غزة- محمد أبو قمر
طفت قبل عدة أيام أزمة ديون دبي على السطح وسارع الاقتصاديون للحديث عن أسباب الأزمة وتداعياتها على المنطقة ، حتى أن بعض الصحف البريطانية قالت أن الحفل المقام على الرمال المتحركة في دبي قد انتهى منذ أشهر ، وذلك في إشارة إلى البنايات الفخمة والاستثمارات التي أقيمت على رمال الصحراء خلال السنوات الماضية .
نشوء الأزمة
فقد تناولت صحف بريطانية أزمة ديون دبي بالنقد والتعليق، وتساءل بعضها عن كيفية نشوء الأزمة وحجمها وتأثيراتها على البنوك والمستثمرين الأجانب والأسواق المالية والاقتصاد العالمي برمته، في حين ذهب بعضها إلى القول إن الدكتاتورية المفلسة أخلاقيا بنيت على استعباد الآخرين.
وتساءلت صحيفة ديلي تلغراف عن كيفية نشوء ما أسمته الأزمة التي غرقت فيها دبي، وأجابت أن هذه الإمارة -وهي إحدى الإمارات العربية السبع المتحدة والخاضعة لعائلات حاكمة مختلفة وميزانيات منفصلة لكل منها- اعتمدت في اقتصادها على الشواطئ والتجارة والخدمات والاستثمارات المالية بشكل ناجح إلى حد كبير.
ومضت تقول إن دبي سرعان ما أصيبت بنوبة الإفراط في المرفقات السياحية وهوس بناء وتشييد العقارات والأبراج التي تكاثرت وتطاولت لتعانق السماء على مدار العقد الماضي.
وبينما أعلنت دبي أن قيمة ديونها لا تتعدى 80 مليار دولار، قال محللون إن الحجم الحقيقي لديون الإمارة ربما هو ضعف ذلك الرقم، في ظل كون الشركة العالمية التي تملكها حكومة دبي والتي أشعلت الأزمة الراهنة تئن -هي والشركات التابعة لها- تحت وطأة مسؤولية مالية قانونية تقرب من 60 مليار دولار، وجزء من تلك المسؤولية هو ديون على الشركة.
ويعزو الدكتور معين رجب أستاذ الاقتصاد في جامعة الأزهر الأزمة إلى التوسع غير المحسوب واللامدروس في كثير من الأنشطة التي لم تعد بشأنها دراسات كافية ، ولجأ القائمون عليها للاقتراض لتمويلها ، لذلك زادت الديون على الشركات القائمة على المشاريع.
ومع تفاقم الأزمة المالية العالمية التي انطلقت من الولايات المتحدة الأمريكية انخفض الطلب على تلك المشاريع التي لم تحقق إيرادات تمكنها من سداد ديونها ، في ظل رفض الدائنين تأجيل السداد لستة أشهر قادمة .
ردود اهتزازية
ويرى رجب الذي تحدث "للرسالة" أنه لا يمكن التقليل من شأن الأزمة لأن حجم الديون على شركات دبي كبير جدا ، في ظل عدم تجاوب الدائنين لتأجيل السداد وذلك لأنهم متضررين من الأزمة العالمية وهم بأمس الحاجة لاسترداد أموالهم .
وأوضح رجب أن الشركات العملاقة التي توسعت في البناء لها ارتباط بالكثير من المؤسسات المالية العالمية ، وبالتالي ستنعكس تلك الأزمة سلبيا على الشركات الكبرى ، وذلك بدا واضحا من ردود فعل البورصات التي استيقظت على انخفاض .
وشككت صحيفة ديلي تلغراف بوجود خطة إنقاذ لأزمة الديون من جانب أبو ظبي -الإمارة الأغنى نفطيا في الدولة- في ظل اضطرار دبي للطلب من الدائنين إمهالها ستة أشهر قادمة لدفع المستحقات المترتبة عليها.
ومضت الصحيفة إلى أن سبب الذعر الذي أصاب المستثمرين والبنوك الأجنبية مرده إلى احتمال قيام دبي وأبو ظبي ببيع بعض الممتلكات والأصول الثابتة حول العالم، مما قد يتسبب في انهيار أسعار العقارات في شتى أنحاء المعمورة، بالإضافة إلى احتمال وجود أزمات مالية أخرى لم تزل مخفية عن الأنظار.
من جانبها أشارت صحيفة تايمز إلى ما سمته الخطر الكامن في دبي أو "شبح الأزمة المالية العالمية الثانية" في ظل المخاوف من أن تؤدي أزمة ديون دبي إلى وقوع أزمة مالية عالمية جديدة، مضيفة أنه بينما انخفضت المؤشرات المالية في آسيا والولايات المتحدة بشكل حاد، ارتفع سعر الدولار والين إثر تحويل المستثمرين أموالهم إلى أماكن آمنة.
ولعل حديث حكومة دبي عن عدم استعدادها لضمان ديون الشركات العملاقة العاملة بها فان ذلك يوحي كما يعتقد رجب بتجدد الأزمة المالية وسيكون لها تداعيات كبيرة لن تختلف كثيرا عن أزمة أمريكا حتى وان كانت أصغر منها .
وبحسب أستاذ الاقتصاد فان تلك المؤشرات تعكس مدى الخلل القائم بالنظام المالي العالمي .
من حلم لكابوس
وكشفت البنوك البريطانية أنها تشكل الدائن أو المقرض الأكبر لأبناء دولة الإمارات بمن فيهم أهالي دبي، وأن قروضها تزيد عن 50 مليار دولار، ويرجح أن يتأثر البنك الملكي الأسكتلندي سلبا جراء الأزمة أيضا بوصفه المقرض الأكبر للشركة العالمية في دبي.
وقالت صحيفة التايمز في افتتاحيتها إن أزمة الديون وعدم توفر الشفافية في دبي أدتا إلى اهتزاز ثقة المستثمرين، داعية دول الخليج إلى الاستمرار في نهج الأسواق الحرة في البلاد.
وأضافت أن العواصم المالية الغربية ربما ستعيش ما سمته "نوعا من الشماتة" إزاء أزمة دبي، في ظل ما قالت إن الأمر كان سهلا على مالكي "البترودولار" الخليجيين للقيام بشراء الشركات والأصول الغربية والأميركية بثمن بخس إبان فترات الركود الاقتصادي المختلفة.
وعلقت صحيفة ذي غارديان بالقول إن الغموض الكبير وراء أزمة ديون دبي لا يكمن في كون "حلم الصحراء تحول إلى كابوس"، وإنما في كونه تأخر كثيرا حتى وقع وبان وانكشف.
وأوضحت ذي غارديان أن أزمة الرهن العقاري في الولايات المتحدة التي نشأت قبل عامين ماضيين ضغطت على فقاعات الاستثمار في أنحاء متفرقة في العالم من ضمنها بريطانيا، وأنه سرعان ما فجرت تلك الفقاعات الاقتصادية، لكن أثرها في انهيار العقار بمناطق أخرى كان بطيئا واستغرق وقتا أطول حتى ظهر.
وقالت أن من سمتهم المطورين الذين شيدوا ناطحات السحاب في دبي كانوا يعلمون أنه من الصعب استغلالها أو ملؤها بالمستأجرين، وأن الخطر الأكبر قد يتمثل في نظرة البنوك العالمية إلى "القلاع شبه الخالية على رمال دبي" بكونها لا تساوي أو تستحق تلك القروض الهائلة، ما ينذر بأن اقتصاد العالم أيضا بات في وضع سيئ، وليس البنوك الغربية وحدها.
من جانبها قالت صحيفة ذي إندبندنت إن ما سمته الحفل المقام بالصحراء قد انتهى منذ أشهر، مضيفة أن الأزمة انفجرت قبل أسبوع من الاحتفالات المزمعة في دولة الإمارات العربية المتحدة بعيد الاستقلال، وافتتاح أطول برج في العالم والبالغ ارتفاعه 818م والذي تم تأجيل افتتاحه إلى يناير/كانون الثاني القادم.
أما الكاتب البريطاني جوهان هاري فقال إن مقولة "دبي واحة الحرية" ما هي سوى كذبة كبيرة، وإن "الدكتاتورية المفلسة أخلاقيا والتي بنيت على استعباد الآخرين سرعان ما أفلست من الجانب المالي".
وأوضح الكاتب في مقال له في الصحيفة أن الباني الحقيقي لعمارات وأبراج دبي هم أولئك العمال الكادحون الذين يتدلون طيلة اليوم من أعلى الأبراج في العالم تحت أشعة شمس ساخنة ملتهبة ينصح الغربيون أن لا يتعرضوا لها لأكثر من عشر دقائق.
وتوقع أستاذ الاقتصاد بالأزهر أن تلقي أزمة ديون دبي بظلالها القاتمة على الأقل في الأجل القصير على المودعين والإفراد الذين يشعرون أن ثرواتهم عرضة للانهيار ما لم يكن هناك تحالف قوي لكبح جماح الأزمة .