غزة - الرسالة نت
جفت دماء الشهيد رماح فايز الحسني ولم تجف بعد ريشته الفنية، فما تزال تقطر الأحمر القاني على مرسمه الخشبي الساكن في زاوية بيته الواقع في مخيم الشاطئ للاجئين.
كل شيء ساكن في بيت الشهيد إلا رضيعه البكر (فايز) الذي لم يبلغ الشهرين فنحيبه يعلو حينا ويسكت آخر، حيث تركه وحيدًا لأم لم تتجاوز بعد العشرين من عمرها.
في بيت عزاء الشهيد، عقدت ألسنة الجمع من هول المشهد القاتم.. الحال ذاته كان مخيما على لوحاته الفنية الباهتة التي تلف ارجاء البيت.
وترجل فارس الريشة والبندقية – وهو قائد ميداني في سرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي- باستهدافه بصاروخ صهيوني أثناء مروره على الطريق الساحلي المحاذي لمخيم دير البلح، فمزق جسده ونثر أشلاءه على بعد مئات الأمتار.
الجمع في بيت العزاء طاق لرؤية الشهيد رماح وهو محمول على الأكتاف داخل تابوت، لكن تفتت جسده الطاهر حال دون ذلك، وحرم كذلك شقيقته الصغيرة من رؤيته رغم أنها اخترقت جمهور المشيعين لإلقاء نظرت الوداع على شقيقها البكر، لكنها أخفقت في تحقيق رغبتها.
في جولة بسيطة داخل المنزل المتشح بالسواد تجد لوحات الشهيد رماح فياضة بالوطنية والحماس، فالبندقية والقدس والخيل والكوفية هي معالم بارزة في لوحاته الفنية التشكيلية التي مزجت في معظمها بين الفن والكفاح كسبيلين لمجابهة الاحتلال الجاثم على الأراضي الفلسطينية منذ العام 1948.
واحترف الشهيد رماح الفن التشكيلي منذ صغره فهو ابن لفنان خمسيني هو فايز الحسني، الذي خط بريشته اروع الرسومات من كراسة الرسم في الابتدائية إلى لوحات المعارض، لكنه احترف مؤخرا رسم الكاريكاتير وصنع اللوحات الهزلية التي تحمل الكثير من الأمل والتفاؤل بغدِ أجمل.
وبرع الشهيد رماح في تثقيف صغار السن بالفن وأهمية الريشة باعتبارها وسيلة من وسائل الدفاع عن القضة الفلسطينية، فقدم عددا من الدورات التدريبية لمجموعات من الأطفال من سن 12-18.
ورغم أن رماح قد ارتقى قبل انتهاء دورته الاخيرة بأسبوعين فإن الاطفال المشاركين فيها رسموا صورا لمعلمهم الشهيد وفق الأساسيات التي علمهم اياها.
ويقول الطفل محمود عبد السلام -أحد المشاركين في الدورات التدريبية الخاصة بالفنون الجميلة- معلقا على استشهاد مدربه: "كان خلوقا معطاء.. لم يبخل علينا في المعلومات، وكان دوما يشدد على أهمية الفن في التعبير عن الشعب الفلسطيني المحتل وقضيته.. أحببناه كثيرا وسنفتقده".
أما على المستوى العسكري فإن الشهيد الفنان كان قائدا عسكريا لمجموعات من سرايا القدس في مدينة غزة، حيث عمل في أكثر من وحدة (الصاروخية، والهندسة)، كما أشرف على تنفيذ عملية تفجير جيب شرق غزة في العام 2010 اعترف على إثرها الاحتلال بمقتل جندي صهيوني، وذلك وفقا لما أكده القائد في سرايا القدس (أبو مهدي).
ويؤكد القائد (أبو مهدي) أن الشهيد ارتبط ارتباطا وثيقا بعمه الأسير (محمد الحسني) -أحد عمداء الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال- باعتباره نموذجه ومثله الأقرب في المقاومة، مشيرا إلى أنه كان مثالا في الأخلاق والتكتم على العمل الجهادي، ومؤكدا أن قلة هم الذين يعلمون انضواء رماح تحت لواء الجناح العسكري لحركة الجهاد الاسلامي.
"هو جنرال في كل ميدان".. هكذا يصفه شقيقه محمد في العشرين من العمر، ويضيف: "كان فارسا في كل الميدان.. لقد كان فنانا وقائدا عسكريا، وبطلا دعويا وناشطا مجتمعيا".
ويؤكد أصدقاء الشهيد ومقربون منه أن أمنيته كانت دوما الشهادة في سبيل الله، ونثر جسده أشلاء، وقد أوردها في أكثر من مجلس.
ويؤكد المقربون منه أن فقدانه يمثل خسارة على المستويات كافة: الفن، والمقاومة.
وتجدر الإشارة إلى أن الشهيد رماح سبقه عمه "زكي الحسني" في ميدان الكفاح، حيث كان أحد كوادر حركة فتح ونال الشهادة في جنوب لبنان في الثمانينيات.