صالح النعامي
بصورة لافتة تتطور العلاقات الصينية (الإسرائيلية) بسرعة فائقة وعلى كل المستويات، فمنتصف هذا الأسبوع وصل (تل أبيب) الجنرال تشين بينج ده رئيس أركان الجيش الصينى فى زيارة تهدف إلى إجراء مباحثات بشأن حصول الجيش الصيني على تقنيات عسكرية متطورة من انتاج الصناعات العسكرية (الإسرائيلية). وقد لوحظ خلال العامين الماضيين كثافة الزيارة المتبادلة التي يقوم بها القادة العسكريون في كل من الصين و(إسرائيل) لكل من بكين و(تل أبيب).
ففي مايو الماضي زار الأدميرال وو شنغلى قائد القوات البحرية الصينية إلى (إسرائيل) والتقى بوزير الحرب (الإسرائيلى) إيهود بارك ونظيره (الإسرائيلى) إليعازر موران ، وفى عام 2010 قام عدد من جنرالات الجيش (الإسرائيلى) بزيارة بكين، بمن فيهم رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية السابق عاموس يادلين. كما كان الزعماء السياسيون يواظبون على زيارات متبادلة تعكس الدفء الكبير الذي تعيشه العلاقات بين الجانبين.
ففي عام 2000 قام الرئيس الصيني بزيارة تاريخية لـ(إسرائيل)، وفي عام 2007 زار رئيس الوزراء (الإسرائيلي) السابق إيهود أولمرت بكين، حيث تم خلال الزيارة إبرام العديد من الاتفاقيات العسكرية
** عطش الصين للتكنولوجيا (الإسرائيلية)
تستغل (إسرائيل) جيداً وبحذاقة كل الفرص التي يمنحها إياها تفوقها الكبير في مجال التقنيات العسكرية، وهو التفوق الذي جعل الكثير من الدول ترغب في تكريس أواصر التعاون معها، بحيث تقوم العلاقة على أساس حصول هذه الدول على التقنيات (الإسرائيلية)، مقابل جملة من الالتزامات، وذلك حسب إمكانيات هذه الدولة.
فهذه الدول مطالبة بتقديم دعم لـ(تل أبيب) في المحافل الدولية، وعليها الالتزام بالتعاون الأمني والاستخباري مع الجيش والمخابرات (الإسرائيلية). فرئيس أركان الجيش الصيني قدم لـ(إسرائيل) للطلب من (تل أبيب) الموافقة على تركيب تقنيات قاذفة للصواريخ على متن حاملة الطائرات الصينية الجديدة التى طورتها بكين مؤخرا بعد شرائها من أوكرانيا، حتى تكتمل منظومة الصين الدفاعية.
في نفس الوقت، فقد قامت (إسرائيل) بتزويد الصين بمنظومات متعددة من طائرات الاستطلاع بدون طيار. وعلى الرغم من أن (إسرائيل) ملتزمة بعدم تزويد أية دولة أخرى بتقنيات استوردتها من الولايات المتحدة قبل الرجوع للإدارة الأمريكية، إلا أن تل أبيب خاطرت عام 2002 بتأزيم العلاقات مع واشنطن، وزودت الصين بطائرات "فالتون" التي قامت على تقنيات عسكرية أمريكية.
وقد غضبت واشنطن غضباً شديداً في ذلك الوقت، كون الإدارات الأمريكية فرضت قيوداً على تزويد بكين بالتقنيات العسكرية، بسبب تهديدها المتكرر لتايوان، التي تعتبر أحد أوثق حلفاء واشنطن في جنوب شرق آسيا.
وعلى الرغم من عمق العلاقات بين واشنطن وتل أبيب، إلا بعد أن الغضب الأمريكي لم يهدأ، إلا بعد أن تمت التضحية بعدد من كبار الموظفين في وزارة الدفاع (الإسرائيلية).
وفى يونيو الماضى تبوأت الصناعات الجوية (الإسرائيلية) مرحلة جديدة من التنافس، وقدمت (إسرائيل) عرض مناقصة لبناء مصنع فى الصين لتصنيع الطائرات النفاثة بالتعاون مع شركة تصنيع الطائرات فى الصين ، وفى حال فازت (إسرائيل) بالمناقصة فستكون صفقة القرن، وستوصف بأنها أكبر صفقة لتصنيع الطائرات (الإسرائيلية) فى الصين.
** المقابل الصيني المنتظر
تأمل (إسرائيل) أن تؤدي علاقاتها المتعمقة مع الصين إلى تحسين مكانتها الدولية بعدما تضررت كثيراً في أعقاب الحرب على غزة وصدور تقرير غولدستون. وتعي (تل أبيب) أن هناك طاقة كامنة وهائلة في العلاقة مع الصين، كونها، إحدى الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، وبسبب نفوذها المتعاظم في معظم قارات العالم، إلى جانب الطاقة الكامنة في التبادل التجاري معها بسبب ازدهارها الهائل في المجال الاقتصادي.
وتأمل (إسرائيل) أن تلعب الصين دوراً "إيجابياً" في صد الجهود الفلسطينية الهادفة للحصول على اعتراف الأمم المتحدة بدولة فلسطين في أيلول القادم، فالهدف ليس أن تقوم الصين بالتصويت ضد الطلب الفلسطيني، بل استغلال نفوذها لإقناع المزيد من الدول لإحباط التحرك الفلسطيني. وتأمل (تل أبيب) تحقيق عوائد استراتيجية لا تقل أهمية، لاسيما وقف تزويد الصين لإيران بتقنيات لانتاج الصواريخ، إلى جانب محاولة اقناع بكين بتزويد (تل أبيب) بمعلومات استخبارية عن منظومات الصواريخ في إيران، بسبب العلاقة القوية التي تربط الصين بإيران. وتكتسب المعلومات الاستخبارية التي يمكن أن تزودها الصين لـ(إسرائيل) أهمية قصوى، كون أنه على أساس هذه المعلومات تبني (إسرائيل) صورة أكثر دقة حول إمكانيات إيران العسكرية، وذلك قبل أن تقرر (تل أبيب) طبيعة السلوك الذي تنتهجه للقضاء على البرنامج النووي الإيراني.
** اعتبارات استراتيجية
تفترض (إسرائيل) إن المحرك الأساس لسياسة الصين الخارجية هو ضمان تواصل إمدادات النفط إليها، واستقرار المناطق التي تنتجه. وبالنسبة لصناع القرار في بكين، فقد كانت سوريا هي بوابة حوض البحر الأبيض المتوسط وأوروبا، لكن ما تشهده سوريا من أحداث قد يدفع الصينيين للتحول عن سوريا والانتقال إلى (إسرائيل) لتقوم بنفس الدور.
من هنا فإن (الإسرائيليين) يراهنون على أن حاجة الصين الماسة في شرق اوسط مستقر لضمان حماية مصادر الطاقة، سيجعلهم يتجهون لتعزيز العلاقات مع (تل أبيب)، حتى تصل في النهاية إلى مرحلة التعاون الإستراتيجي وربما التحالف أيضا.
وبالنسبة لـلـ(إسرائيليين) فإنهم يرون أن استمرار حالة الضعف في مكانة الولايات المتحدة الأميركية كزعيمة للعالم وتراجع قدرتها كقوة عظمى بالإضافة إلى تدهور شعبيتها في الشرق الأوسط خاصة بعد غزو العراق يجعل (تل أبيب) مضطرة للبحث عن حلفاء أقوياء جدد.
ويرى (الإسرائيليون) أن التفوق العسكري الأميركي على الصين لا يمكن ضمانه للأبد.