قائمة الموقع

هيكل: أخطر ما يواجه الثورة "تفكيك النظام السابق"

2011-09-16T13:58:45+03:00

 

الرسالة نت-وكالات

وصف الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل الأوضاع التي تشهدها مصر خلال الفترة الحالية بأنها “تسير في اتجاه شبه مأزق يستلزم جسارة فكر وفعل”، وقال هيكل في حوار تنشره معه صحيفة “الأهرام” المصرية  اليوم: إن المشكلة التي تعانيها مصر حالياً لا تتمثل في الاعتصامات والإضرابات والمطالب التي زاد عددها وأربكت العمل الوطني وعوقت حركته، إنما تتجسد على نحو حقيقي في ذلك الخلط ما بين التفكير والتوصيف، وما بين الفعل والتصرف” . . مشيراً إلى أن “مصر تعيش مرحلة الانتقال من شراكة العائلة وجماعات المصالح إلى بنيان الدولة” .

اعتبر هيكل أن تفكيك النظام السابق يعد أحد أهم التحديات التي تواجه الثورة المصرية بعد نحو عشرة أشهر من اندلاعها، مشيرا إلى أن ثورة يناير وجدت نفسها أمام نظام “تنازل عن كونه نظام حكم إلى ميراث عائلة”، وأن هذا النظام حكم مع أقارب وأصدقاء ومنتفعين “وصلوا بالدولة إلى مجرد جماعات مصالح تباشر السلطة اعتمادا على قهر الأمن” . . وبالتالي فقد اكتشف المصريون أن إزاحة قمة النظام السابق قد خلفت بعده “أطلالا تتهاوى، وأرضاً خلاء” .

ولفت الكاتب الكبير إلى ما وصفه ب “بثلاثة أوهام” تعيشها مصر الآن، أولها: “أن الشعب الذي صنع الثورة بملايينه قدر أن الثورة قد تحققت، وأن توزيع أرباحها قد وصل، وهو معذور في ذلك لأن الحقائق كانت بعيدة عنه، كما أن صبره طال حتى تقطعت الحبال” .

وثانيها: أن الشباب الذي فجر الزناد الثوري بجسارة واقتدار، وقع في تصوره أنه  وليس كل الملايين  من صنع الثورة، ومن حقه الآن أن تكون كلمته الأعلى .

أما ثالثها فهو ما يتعلق بالمجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي وقع في تناقض، “فهو يتصور في بعض الأحيان أنه سلطة الدولة، من دون أن يدرك أنها سلطة انتقال، ثم يعلن في أحيان أخرى أنه لا يستطيع أن يتصرف خارج حدود معينة، لأن مسؤوليات القرارات الكبرى ليست عنده، وأنه في انتظار سلطة مدنية تأتي في ما بعد” .

واعتبر هيكل أن أياً من الأطراف الثلاثة في المعادلة المصرية “لم يكن مهيئا للتعامل مع الواقع الجديد بعد الثورة، لا بالتصورات ولا بالسياسة ولا بالتنفيذ”، مشيراً إلى أن ذلك الأمر “خلق أجواء من الشكوك بين الأطراف لم يتصد لها أحد بحوار متكافئ عميق ومستنير، وقد أدت هذه الشكوك إلى إحباط راح يزحف على الساحة السياسية المصرية، نظراً لتباين الطرق”، فالشعب من جهة يشعر بأن مطالبه لا تلقى العناية الكافية، والشباب  وهو يقع في شراك التشرذم في صفوفه  راح يتصور أن هناك إنكاراً لدوره وتجاهلاً لقوته، بينما راود الطرف الثالث  وهو المجلس الأعلى للقوات المسلحة  شعور بأنه يواجه حالة من إنكار الجميل، انطلاقاً من تصور أنه لولا حمايته الثورة لما استطاعت حماية نفسها، وهو تصور ينطوي على مبالغة” .

وتحدث هيكل عن الموقف الذي يتعرض له المجلس العسكري في اللحظة الراهنة، مؤكدا أن المجلس يواجه موقفا اقتصادياً واجتماعياً في منتهى الصعوبة، ولا يرى الموارد التي تسد هذه الاحتياجات، إضافة إلى أن الانفلات الأمني يضع المجلس في موقف صعب، لأنه “لا يجد لديه أهلية للتدخل فيها”، بمنطق أن سلاح القوات المسلحة سلاح قتال، وواجب هذه القوات حماية الناس وليس قتلهم، وفي دول العالم كلها فإن الأمن عند الشرطة وليس عند الجيش .

وأوضح هيكل أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة “لا يريد أن يبت في مشكلة حقيقية، وإنما يعتمد سياسة التأجيل أو ترحيل المشكلات”، انتظاراً لمن يملك شرعياً ودستورياً مسؤولية القرار فيها، عندما يجيء وقته، كما أنه لا يريد للقوات أن تتصل بالحياة المدنية وليونتها، وتفقد القدرة على خشونة شن الحرب .

والمأزق  كما يقول هيكل  أنه يريد من المدنيين أن يتحملوا بذلك، من دون سند وغطاء، وعليهم أن يتحملوا المسؤولية ويفعلوا ما هو مطلوب، وبعضه خطر، مشيراً إلى أن “زمن مبارك كان يعطي الضمان والحماية للفساد والآن ليس هناك ضمان أو حماية للإصلاح” .

وأشار هيكل إلى أن الظروف التي مرت بها مصر في السنوات الثلاثين الأخيرة لم تؤد إلى جفاف بحر السياسة فحسب، إنما أدت إلى ضحالة شديدة في كل شيء، بما في ذلك كفاءة الإدارة التنفيذية، وفي العادة فإن بعض البلدان في مواجهة فترات التحول تستعين بخبرة أجنبية” .

واسترشد هيكل في ذلك بتجربة محمد علي حين استعان بخبرة أجنبية في مشروع القناطر الخيرية، وجمال عبد الناصر في مشروع السد العالي، لكنه أكد  في الوقت ذاته  أن “الخبرة الأجنبية في هذه الظروف الدولية قد تكون موضع شك أو شكوك” .

والحل، كما يطرحه هيكل “أننا في حاجة إلى خبرة من الخارج تعوض تآكلاً في الداخل أصبح مخيفاً، لكننا لا نستطيع استخدام خبراء أجانب، ثم إن الأكفاء من المصريين داخل مصر عرايا من غطاء مدني أو سياسي، يسند ويحمي”، كما أننا لا نريد مصريين من الخارج .

قال هيكل: “تلك معارك غربية مؤداها أن تظل أحوال الفراغ تدور حول نفسها، حتى تصاب بالدوار وتقع على الأرض، وتلك كلها وغيرها مسائل لا يريد المجلس الأعلى للقوات المسلحة أن يبت فيها أثناء فترة الانتقال، في أي مفهوم طبيعي، هي فترة تؤسس لما بعدها، وتمهد طرق التحول، وهو بداية طريق جديد” .

وقال هيكل: إن هناك ثلاثة أطراف تتحرك في الحالة الثورية المصرية وتعقيداتها، وزاد عليها بعد الثورة أطراف مستجدة، متناولا وزارة احمد شفيق الذي “لم يكن موفقا في خياراته معاونيه” .

وأوضح هيكل أن شفيق كان يصرف وقته في أحاديث ولقاءات صحافية مستفيضة، وفي مقابلات ومداخلات تلفزيونية بالساعات، “وقد كنت أتساءل مرات: متى يكون لديه وقت للعمل؟

وحول وزارة عصام شرف فإنه “رغم وجود عدد من الشخصيات لها قدرها في نظري ضمن فريقه، فإن الأداء في مجمله غير مقنع، خصوصا في مثل هذه الظروف، وفي كل الأحوال فإن السلطة التنفيذية التي كان عليها أن تعوض أوجهاً للقصور في الصورة العامة أصبحت هي نفسها جزءاً من المشكلة، بدلاً من أن تكون جزءا من الحل” .

وبالتالي فإن الظروف التي تمر بها مصر “كانت تستدعي أقوى الوزارات في تاريخ مصر، لمواجهة واحدة من أصعب مراحل تطورها، لكن الوزارات التي جاءت أقل من المطلوب” .

وفتح هيكل في حواره مع “الأهرام” ملف الإعلام كجزء من الأزمة الراهنة، مشيراً إلى أن “أمانة المهنة، حتى قبل أمانة الحقيقة، تفرض عليّ أن أقول إن الإعلام المصري ليس موجوداً، حيث يتمنى له أصدقاؤه ومحبوه” .

وأوضح أن هناك مشكلة لا يريد أحد أن يتحدث فيها، وهي ملكية وسائل الإعلام، واستعرض علاقة الإعلام القومي بمجلس الشورى، وعلاقة الإعلام الخاص برجال الأعمال، فالأخير “مملوك لرؤوس أموال لها مصالحها وأستحي أن أذكر الأسماء، فقد يكون في ذكرها شيء من الاستعداء أو الإساءة، لكن علينا أن نتذكر مقولة شهيرة ملخصها: قل ما هي مصالح أي رجل وأنا أقل لك ما هي أفكاره، أي أنهم جميعاً أصحاب مصالح يريدون حولها سوراً واقياً من النفوذ والتأثير” .

وكشف هيكل في حواره أن “هناك نشاطاً واسعاً بشأن ملكية وشراكة وسائل الإعلام المصري يجرى الآن في لندن، بل وهناك إشارات من أصحاب الصحف من داخل “طرة”، هل أضيف أيضاً أن 3 رجال أعمال، وليس أكثر، يتحكمون الآن في الاعتمادات التي تخصص للإعلان في مصر، وحجمها يقارب المليار جنيه؟” .

وقال: “هذه الاعتمادات، لتخصيص الإعلانات تستطيع إنجاح صحف وفضائيات وتستطيع إعدام صحف أخرى وفضائيات” .

وأكد هيكل أن حالة السيولة والفوضى التي تمر بها مصر كانت فرصة لقوى خارجية أن “تمد إليها أصابعها تحاول أن تأخذ أو تحاول أن تعبث أو تحاول أن تطوع”، موضحا أن “بعض التدخل الخارجي جاء من قوى كبرى وجدت في الربيع العربي الذي فاجأها في تونس ومصر فرصة نادرة للاستغلال، وكذلك فعلت أمريكا وفرنسا وإنجلترا، وكلها رفعت ألوية حق يراد به باطل، ثم جاء هذا التدخل أيضاً من الإقليم، فقد كان في الجوار المباشر وغير المباشر من المتدخلين كثيرون، وأعرف لسوء الحظ أن ملايين من الدولارات وصلت إلى من لا أعرف، وملايين أخرى أشك أنه وقع دسها في جيوب ناقليها، قبل أن تصل إلى عناوينها” .

اخبار ذات صلة