الرسالة نت - أمل حبيب

عندما يطبق الفقر على أنفاس من حوله تصبح الصورة قاسية لأبعد الحدود وملامحها متداخلة من شدة المأساة.. أبو آلاء يعيش مع أسرته المكونة من ستة أفراد في غرفة واحدة أشبه بزنزانة العزل الانفرادي ولا تتوفر فيها أدنى مقومات الحياة الكريمة!!..

"نفسي بالهوا والشمس أكثر ما نفسي بالدار".. هي كلمات نطق بها وجع أبو آلاء من داخل بيته المكون من غرفة وحمام ومطبخ في مخيم جباليا.

الغرفة هي كل شيء بالنسبة للعائلة؛ فهي للنوم والمعيشة.. فيها باب صغير يؤدي إلى مطبخ وحمام مشترك مساحته متر واحد.. تتصارع أدوات الطعام مع ذباب المرحاض في معركة البقاء.

ومن خلف نظارته الطبية السميكة أخفى أبو آلاء عينيه المثقلتين بالدموع وهو يصف معاناته قائلا: "بتمنى يكون عندي حمام ومكان يلعبوا فيه بناتي"..

أما زوجه فتحلم بأن تشتري لبناتها ملابس العيد الجديدة: "أعتقد أنه أبسط شيء ممكن أن تقدمه الأم لأطفالها في مناسبة تأتي مرتين في السنة".

وفي النهار تتسلل بعض خيوط الشمس عبر نافذة علوية ذات فتحات ضيقة تشعر ساكني الغرفة بالحياة, ولكن إذا حل المساء -خصوصا في حال انقطاع التيار الكهربائي- يصبح الوضع مأساويا، وتصفه العائلة بالقبر, فيهرب أبو آلاء وأسرته إلى الشارع لعلهم يجدون نسمات هواء تلطف، ولكن زقاق المخيم لا يرسل إلا نسمات بطعم اللجوء والحرمان.

تتقاسم الأسرة النوم على أربع فرشات، وتتقاسم أيضا مروحة واحدة يلتفون حولها لتلطف حرارة المكان التي تبخها ألواح الإسبست الملتهبة, ويعاني أبو آلاء من صعوبة بالغة عند اجتياز النائمين ليلا لقضاء حاجته, موضحا أنه وفي الكثير من الأحيان يدهس عليهم لعتمة المكان وضيقه.

ما يزيد من وضع العائلة المأساوي أنه لا يوجد دخل لهم، وخصوصا أن أبا آلاء يعاني من أزمة صدرية وضعف في نظره لا يمكنانه من العمل المعدوم أصلا, ويقول: "كنت بشتغل خياط بس ما في شغل، وعيوني واجعاني".

لا تستطيع بنات أبي آلاء أن تطرن بأحلامهم خارج نطاق الغرفة، فأبناء الجيران ينتظرونهم بالمرصاد وفق قول الطفلة نورة 4 سنوات: "نفسي بدار حلوة وواسعة عشان نلعب فيها (...) احنا شوبانيين هنا ولما نطلع بالشارع بغلبونا الأولاد وهم بلعبوا".

تتمنى أم البنات أن يصبح لديها ثلاجة وفراش ومكان واسع, وتبقى أحلامها هي وصغيراتها قيد التنفيذ حتى يحن قلب قارئ القصة أو يرسل الله أصحاب قلب رحيم ليخفف على الأسرة المنكوبة ضيق حالهم.