الرسالة نت- شيماء مرزوق
أدى التوجه الفلسطيني للأمم المتحدة لطلب الدولة, لصراعات سياسية ودبلوماسية بين مشروعين سياسيين متناقضين لكل منهما أهدافه الخاصة: الأول هو مشروع الفلسطينيين الذي يعتمد على قواعد القانون الدولي وتقوده السلطة, والآخر المشروع (الإسرائيلي) ويهدف للتنكر لحقوق الفلسطينيين التاريخية.
مواقف متضاربة
وشهد العالم عموما مواقف متضاربة بردود الأفعال والتوقعات من "استحقاق أيلول" رغم أن الموقف الأمريكي كان واضحا منذ اللحظة الأولى برفض الاستحقاق.
وفي هذا السياق قال المحلل السياسي خليل شاهين: "رغم رفض واشنطن لتوجه الفلسطينيين للأمم المتحدة لنيل العضوية فإنها تحاول أن تجند أكبر عدد ممكن من الدول لحرمان فلسطين من مرادها؛ لكي لا تتحمل وحدها مسؤولية إخفاق مساعي السلطة".
وقال د. هاني البسوس المحلل السياسي: "أمريكا تحاول أن تحقق مصالح (إسرائيل) على حساب الفلسطينيين لأنها تعتبر أمن (الإسرائيليين) مصلحة قومية أميركية", مضيفا أن السلطة أخطأت عندما تعاملت مع أميركا بصفة "وسيط" في المفاوضات.
وتابع البسوس: "الدول التي مع إعلان الدولة هي نفسها التي قدمت اعترافا مسبقا, كما أن الدول العربية والأوروبية لم تحسم موقفها نهائيا بعد، والبعض ينتظر تصويت مجلس الأمن حتى يعطي الأخير قراره النهائي".
وما زالت الدول الأوروبية منقسمة على نفسها بين مؤيد ومعارض لتأييد إعلان الدولة الفلسطينية في ظل الضغوط الأمريكية رغم إعلان الرباعية نيتها الاعتراف بفلسطين إذا لم يستجب نتنياهو للجهود الدولية لدفع عملية "السلام" إلى الأمام, وهنا رأى شاهين أن الموقف الأوروبي يعمل على إيجاد مخارج لموقف أميركا المنحاز تماما لـ(إسرائيل), "ففي الوقت التي تؤيد أوروبا إعلان الدولة فإنها ترى أنه يجب أن يجري ذلك بالمفاوضات".
في حين اعتبر البسوس أن الموقف الأوروبي العملي ما زال غير واضح المعالم، "بل تذهب كل المؤشرات للقول إنها تفضل تريث الطرف الفلسطيني وتكثيف الجهود من أجل توصل الرباعية إلى "صيغة مقبولة بالنسبة إلى الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي" من أجل إعادة استئناف المفاوضات".
حجر الأسا
وبات من الواضح أن الموقف العربي الداعم لفلسطين في الأمم المتحدة عزز من ثقة الرئيس عباس في خطوته وحشد له بعض المؤيدين في المجتمع الدولي, وبخاصة في ظل الجمود السياسية الذي تعانيه العملية السلمية بسبب التعنت (الإسرائيلي), ولكن المتابعين يعتقدون أن التعويل على الموقف العربي حاليا غير مجد لسبب الأزمات الداخلية التي تعصف بمعظم الدول العربية.
وهنا ذكر شاهين أن الموقف العربي الرسمي اصطف خلف عباس في الأمم المتحدة، "وهذا ما عبرت عنه لجنة المتابعة العربية في موقفها بالجمعية العامة", مشيرا إلى وجود خلافات بين العرب حول التوجه لمجلس الأمن الذي سيتصادم مع القرار بفيتو أميركي بدلا من التوجه للجمعية العامة.
ولفت شاهين إلى أن الدول العربية نفسها خضعت لضغوط أمريكية لإقناع القيادة الفلسطينية بالتخلي عن قرار إعلان الدولة, معتبرا أن تصنيف تلك الدول إلى محور اعتدال وآخر "ممانعة" لم يعد قائما بعد الثورات العربية, "حيث إن المصالح تلتقي عند القضية الفلسطينية".
ويرى أن حجر الأساس في بناء موقف عربي موحد هو توحيد الموقف الفلسطيني والاتفاق على برنامج سياسي موحد، "وإعادة بناء القيادة السياسية وإصلاح منظمة التحرير"، وأردف قائلا: "لا أحد يستطيع أن يحكم على قدرة السلطة بشأن تجنيد دول مجلس الأمن لمصلحتها, لأن المعركة تبقى مفتوحة حتى لحظة التصويت على القرار", مؤكدا أن ما تقوله السلطة بشأن ثمانية من الدول الأعضاء مع القرار غير صحيح.
البسوس اعتبر بدوره أن الدول العربية ما زالت تتعامل مع القضية الفلسطينية بالسياق نفسه رغم التغيير الذي طرأ على الأنظمة، "لكنها لم تشهد تغييرا حقيقيا في سياستها.. إضافة إلى أن الجامعة العربية لم تنجح في حشد تأييد عربي ودولي لمصلحة الفلسطينيين؛ لذلك فإن التعويل على العرب ما زال مبكرا".
وأشار إلى أن السلطة تعاني من ضغوط أمريكية شديدة على الدول الأعضاء حتى لا توافق على القرار, "وهي تعلم أن كل المؤيدين للقرار ستة أعضاء من أصل خمسة عشر.. هم: البرازيل والصين والهند وروسيا ولبنان وجنوب إفريقيا.. بينما الدول التي لم يتضح موقفها بعد هي: بريطانيا وفرنسا والبرتغال وألمانيا والغابون والنيجر والبوسنة والهرسك, وتبقى أميركا الوحيدة التي أعلنت موقفها صراحة برفض المشروع, ولذلك فإن وضع السلطة في الأمم المتحدة صعب لأنها غير قادرة على تجنيد الدول لمصلحتها".
ومن المتوقع أن ينتقل المشروع الفلسطيني في حال رفضه من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة -سواء أكان بأغلبية سبعة أعضاء أو باستخدام حق النقض الفيتو الأمريكي- إلى الجمعية العمومية, حيث من المتوقع أن تطالب السلطة الفلسطينية هناك بالاعتراف بفلسطين دولة لا تملك العضوية الكاملة في مؤسسات الأمم المتحدة, بل دولة تشابه الفاتيكان من الناحية القانونية.