو الغديين " 55 عاما" يقول لـ" الرسالة " إن الظروف في منطقة السيفا تختلف عنها في باقي المناطق، فالنهار هادئ يخلو من صخب الحياة وتفاصيل الحياة اليومية مختلفة عن حياة المدن ، أما الليل يحمل مخاطر كبيرة لا يستطيع الإنسان العادي توقع تطوراتها ، لذا ما أن تحل ساعات المساء حتى نلزم بيوتنا ولا نخرج إلا لأمور خارجة عن إرادتنا .
وأوضح أن قرب منزله من الجدار الحدودي بمسافة لا تزيد عن كيلومتر وسط المزارع يجعله في مواجهة مباشرة مع أي عدوان إسرائيلي، وفي الوقت نفسه تتزايد احتمالات إصابة منزله بأعيرة نارية من الزوارق الحربية، عند مهاجمتها قوارب الصيادين .
ويضيف أبو الغديين الذي يسكن وأسرته في تلك المنطقة منذ عشرات السنين إنه لم يفكر ولو لمرة واحدة بمغادرتها، رغم هذه التهديدات، فلديه أرض يزرعها ويعتاش منها، ولا مكان له سوى هذا المنزل المصنوع من الزينكو والقش .
في حين يقول جاره أبو محمد ذهب " 44 عاما " انه إضافة إلى المعاناة التي نحياها من قرب بيوتنا لخطوط التماس مع العدو مما يعرض حياتنا وحياة أطفالنا للخطر في أية لحظة ، إلا أن هناك معاناة أخرى نعيشها ، إذا تعتبر هذه المناطق مهمشة من الخدمات البلدية ، مستعرضاً أشكال النقص في استحقاقات الحياة الكريمة ، فلا كهرباء، ولا شبكات للصرف الصحي، ولا عيادات صحية أو حتى وسائل مواصلات عصرية تربط المنطقة بسواها من المناطق المجاورة .
منعزلون عن العالم
ويتابع قائلاً : عند تعرض أحدنا لمكروه فأنه سيضطر للسير لأكثر من ساعة تقريباً حتى يجد سيارة تقله إلى المستشفى ، مما يضطرنا في اغلب الأحيان استخدام عربة كارو تجرها الدواب ، مطالباً الجهات المعنية بمحاولة تحسين ظروفهم الحياتية .
بينما تقول أم جمعة علوان " 40 عاما " أن معاناة المواطنين في الحياة بمنطقة "السيفا" لا تقتصر على أزمة المواصلات والنقص في الخدمات الطبية، بل تتمثل بالخوف والقلق الذي يساورهم كلما سمعوا صوت تحركات للآليات الإسرائيلية أو لاحظوا حركة نشطة للزوارق في مياه البحر.
و أضافت بعد الحرب زادت معاناتنا خصوصاً أن الاحتلال دمر بعض شبكات المياه التي نستخدمها في ري محاصيلنا الزراعية أو إيصال المياه إلى بيوتنا، مؤكدة أن الظروف الأمنية لا تسمح لنا بالتنقل بعد صلاة المغرب ، بسبب توقعات بدخول قوات خاصة إسرائيلية إلى المكان، ما يفاقم شعورنا بالخوف والقلق، خصوصاً إذا احتاج الأطفال للعلاج .
وتتابع عندما نشاهد حياة اهالى منطقة بيت لاهيا أو جباليا نشعر وكأننا نعيش في مكان منعزل عن العالم، ونواجه مصاعب كبيرة في التنقل والحصول على الخدمات الصحية والخدمات التي تضمن لنا حياة كريمة، مشيرة إلى أن شاطئ البحر أصبح منطقة محرمة على أطفالنا، حيث يتعرضون لإطلاق النار، فقد حذرت سلطات الاحتلال قبل فترة من وصول السكان إلى الشاطئ .
ضنك العيش
في حين يرى أبو قاسم أبو درابى " 39 عاما " : أن التشابه الوحيد بين سكان المنطقة وسكان المناطق الأخرى أننا نحيى مثلهم ضنك العيش والفقر فالغالبية العظمى من سكان المنطقة والبالغ عددهم قرابة المائة عائلة ويعيشون في أماكن متفرقة يعتمدون على الزراعة أو جمع الحطب وتجارة المنتجات الزراعية كمصدر للدخل .
ويتابع : المنطقة تفتقر لوجود أي مركز صحي لتقديم خدمات الرعاية الأولية، ما يضطرنا إلى حمل أبنائنا المرضى والتوجه بهم إلى أقرب عيادة في منطقة بيت لاهيا أو معسكر جباليا للاجئين، وهي بعيدة نسبياً عنا، مؤكداً حاجتهم لإقامة عيادات مؤقتة، أو على الأقل تنفيذ أيام عمل طبية مجانية يتلقون من خلالها خدمات الكشف والعلاج المجاني، فهذه الحملات أصبحت ضرورة ملحة بعد ما تعرضت له المناطق الحدودية من مواد سامة جراء الحرب على القطاع ، مطالباً مؤسسات المجتمع الاهلى والتي تعمل على دعم وتطوير المناطق المهشمة وضع منطقة "السيفا" على رأس أولوياتها .