القاهرة - الرسالة نت
على بعد ٢٠٠ متر من الحدود "الإسرائيلية" وفوق تبة عالية، جلست أم ياسر ترقب حدود العدو، تترقرق عينيها بدموع متحجرة لا تقدر على منعها أو إسقاطها، من خلف برقع بدوى يكشف جزءاً من عينيها، تنظر الأم الملتاعة لفراق ولدها الوحيد إلى الأسلاك الشائكة بحسرة وتقول : "ابنى محبوس هناك ولا أستطيع أن أصل إليه، أو أطمئن عليه".
وتضيف بلهجتها البدوية :"ولدى ليس مهرب مخدرات ولا لص لكنه مقاوم ووطنى ومن أجل ذلك حبسه اليهود, ولدى لم يدخل "إسرائيل" ليعتقلوه هناك لكنه دخل أرضنا أرض فلسطين المحتلة المسجونة هي الأخرى خلف هذه الأسلاك الشائكة، كل جريمة ابنى أنه حاول إدخال السلاح لإخوته فى فلسطين المحتلة نحن وطنيون ولسنا مهربين أو لصوصاً".
منذ سبع سنوات والأم تنتظر ابنها الوحيد ياسر مرعى أبوزينة، المحبوس فى سجن "هاردين بإسرائيل"، بعد اتهامه بتهريب السلاح إلى الفلسطينيين، ثلاث سنوات كاملة عاشتها ولا تعلم أم ياسر مكان ابنها المختفى حتى جاءتها مكالمة هاتفية من غزة تخبرها أن ابنها محبوس فى السجون "الإسرائيلية" بتهمة تهريب السلاح.
أمسكت والدة السجين ياسر مرعى أبوزينة بآخر صورة أرسلها لها ابنها من السجن، وقالت:" بعدما فقدت الأمل فى أن أجد ولدى، جاءتنى مكالمة هاتفية من فلسطينى يعيش فى قطاع غزة أخبرنى أنه عائد من زيارة ابنه المعتقل فى "إسرائيل" وعلم أن ابنى معتقل هناك فى سجن "هاردين" ومحكوم عليه بالسجن ١٢سنة بتهمة تهريب السلاح، بعدها اتصل هو بى لكنى لم أستطع أن أزوره أو أطمئن عليه، هذه الأسلاك الشائكة تقف بينى وبينه".
ياسر مرعى أبوزينة، واحد من عشرات المصريين المعتقلين فى سجون "إسرائيل" ولا أحد يعلم عنهم شيئاً ولا يوجد من يهتم لأمرهم، لا من السفارة المصرية فى "تل أبيب" ولا من وزارة الخارجية المصرية.
و حسب الإحصاءات غير الرسمية تجاوزت أعداد المصريين المعتقلين في "إسرائيل" المائة فرد، آخرهم كان أربعة أطفال من البدو ألقى القبض عليهم على بعد أمتار قليلة من سلك الحدود مع الاحتلال، والمختفية دائما تحت تلال الرمال المتحركة بين الحدود, إلا أن تقريراً للمنظمة العربية لحقوق الإنسان رصد وجود ١٦٩ أسيراً عربياً فى "إسرائيل" منهم ٦٩ مصرياً.
وتبلغ أعداد السجناء الأمنيين المصريين في "إسرائيل" حوالى ٢١ سجيناً كلهم من بدو شمال سيناء، إلا واحداً فقط من القاهرة ويدعى محمد السيد، وقبض عليهم أثناء مساعدتهم المقاومة الفلسطينية داخل الأراضى المحتلة, ومعظمهم معتقلين بين سجن رامون وسجن النقب، وقد أرسلوا عدة رسائل إلى الحكومة المصرية وإلى المجلس العسكرى لإنقاذهم وإخراجهم من سجون الاحتلال عارضين على الحكومة والمجلس العسكرى إبرام صفقة تبادل بينهم وبين الجاسوس "الإسرائيلى" "إيلان جرابيل".
وتولى مهمة إرسال الرسائل للحكومة المصرية المعتقل المصرى مساعد إبراهيم البريكات المعتقل منذ ستة أعوام في "إسرائيل" كما أنه يولى مهمة التحدث باسم جميع السجناء الأمنيين المصريين فى السجون "الإسرائيلية".
وفى خطاب أرسله إلى "المصرى اليوم"، كشف عن مطالب السجناء التى أرسلوها إلى وزارة الخارجية والمجلس العسكرى ورئيس الوزراء، قائلاً :" نكتب هذه الكلمات من خلف القضبان ومن داخل زنازين الاحتلال، ورغم الألم والبعد والحرمان من كل حقوقنا كأسرى أمنيين، لأننا لسنا مهربى مخدرات أو تجار بشر، بل نحن من ذهب لدعم إخوتنا فى فلسطين التى تخاذل عن نصرتها كل الأنظمة العربية المتواطئة، الأطفال هنا تقتل والنساء تعدم والشيوخ يهانون والأنظمة تشجب وتدين لا أكثر لذا قمنا بدورنا وواجبنا وحاولنا نصرة إخوتنا حتى ألقى القبض علينا داخل فلسطين المحتلة وتصل أعدادنا إلى ١٩ أسيراً أمنياً".
ويضيف مساعد في رسالته ": الغريب أننا خلال سنوات طوال فى الأسر لم نسمع بأي مسؤول مصري يخرج للمطالبة بإطلاق سراح الأسرى المصريين من السجون "الإسرائيلية".
ويعرض الأسير المصرى مطالبه وزملائه، قائلاً :" نطالب بالإفراج الفورى عنا والسماح بإدخال ملابس لنا لأننا نعيش عالة على زملائنا الأسرى الفلسطينيين والسماح لأسرنا فى مصر بزيارتنا".
ومن سجن "كتسيعوت" بإسرائيل إلى منطقة الجورة بالقرب من الحدود "الإسرائيلية" بشمال سيناء، هنا عشرات من قصص الأمل والألم والانتظار لأبناء وأزواج وإخوة معتقلين فى سجون "إسرائيل"، كان ياسر على جهينة يجلس فى منزله البسيط بقرية الجورة حمل ياسر صورة شقيقة "براك" بعفوية قائلاً :"منذ ٢٠٠٥ وهو محبوس فى سجون "إسرائيل"، دخل هناك بحثاً عن عمل بعد أن وجد نفسه لسنوات عاطلاً بلا أى مورد رزق ينفق منه على ابنيه الاثنين، ياسر البدوي الذى لم يخرج طيلة حياته من سيناء لم يكن يعلم بإلقاء مصر القبض على جاسوس "إسرائيلى" ولكنه علم بقيام ثورة أطاحت بالرئيس، قال بنبرة حزن واضحة :" لم نكن نعلم أن الجيش "الإسرائيلى" ألقى القبض على أخى، هو سبق له أن دخل ثلاث مرات إلى هناك للعمل وعاد إلى مصر لكن فى آخر مرة جاء إلينا فلسطينى وأبلغنا أن أخى قبض عليه وحكم عليه بالسجن عشر سنوات".
وعلى مقربة من منزل "براك" يقع بيت خالد محمد جهينى، الشاب الذى لم يكمل عامه الـ٢١ بعد أمام منزله كان يجلس شقيقه عادل قال :"أخى قبض عليه هو ونسيبه أحمد يوسف زيادة أثناء قيامهما بعملية تهريب عبر الحدود مع "إسرائيل"، وهو معتقل فى سجن بئر العبد وحكم عليه بالسجن أربع سنوات فى محاكمة بدون أى محامين، واتصل بنا وطلب منا أن نرسل له ما قيمته ٣ آلاف جنيه لتوكيل محام لكننا لم نجد أى طريقة تمكننا من إرسالها له.
ومن قرية الجورة إلى نجع شبانة القريب من الحدود "الإسرائيلية"، كانت أسرة أحمد سلامة سويلم فى انتظار اتصال من السفارة المصرية فى "إسرائيل" للاطمئنان على ابنهم المعتقل فى سجون الاحتلال.
بالقرب من منزل أحمد سلامة كان يوسف سليمان على العائد للتو من السجون "الإسرائيلية" بعد اعتقال دام لعام ونصف العام خرج منها برصاصة مازلت تترك آثارها على جسده, وبمجرد أن دخل لـ٢٠٠ متر فقط إلى داخل الأراضى "الإسرائيلية" حتى انهالت عليهم الرصاصات من كل جانب وألقى القبض عليه وأخويه.