قائمة الموقع

ما علل الاقتصاد العالمي؟

2011-10-11T12:50:48+02:00

وكالات – الرسالة نت

مع استمرار الأزمة الاقتصادية منذ عام 2007، ينشغل الجميع بسؤال مركزي واحد: لماذا لم ترحل الأزمة حتى اليوم؟ لماذا لا تزال قائمة بين ظهرانينا؟، وما لم نعمق فهمنا لجذور الأزمة فلن نستطيع العثور على الحل الناجع. وحتى هذه اللحظة، لا نملك الفهم ولا نملك الحل.

قيل إن الأزمة مالية، فتركز جهد الحكومات على ضفتيْ الأطلسي على المصارف، ودشنت خطط تحفيز الاقتصاد بوصفها مسكنات آنية لا بد منها لسد النقص في المعروض النقدي، ريثما يتعافى القطاع المصرفي ويستأنف نشاطه في الإقراض كالمعتاد. اليوم استعادت المصارف عافيتها وربحيتها وعادت إلى صرف المكافآت، لكن الإقراض لم يستعد عافيته رغم تدني أسعار الفائدة ذات المدى الطويل والقصير بشكل غير مسبوق.

مسؤولو المصارف يزعمون أن ضعف الإقراض عائد إلى ضعف الأهلية والجدارة الائتمانية للمقترضين جراء استمرار علل الاقتصاد. صحيح أن ثمة بيانات تدعم هذا الزعم بنسبة ما، لكن الشركات الكبيرة تملك تريليونات الدولارات، ولذلك فليس المال ما يحبس هذه الشركات عن التوسع في الاستثمار والتوظيف.

بيد أن بعض الشركات الصغيرة -وربما كثير منها- في موقف مغاير: هي غير قادرة على التوسع في أعمالها لحاجتها إلى الأموال، وهو ما يتسبب في انكماش أنشطة كثير منها.

ومع ذلك فقد عاد الاستثمار التجاري بمجمله -عدا قطاع الإنشاءات- ليشكل ما نسبته 10% من إجمالي الناتج المحلي، وهو ما يقل قليلا عما كان عليه قبل الأزمة والبالغ 10.6%. ولما كان قطاع الإنشاءات متخما بفائض كبير يزيد عن الحاجة، فليست في الأفق المنظور فرصة لعودة الثقة إلى مستواها السابق قبيل الأزمة مهما فعلنا في القطاع المصرفي.

لعامل الأساسي الذي فجر أو سرّع الأزمة الاقتصادية حالة الانفلات التي عاشها القطاع المصرفي إثر التراجع التدريجي والأهوج في تطبيق الضوابط المصرفية. واليوم تتضاءل فرص التعافي من هذه الأزمة الطاحنة بسبب فائض المعروض في العقارات وتزايد ديون الأسر.

 

لكن الاقتصاد كان شديد الاعتلال قبل وقوع الأزمة، فالفقاعة العقارية كانت بمثابة ورقة التوت التي غطت على مواطن ضعفه الحقيقية. ولولا وجود استهلاك مدعوم بـ"اقتصاد الفقاعات" لكنا شاهدنا انخفاضات كاسحة في الطلب الكلي.

 

وبدلا من حدوث ذلك، تراجعت معدلات الادخار إلى نسبة 1%، بينما كانت نسبة 80% من الطبقة الدنيا من الأميركيين تنفق سنويا بمعدل 110% من دخولها. وحتى لو تعافى قطاع المصارف بصورة كاملة، ولم تستوعب الطبقة المسرفة من الأميركيين درس أهمية الادخار، لظل معدل استهلاكهم بنسبة 100%. وبالتالي فكل من يراهن على عودة المعدلات الاستهلاكية كخلاص من الأزمة يعيش في وهم كبير.

 

مشكلات الاقتصاد العالمي

إصلاح القطاع المالي كان ضروريا للتعافي الاقتصادي، لكنه لم يكن كافيا. ولفهم ما يتعين عمله، ينبغي لنا أن نفهم المشكلات الاقتصادية قبل انفجار الأزمة.

 

أولا، لقد كانت أميركا والعالم ضحية نجاحهم الاقتصادي، فالزيادة السريعة في معدلات الإنتاج الصناعي فاقت معدلات الطلب، وهو ما تسبب في تراجع التوظيف في قطاع الإنتاج، وتحولت أعداد كبيرة من العمال إلى قطاع الخدمات.

هذه المشكلة شبيهة بالمشكلة التي ظهرت في بدايات القرن العشرين، عندما أجبر النمو السريع في قطاع الإنتاج الزراعي العمال على التحول من المناطق الريفية إلى مراكز الإنتاج الحضرية. ومع تراجع مداخيل عمال القطاع الزراعي بأكثر من 50% بين عاميْ 1929 و1932، كان من الممكن توقع حدوث هجرة واسعة.

لكن العمال ظلوا "عالقين" في الأرياف، بسبب عدم توفر الموارد اللازمة لانتقالهم إلى المراكز الحضرية. وفي ظل تراجع مداخليهم تراجع الطلب الكلي، مما أدى إلى صعود معدلات البطالة الحضرية والإنتاجية.

بالنسبة لأميركا وأوروبا، فإن حاجة العمال لهجرة القطاع الصناعي عززتها التحولات في "الميزة النسبية": فعدد الوظائف في القطاع الصناعي ليس محدودا على مستوى العالم فحسب، وإنما هي وظائف محلية في مجملها رغم قلتها.

العولمة كانت عاملا (مجرد عامل) آخر أسهم في بروز المشكلة الرئيسية الثانية، المتمثلة في تفاقم اللامساواة. فانتقال الدخل ممن ينفقون إلى من لا ينفقون يقلل الطلب الإجمالي. وبنفس الطريقة، فقد أدى الارتفاع الكبير في أسعار الطاقة إلى تحول القدرة الشرائية من الولايات المتحدة وأوروبا إلى الدول المصدرة للنفط التي دفعها تقلب أسعار صادراتها من الطاقة إلى اكتناز قسط كبير من مداخيلها.

أما المشكلة الأخيرة التي أسهمت في إضعاف الطلب العالمي، فهي قيام الدول الناشئة بتكوين احتياطيات ضخمة من العملة الصعبة، وهو سلوك يعود جزئيا إلى سوء إدارة صندوق النقد الدولي والخزينة الأميركية لأزمة شرق آسيا المالية عام 1997-1998. أدركت هذه الدول أنها ستفقد سيادتها الاقتصادية بدون احتياطيات صعبة. صحيح أن هذه الاحتياطيات الصعبة (المقدرة بنحو 7.6 تريليونات دولار في الدول النامية والناشئة) وفرت حماية لهذه الأقطار، إلا أنها تبقي في نهاية المطاف أرصدة غير مستغلة.

أين نحن اليوم من علاج هذه المشكلات؟، لو بدأنا بالمشكلة الأخيرة، فسنجد أن الدول التي كدست احتياطيات ضخمة من النقد الأجنبي، استطاعت النجاة من براثن الأزمة الاقتصادية بشكل أفضل من غيرها، ولذلك فحافز التمسك بخيار تكديس الاحتياطيات الأجنبية أصبح أقوى حتى من ذي قبل.

الأمر ذاته بالنسبة للبنوك، فبينما عاد المصرفيون يحصلون على مكافآتهم، تراجعت أجور العمال وتناقصت ساعات عملهم بصورة مطردة، واتسعت الفجوة بين الأجور بصورة أكبر.

وفوق ذلك، لم تقلل الولايات المتحدة اعتمادها على النفط. ومع عودة أسعار النفط إلى الارتفاع متجاوزة 100 دولار للبرميل هذا الصيف (وهي لا تزال ترتفع)، نجد أن الأموال تنتقل مرة ثانية إلى الدول المصدرة للنفط، في وقت يسيطر فيه البطء على إيقاع التحولات الهيكلية في الاقتصادات المتقدمة التي تفرضها الحاجة إلى انتقال العمال من قطاعات الإنتاج التقليدية.

المخرج

تلعب الحكومات دورا محوريا في تمويل الخدمات التي يحتاجها الناس كالتعليم والرعاية الصحية، ولذلك فإن تمويل الدولة لمرفقيْ التعليم والتدريب عنصر حاسم في استعادة أوروبا والولايات المتحدة لقدرتيهما التنافسية. غير أن كلا منهما تعيش اليوم مرحلة تقشف غير مسبوقة، مما يعني أن عمليات التحول التي تمر بها اقتصاداتهما ستكون بطيئة.

علاج علل الاقتصاد العالمي مرتبط بصورة مباشرة بالتشخيص، وركيزة وصفة العلاج هذه هي: إنفاق حكومي قوي بغية تسهيل إعادة الهيكلة، والحض على ترشيد استهلاك الطاقة، ومحاربة اللامساواة، وإصلاح النظام المالي العالمي بما يوفر بديلا لتكديس الاحتياطيات الأجنبية.

في نهاية المطاف، سيدرك قادة العالم ومن ينتخبونهم هذه الحقيقة. لكن مع استمرار تضاؤل فرص نمو الاقتصاد العالمي، تضيق الخيارات عليهم شيئا فشيئا، وإلى أن يدركوا هذه الحقيقة وقبل أن يشفى اقتصاد الكون من علله، تكون شعوب الدول المأزومة قد عانت الكثير وفقدت الكثير.

اخبار ذات صلة
مَا زلتِ لِي عِشْقاً
2017-01-16T14:45:10+02:00