قائمة الموقع

في دار الشفاء.. أشلاء ودماء وأجساد متفحمة

2011-08-21T14:58:58+03:00

غزة - مها شهوان

"وينك يمّا تعالي شوفيني".. نطق أحد الجرحى الذين وصلوا قسم الاستقبال بمستشفى الشفاء بهذه الكلمات.. أعطى إشارة بأنه ما زال على قيد الحياة, فللوهلة الأولى ظن الأطباء أن الشاب انضم للذين قضوا نحبهم لسبب الحروق التي امتدت في أنحاء جسده وشوهت أطرافه ومحت ملامح وجهه.

ذلك الشاب تعرف عليه الأطباء بعد ساعات من مجيء ذويه حتى نقل إلى العناية المركزة وبترت أطرافه إضافة إلى حاجته لعمليات جراحية تعيد لو شيئا قليلا من ملامحه.

المشهد السابق ليس وحده من مر على "ملائكة الرحمة" في دار الشفاء بغزة, فهؤلاء الأطباء اعتادوا على رؤية تلك المشاهد كلما ازدادت وتيرة التصعيد الذي يشنه الاحتلال على القطاع.

صدمة طبيب كندي

المشهد الذي رصدته "الرسالة نت" في قسم استقبال الشفاء يتكرر مع كل عدوان إسرائيلي على القطاع, فأشلاء الشهداء ملقاة على الأرض تنتظر دورها لأخذ سرير كان يرقد عليه مصاب أو شهيد، والأهالي بدورهم جاؤوا يقلبون الوجوه لعلهم يتعرفون على أبنائهم.

وأثناء انهماك الأطباء في معالجة المصابين وتضميد جراحهم كانت الفاجعة حينما جاء زميلهم  د. منذر قريقع على حمالة الإسعاف أشلاء ممزقة ومشوه الملامح بفعل قذيفة أخفت معالم وجهه، ولم يتعرفوا عليه إلا بعد ربع ساعة من وصوله.

لم يحتمل زملاء قريقع المشهد الذي جاء فيه حتى أجهشوا بكاءً ولاسيما من صافحه ومازحه قبيل استشهاده بربع ساعة.

ولعل الصورة التي ما زالت مطبوعة في أذهان مشاهدي الفضائيات والمواقع الإلكترونية هي لقطة للطفل إسلام قريقع الذي وصل للمستشفى بجسد متفحم ومتيبس.. ذلك المشهد أبكى بعض الأطباء وصدم الطبيب حسام الذي جاء من كندا في زيارة قصيرة للقطاع حيث شاء القدر أن  يشارك زملاءه بدار الشفاء في إسعاف الجرحى وعلاجهم.

وعلق الطبيب حسام على ما شاهده بالقول: "لن أنسى تلك المشاهد البشعة التي صدمت برؤيتها، وسأنقل بشاعتها لزملائي في كندا"، مضيفا: "في المدينة التي أعمل فيها أرى كل عامين حالة واحدة مشوهة نتيجة انفجار أنبوبة غاز وليس صاروخا.. ما يحدث في غزة خطير".

الثكلى والأرامل

وأمام ثلاجة الموتى تجمهرت الحشود متسابقة في حمل الشهداء والشرار يقدح من أعينهم, فجميعهم بات يتوعد الاحتلال ويهدده بمواصلة درب الشهداء, وذلك بالهتافات التي رددوها.

الصورة الحية عند الثلاجة التي يرقد فيها الشهداء كانت مأساوية, فصرخات الثكلى والأرامل تدمي القلوب.. أم اتشحت بالسواد وباتت تردد والدموع تتسابق إلى وجنتيها: "وين روحت وتركتني يما"، وزوج أخرى تحاول حبس أنفاسها لكن فراق زوجها جعلها تتنهد بصوت عال محتضنة أطفالها الثلاثة لتهدئ من روعهم.

التقت "الرسالة نت " أثناء جولتها في مستشفى الشفاء د. أيمن السحباني -مدير الإسعاف والطوارئ- الذي ذكر أن الإصابات التي وقعت جراء الهجمة العدوانية الأخيرة كانت خطيرة وأدت إلى بتر الأجزاء العلوية من الشهداء، "بالإضافة إلى اختفاء معالم الوجه من شدة الحروق".

وأشار إلى وصول حالات كثيرة من الشهداء كانت أمعاؤهم خارج بطونهم, "وجماجمهم مكسورة وبقايا شعر في رؤوسهم"، موضحا أنه ومن بشاعة المشاهد سمحوا للصحافيين بالتصوير لنقل الصور للعالم كي يرى عنجهية الاحتلال.

وقال السحباني: "مع كل عدوان إسرائيلي جديد نلاحظ أن الإصابات أكثر خطورة ولاسيما جراء استخدام أسلحة سامة وبالغة الخطورة ضد أبناء القطاع"، مضيفا: "من شدة بشاعة المشاهد تبقى صور الجرحى والشهداء عالقة في ذاكرتنا وتؤثر على حياتنا الشخصية"، ولفت إلى أن وزارة الصحة أعلنت حالة الطوارئ؛ "الأمر الذي سيدفع الطواقم الطبية للعمل على مدار الساعة، والأطباء على أهبة الاستعداد للعمل ليل نهار"، منوها إلى وجود نقص شديد في الأطباء؛ "كون أن بعضا منهم خارج القطاع يأخذ دورات وآخرون ذهبوا لحضور مؤتمر علمي".

وعن تلقيه نبأ استشهاد زميله د. منذر قريقع سكت قليلا قبل الحديث عنه ثم أكمل: "فقدنا زميلا عزيزا على قلوبنا من خيرة الأطباء، ونعتمد عليه في قسم العناية المركزة كونه متخصصا بمداواة الحالات الصعبة"، متابعا: "بكيناه لكننا تماسكنا من أجل علاج الجرحى".

يذكر أن عدد حالات الجرحى التي وصلت إلى مستشفى الشفاء منذ التصعيد الصهيوني بلغت 50 إصابة بالإضافة إلى خمسة شهداء من أصل 15 شهيدا موزعين على أنحاء القطاع.

ومع تمادي الجيش الإسرائيلي في إطلاقه للصواريخ ضد مدنيي القطاع يبقى موظفوه قسم الاستقبال بدار الشفاء يعملون كخلية النحل من أجل حماية أرواح أقسموا اليمين لإنقاذها.

 

اخبار ذات صلة
فِي حُبِّ الشَّهِيدْ
2018-04-21T06:25:08+03:00