مقاهي انترنت متورطة في ترويجها
لا نص قانوني يجرم والشرع يحرم ومختصون يتهمون الأسرة
داعية: طرح هذه القضايا على المنبر يثير فضول من يجهلها
غزة-فادي الحسني
بينما كانا صبيان يحملان هاتفا نقالا ويتبادلان الهمسات، في زاوية أحد مقاهي الانترنت بمدينة غزة، داهمهم عناصر المباحث العامة، فاكتشفوا أنهما ينظران الى مقطع إباحي قد حازا عليه من قبل مدير المقهى بمقابل "20 شيكلا".
وكانت قد وصلت معلومات لجهاز المباحث تفيد أن عددا من الصبية يترددون بشكل مستمر على أحد مقاهي الانترنت بحجة ممارسة ألعاب (الاكشن)، ولكن فوجئوا بترويج المقهى للمشاهد الإباحية مقابل مبلغ من المال.
ويسقط العشرات من الأطفال وحتى الشباب سواء ذكور أو إناث في فخ الترويج للرذيلة عبر الهواتف النقالة وأجهزة الحاسوب، الأمر الذي يدفع بالسؤال : من المسئول عن وقوع الجيل الناشئ في وحل الانحراف؟.
سقط متلبسا
الفتى "م.أ" سقط ضحية لرفقاء سوء كانوا يدفعون به لمشاهدة الأفلام المخلة بالآداب، ويقول إنه لم يكن يدرك مخاطر ما يقوم به إلا بعدما سقط متلبسا في يد المباحث.
ويعض (م.أ) في السادسة عشر من عمره على يديه ندما وألما لما حل به من فساد أخلاقي، مؤكدا أن المحيطين به باتوا ينظرون له نظرة اشمئزاز.
ويلفت الفتى إلى أنه أصبح يخشى من فقدان ثقة والديه، لكنه أشار إلى أنهما يحاولان باستمرار الوقوف بجانبه ويدعمانه في نسيان الماضي والمضي في طريق الهداية القائم على الالتزام بالصلاة وتلاوة القرآن.
وكشف جهاز المباحث العامة "للرسالة" عن تورط عدد من مقاهي الانترنت في ترويج المشاهد الإباحية، في أواسط الشباب والأطفال ما دون 18 عاما.
وقالت المباحث: "ثبت تورط عدد من المقاهي في تزويد الشباب والأطفال عبر ذاكرات الهواتف النقالة والأقراص المدمجة بأفلام إباحية يصل حجمها 2 ميجا بايت، بمقابل عشرين شيكلا (..) هناك استغلال بشكل واضح للأطفال ما دون 18 عاما والقينا القبض على الكثير منهم متورطين في تداول مثل هذه الأفلام".
وأكدت أنها صادرت أجهزة حاسوب في بعض المقاهي، عقب ثبوت احتوائها على مقاطع رذيلة.
وتضع الشرطة عددا من الشروط والضوابط التي يجب توافرها حتى تسمح بفتح مقاهي الانترنت، أبرزها: شهادة حسن سير وسلوك، وحصول ترخيص من البلدية، وجود مراقبة مباشرة لجميع أجهزة الحاسوب من قبل مدير المقهى، منع من هم أقل من 14 عاما من دخول مقاهي الانترنت، والسماح بفتح المقهى حتى الساعة العاشرة مساءً فقط.
*سوء التربية
ويرجع أستاذ علم النفس بجامعة الأقصى د.درداح الشاعر أسباب تعاطي القاصرين مع مثل هذه المشاهد المخلة بالآداب، إلى سوء التربية الأسرية، قائلا :"هذه القضايا ناتجة عن أساليب التربية الخاطئة والتي تخلو من المفاهيم التربوية والعقائدية(..) سوء التربية تدفع الطفل لبيئة منحطة غير مراعية للأخلاق".
وتعتبر الأسرة هي المربي الأول، إذ يؤكد الشاعر على ضرورة وجود ما اسماه بـ"الفلتر" داخل الأسرة، ويعني بذلك تعريف الطفل بما هو حلال ومباح وبما هو حرام.. ويقول: "هناك فجوة بين الآباء والأبناء، وهناك أولياء أمور يتركون الحبل على غاربه دون أن يكون لهم دور رقابي على أبنائهم".
وبالإضافة إلى ما قاله الشاعر، فإنه يرى أيضا أن مصادر هذه الانحرافات متعددة، أبرزها غزو قطاع غزة من الناحية الثقافية والفكرية.
وقال: "لا يوجد لدينا تحصين ثقافي، إضافة إلى اتصال الناس وارتباطهم بمفاهيم جديدة عبر التواصل مع العالم"، لافتا إلى أن ما اسماه بـ"الإعلام الهادف" ساهم إلى حد كبير في الغزو الثقافي والفكري عبر الفضائيات وساهم كذلك في إضعاف الوازع الديني والتربية السلبية.
ويتفق أستاذ علم الاجتماع بالجامعة الإسلامية د.وليد شبير مع سابقه، في تأكيده على أن قطاع غزة على الرغم من انه مجتمع محافظ لكنه لديه انفتاح على العالم ومن السهل جدا أن تتسلل إليه مثل هذه الانحرافات.
*تلوث عقلي
ووصف شبير ترويج المشاهد الإباحية بين القاصرين والشباب أيضا بـ"التلوث العقلي" الذي يلقي بأضراره النفسية والصحية الاجتماعية أيضا على الفرد.
وحذر شبير من تفاقم هذه القضية، قائلا:"نحن نتحدث عن قضية ذات صلة بالشباب وهم عماد المجتمع، وإذا ما فقدنا الشباب فقدنا المجتمع (..) لا بد من إعادة النظر في هذا الأمر وتوعية الشباب والأطفال عبر وسائل الإعلام وكذلك المدارس والجامعات".
فيما يرى الشاعر أن تعاطي الأطفال أو الشباب مع مثل هذه الأفلام الفاضحة يخلق حالة من (التفكك الشخصي)، مؤكدا أن الفرد يصبح في صراع داخلي، "ما بين الحفاظ على انتمائه للإسلام والالتزام بضوابطه ومقاومة الشهوات".
وقال أستاذ علم النفس: "عندما يشاهد الطفل أو الشاب إلى مثل هذه المشاهد الإباحية، يصاب بنوع من القلق والخوف لأنه خالف أمراً شرعياً، وبالتالي يصبح عاجزا عن التمييز بين الخطأ و الصواب".
وأفادت مصادر في المباحث العامة أن عددا ليس بالبسيط من طلاب وطالبات الجامعات ثبت تورطهم في مثل هذه القضايا، لافتة إلى أن المباحث ألقت القبض على بعض الطلبة الذين يروجون داخل أروقة إحدى الجامعات في مدينة غزة عناوين لمواقع الكترونية تنشر الإباحية، حتى يجري تداولها بين طلاب الجامعة.
من جانبه رفض د.محمد الزير الأخصائي النفسي في البرنامج للصحة النفسية، وصف التعاطي مع المشاهد الإباحية بالمرض، قائلا: "القضية ليست مرضا وإنما هي محاولة لإشباع جنسي لأناس لديهم مشاكل واضطرابات، وإذا ما تولد لديهم سلوكيات شاذة كممارسة الجنس أو مراقبة الناس، يصبح هناك نوع من الشذوذ وبالتالي يجب معالجته".
ويرى الزير أنه من الضروري تقنين غرائز الإنسان، مشددا على ضرورة ممارسة الأنشطة الرياضية والاجتماعية وحصول توعية في المدارس والجامعات.
*دور المسجد
وفي وقت رأى فيه المختصون أن للمسجد دور في التوعية للحد من مثل هذه الانحرافات، فضل الداعية الإسلامي د.حازم السراج ألا تناقش هذه القضايا على منابر المساجد، على اعتبار أن هناك الكثير من الناس يجهلونها والحديث حولها سيثير فضولهم ويلفتهم إليها.
وقال السراج: "طرح هذه القضايا، سلاح ذو حدين، لأننا فوجئنا أن هناك جمهور على غير علم بها وبالتالي نحن نثير فضوله للتعرف عليها وبالتالي لا أفضل طرحها عبر المنابر".
وأضاف :"هذا الأمر يحتاج إلى اجتماع بأولياء الأمور لتوعيتهم بالمخاطر المحدقة بأبنائهم"، واصفا تعامل الشباب والمراهقين مع هذه المشاهد بأنه ناتج عن سطحية التفكير، ونذير شؤوم.
واعتبر الداعية السراج أن من يروج للمقاطع الإباحية يعتبر منسلخ عن عقيدته، وقال"
هؤلاء أناس فتنوا بالغرب وظنوا أن الجنس وسيلة للمتعة فقط ولكنه وسيلة للحفاظ على النسل".
ومن الناحية الشرعية فإن مشاهدة الأفلام المخلة بالآداب، أمر محرم، لاسيما أنها تكشف العورات المحرمة.
وأكد أستاذ الشريعة بالجامعة الإسلامية د.ماهر السوسي أن النصوص القرآنية حرمت التعاطي مع هذه الانحرافات، واستند إلى النص القرآني: "قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ".
وقال السوسي: "هذه الأفلام فيها بيان للعورات وتهيج العواطف والغرائز، وبالتالي تخالف أحكام الشرع الإسلامي"، داعيا إلى ضرورة إعادة تربية الجيل الناشئ تربية تنسجم مع أحكام الشرعية.
وطالب كل من الأسرة والجامعة والمسجد والمؤسسات والنوادي، بالوقوف أمام مسؤولياتها إزاء توعية الأطفال والشباب وتبيان مخاطر الانزلاق في وحل الانحراف.
*لا نص
ويفتقد قانون العقوبات الفلسطيني الذي وضع في زمن الانتداب البريطاني 1936 لنص واضح يجرم مشاهدة الأفلام الإباحية.
ويقول المستشار القانوني في المجلس التشريعي د.نافذ المدهون: "ليس هناك نص واضح يجرم من يشاهد تلك الأفلام (..) هناك تطورات كثيرة حصلت على مستوى الجرائم خلال سبعين عاماً، لكن القانون لم يعدل بعد".
ويشدد المدهون على ضرورة أن يكون هناك قانون يجرم عرض مثل هذه الأفلام أو الترويج لها، ولكن من خلال وضع ضوابط كالعمر "لأن المسؤولية تختلف بين الكبير والصغير" والتفريق بين مشاهدي هذه الأفلام وبين مروجها.
وقال: "هذا الأمر لم يأخذ أولوية في فلسطين بسبب وجود ازدحام في قضايا عدة بحاجة إلى قوانين".
وعلى الرغم من عدم وجود نص قانوني يجرم مثل هذه المحرمات، فإن هذا لا يعطي الحق لمشاهدة الإباحية، لأن هناك نص قراني يحرم مشاهدتها هو أولى أن يتبع.
كما أن الأسرة يجب ألا تقف عند حدود تلبية رغبات أبنائها المتعلقة بجلب التقنيات الحديثة لديهم من هواتف وأجهزة حاسوب متنقلة، وإنما يجب مراقبة هذه الأجهزة، بالإضافة إلى تربيتهم تربية تستند إلى المفاهيم التربوية والعقائدية الصحيحة.