قائد الطوفان قائد الطوفان

يحتفظ بأسماء 4000 شهيد

الشاب طارق.. موسوعة شهداء في ذاكرة إنسان

غزة — وكالات

يحتفظ شاب فلسطيني في جيبه بمفتاح لقفل قديم ألصقه بخزانة مثقلة بصور الشهداء الفلسطينيين منذ مطلع انتفاضة الأقصى التي اندلعت في الثامن والعشرين من (سبتمبر) سنة 2000.

ويجسد الشاب طارق درويش (21 عاماً) من سكان مخيم المغازي (وسط قطاع غزة) نموذجاً نادراً؛ فهو يحتفظ بأسماء الشهداء وتاريخ استشهادهم والكيفية التي قضوا فيها.

ويقدر عدد الشهداء الفلسطينيين الذين سقطوا خلال انتفاضة الأقصى بأكثر من سبعة آلاف شهيد، سقط أكثر من نصفهم في قطاع غزة الذي قدم خلال الحرب الأخيرة عليه قبل نحو عام 1500 شهيد.

ويبلغ عدد أسماء الشهداء الذين يحفظ درويش أسماءهم وتفاصيل استشهادهم أكثر من أربعة آلاف شهيد فلسطيني معظمهم من قطاع غزة.

بين فترة وأخرى يتجول طارق بعينيه على آلاف الصور التي جمعها، وتنقل بين محافظات قطاع غزة بحثا عنها فأنفق جل وقته في البحث والتدوين.

على باب منزله ترقد دراجة نارية معطوبة كان اشتراها منذ شهور ليستعين بها في زيارة وحضور جنازات الشهداء والحصول على صورهم.

وأضاف: "بدأت هوايتي مع انطلاق انتفاضة الأقصى عام 2000 كنت أتتبع الأخبار ثم أذهب لحضور كل جنازات الشهداء في كل محافظات غزة ثم أخذ صورة كل شهيد وأحفظ اسمه وتاريخ استشهاده وأحيانا أحفظ الاسم من الإذاعة أو التلفزيون".

ويضطر طارق للاستعانة ببعض أصدقائه حال ارتكاب الاحتلال الإسرائيلي مجازر يسقط فيها عدد كبير من الشهداء فلا يستطيع الحصول بنفسه على كافة الصور والأسماء.

دفع طارق يده في جيبه وأخرج مفتاحا صغيرا اتجه به لخزانة قديمة أخرج منها آلاف الصور القديمة والحديثة، مضيفاً: "أول صورة كانت لشهيد يدعى ماهر عبيد استشهد 30 — 9 — 2000 فقد رتبت الصور حسب التاريخ والسنة".

ويعيش طارق برفقة أسرة مكونة من سبعة أفراد ووالدين في مخيم المغازي، وقد شاعت شهرته والتقى فئات مختلفة من المجتمع وتناولت قصته وسائل الإعلام.

ذروة الجمع عنده كانت في العملية العسكرية الإسرائيلية التي استهدفت مخيم جباليا شمال قطاع غزة التي أطلق عليها جيش الاحتلال اسم "أيام الندم" في عام 2004 التي سقط خلالها حوالي 130 شهيداً، حيث زار عقبها مخيم جباليا كثيراً ونسج علاقات مع أناس كثر هناك.

يحتفظ هاتفه الخلوي بذاكرة دسمة بها 1850 رقما، بينما يقضي معظم وقته في زيارات لمعارف وأصدقاء انتشروا في مناطق قطاع غزة.

يذكر طارق حادثة غريبة واجهته: "في مرة ذهبت لرفح على بيت شهيد لأحصل على صورته فخرج لي شاب وعندما طلبت الصورة بادرني وسأل أنت طارق درويش؟ قلت نعم فعانقني وبكى ومنحني 10 صور وصورة شخصية للشهيد وأخبرني أن الشهيد قبل استشهاده أوصاه إن استشهد وجاءه فلان (طارق درويش) أن يمنحه الصور ويتعاون معه".

يومئ طارق برأسه عشرات المرات ويلقي التحية بأكثر منها لأناس يعرفونه في الشارع ويحترمون قدرته رغم أنه لم يكمل تعليمه وخرج من الصف الثامن.

أكثر من أثّر فيه من الشهداء صديقه طارق حميد، الذي استشهد عقب اغتيال الشيخ أحمد ياسين مؤسس حركة المقامة الإسلامية "حماس" في عملية فدائية تبنتها كتائب القسام التي كانت أول ردود على اغتيال الشيخ ياسين في ربيع 2004.

وعن علاقتهما أضاف: "صادقته أربع سنوات لم أغب عنه فيها سوى ثلاثة أيام قبل استشهاده بيوم تناولنا الطعام معا، وقبل تنفيذه للعملية اتصل بي وقال دير بالك على الشباب وزورهم وإن شاء الله نزور بعضنا في الجنة".

وتأثر طارق كثيراً باستشهاد الدكتور نزار ريان القيادي في حركة "حماس" والشيخ أحمد ياسين حيث يحتفظ لبعض القيادات بأكثر من صورة.

ويتمنى طارق أن يتمكن يوما ما من جمع كتاب لسير الشهداء يذكر فيه اسم كل شهيد وصورته ونبذة مختصرة عنه. ويقول إنه يجد متعة في تجشم عناء جمع صور الشهداء، فيضطر كثيرا للابتعاد عن مسكنه بينما اضطر مرارا قبل الانسحاب الإسرائيلي عام 2005 للمبيت خارج البيت حين كان الجيش يقطّع طرقات القطاع أمام حركة المواطنين.

وحسب إحصاءاته الشخصية؛ فقد استشهد من أصدقائه 280 منذ مطلع الانتفاضة، و66 شهيداً خلال الحرب على غزة أعمارهم متفاوتة. ويصف شعوره بفقدانهم بالقول: "أتمنى أن ألحق بهم لكن الجنة تحتاج إلى تعب وجهد".

والتقى طارق بكثير من الشخصيات الفلسطينية من أبرزها القيادي البارز في حركة "حماس" الدكتور محمود الزهار الذي أعجب بمقدرته، وفي لقائهما الأول اختبره بالسؤال عن تاريخ استشهاد نجله البكر خالد فرد عليه مجيباً بذكر تفاصيل استشهاده حيث قضى خالد ومرافق الدكتور الزهار شحدة الديري في قصف منزل الزهار في العاشر من أيلول (سبتمبر) 2003 والتي أصيب بها القيادي في "حماس" الذي تواجد في البيت ونجا من الموت بأعجوبة بعد نسف البيت بالكامل بقذيفة تزن نصف طن ألقتها طائرة من نوع اف 16 على المنزل.

ويعمل طارق آذنا في شبكة الأقصى الإعلامية يوميا من الساعة 8 — 3.5 مساء بينما يقضي بقية اليوم في الالتقاء بأصدقاء ومعارف كثر بمختلف مناطق قطاع غزة.

ويمتعض والده كثيرا من كثرة تنقله وغيابه عن المنزل، مقدراً في الوقت ذاته دوره كمعيل وحيد براتب بسيط لأسرته الكبيرة التي انقطعت بها السبل.

يخضع طارق لاختبارات يومية بعقد أدبي بينه وبين كافة شرائح المجتمع يسألونه فيها عن اسم وتاريخ استشهاد أي شهيد ويجيبهم هو بسهولة. وينتقد بعض مواقع الانترنت ووسائل الإعلام التي توثق بشكل خاطئ تواريخ استشهاد بعض الشهداء.

ويعتبر درويش وجها مألوفاً لدى الكثيرين، فقد خرج في كثير من البرامج التلفزيونية والإذاعية واتصل عليه أهالي الشهداء يسألون عن تفاصيل استشهاد ذويهم.

ويحفظ حتى الآن بأسماء 700 من شهداء الحرب على غزة، بينما مازال يواصل حفظ 700 آخرين ليضيفهم لأرشيفه الدماغي.

وتعتبر أيام الحرب على غزة، ذات أجواء خاصة بالنسبة لطارق، فقد انقطع التيار الكهربي كثيرا ولم يتمكن من متابعة كافة الأخبار فاضطر للقيام بجولة على كافة منازل الشهداء في قطاع غزة ليحصل منهم على صورة كل شهيد.

أحضر طارق دفتراً قديما مجدولاً بخط اليد، كشف فيه عن صفحات دسمة بأسماء وتفاصيل استشهاد الآلاف.

ورغم قضائه ساعات طويلة في العمل، مازال طارق محتفظا بمسيرته التي أطلقها من سنين في هواية شاقة يلتقي فيها بكل من ودع شهيداً.

البث المباشر