وسام عفيفة
تحمل صفقة تبادل الأسرى "وفاء الأحرار" أبعادا مختلفة تتجاوز الزمان والمكان لان نتائجها سوف تظهر على المدى القريب والمتوسط على الأقل.
من بين الأبعاد المهمة للصفقة تأثيرها على البنية القيادية والهيكلية المستقبلية لحركة حماس التي حازت على نصيب الأسد من القيادات الأسيرة التي تضمنتها الصفقة, حيث تتهيأ الحركة لاستقبال عدد من الرموز والكوادر التي شاركت في تأسيس بنيانها التنظيمي والعسكري.
فيما تضيف التجربة الاعتقالية رصيدا إلى تركيبتهم ضمن إطار تربوي وبنيوي صلب هو امتداد لفكر وطبيعة تركيبة جماعة الإخوان المسلمين التي تعتبر حركة حماس امتدادا لها في فلسطين.
الأبعاد التنظيمية والقيادية للصفقة
وبنظرة إلى أسماء القيادات الحمساوية التي سيجري إطلاق سراحها, يتضح أنها موزعة على فترات زمنية مختلفة من عمر الحركة تضم الرعيل الأول الذي شارك في انطلاق حماس مثل القائد يحيى السنوار, الذي يعد من القيادات الأمنية الاولى حيث عمل عل تأسيس جهاز الامن ’مجد’ بجهد مشترك مع روحي مشتهى, وقد تم اعتقالهما في بداية الانتفاضة الاولى 1988.
وتضم قائمة المحررين أيضا قيادات من الجيل الثاني والثالث من عدة صفوف شكلت نواة خلايا عسكرية في الضفة وغزة نهاية الثمانينات وخلال التسعينات تتميز بارتباطها بسلسلة تنظيمية متصلة في عمق الحركة, مما ساهم في حفاظها على ديمومتها منذ انطلاقتها رغم تعرضها لموجات من الاعتقالات والإبعاد والاغتيال.
وتبدو المهمة الملحة خلال مرحلة ما بعد "التحرير" إعادة تصميم الصفوف القيادية في الحركة بطريقة تسمح باستيعاب الكوادر المحررة رغم غيابها عن إطارها التنظيمي قسرا بفعل الاعتقال.
لكن ما يساهم في تسهيل مهمة الاستيعاب والدمج هو أن القيادات الأسيرة لم تكن بعيدة تماما عن الفعل والقرار التنظيمي, بل شكلت الحركة الأسيرة في حماس جزءا رئيسا من التركيبة التنظيمية وهي ممثلة في مؤسساتها الشورية والسياسية تبعا لظروفها, بل إن بعض القادة داخل السجون شكلوا خلايا عسكرية في الخارج من خلف القضبان وأعادوا تشبيك الخطوط المقطوعة بفعل الضربات الأمنية (الإسرائيلية), ووصل الأمر حد المساهمة في المنظومة الأمنية للحركة والإشراف على عمليات عسكرية, وهو ما يفسر إعادة الاحتلال محاكمة بعض القيادات بصورة متكررة على فترات زمنية مختلفة.
حماس وحرب الاستنزاف
وما يجعل صفقة الأسرى ذات قيمة عالية لحماس على صعيد البنية والقيادة والتنظيم هو أن الحركة تعرضت لحالة استنزاف في صفوفها القيادية على مدار سنوات منذ نشأتها ومرت بمراحل مواجهة مع الاحتلال وصلت حد كسر العظم, ويمكن تلخيص أبرز الضربات التي تعرضت لها الحركة عبر مسيرتها واستنزفت صفوفها القيادية على النحو التالي:
قبل انطلاق الحركة رسميا وعلنيا في نوفمبر 1987م، مرت قيادتها بعدد من الضربات على أيدي العدو المحتل حينما اكتشف العدو التنظيم العسكري المسلح الذي كان شيخ الشهداء أحمد ياسين يحاول تأسيسه عام 1982م وحكم على ياسين بعدد كبير من الأعوام.
- بعد انطلاقتها بفترة قصيرة تلقت من العدو ضربة قاصمة غيبت اغلب قياداتها خلف القضبان، في محاولة لوأد هذه الحركة الوليدة.
- تعرضت لأكبر عملية إبعاد جماعي قسري غير مسبوقة في التاريخ الفلسطيني شملت نحو 418 من قيادات وكوادر الانتفاضة معظمهم من قيادات حماس.
- بعد دخول القضية الفلسطينية نفق أوسلو تعرضت حماس لأشرس وأقوى حملة قمع وترويع في تاريخها وزج بالمئات من قيادتها وكوادرها في سجون السلطة.
- بعد انطلاق انتفاضة الأقصى العام 2000م تلقت قيادتها ضربات موجعة لاستئصالها أطاحت برؤوس اغلب قيادتها التاريخية وعلى رأسهم الشيخ ياسين والرنتيسي والمقادمة وابو شنب وشحادة وأبو الهنود والجمالين والعشرات من القيادات والكوادر.
- ومع دخول حماس الى السلطة والحكم بعد فوزها بأغلبية العام 2005 أجبرت الحركة الى الدفع بقيادتها من الصف الاول لتولي مناصب قيادية في الحكومة والمجلس التشريعي ما شكل عبئا إضافيا على كاهل الاطار التنظيمي وشكل حالة استنزاف ولكن باتجاه يختلف عن العمليات العدائية.
ولهذا تمثل الصفقة فرصة لتعوض الحركة ما فقدته في معركة استنزاف طويلة مما سيتيح إعادة التوازن للحركة ويعينها على حمل الأعباء القادمة.
وقد لعبت التطورات السياسيَّة أيضًا دورها في رسم مسارات الحركة الأسيرة، ففي البداية كانت غالبية الأسرى من حركة فتح وفصائل منظمة التحرير، وبعد الانتفاضة الأولى تزايدت نسبة الأسرى والمعتقلين الإسلاميين، وخصوصًا من حركتي حماس والجهاد الإسلامي في فلسطين.
وبعد عملية أوسلو في مطلع التسعينيات، بدأت الكفة تميل لحساب معتقلي حركة حماس، كما تطورت الحركة الأسيرة من مقاتلين فحسب، لتشمل مختلف ألوان طيف الشعب الفلسطيني.
قيادات سياسية وعسكرية وأمنية
تمثل السجون عبر تاريخ الثورة الفلسطينية المخزون النضالي على مختلف المستويات حيث تعرض ربع الشعب الفلسطيني لتجربة الاعتقال, وتتميز حماس بخصوصية في هذا الجانب نظرا لأنها فقدت اكبر شريحة من القيادات المؤسسة والوسطى والميدانية في مختلف المجالات العسكرية والأمنية خلال فترة زمنية متصلة, منذ انطلاقتها في العام 1987.
ورغم النقلة النوعية في الجانب العسكري واتساع جماهيريتها والمراحل التي طوتها بسرعة في هذا الجانب خلال الأعوام الأخيرة, فان استغلال الخبرات التراكمية من القيادات المحررة سوف يشكل رافعة إضافية باتجاه استثمار الخبرات وتطويرها, وربما تتيح الصفقة -للمرة الأولى في تاريخ الحركة- إمكانية أن يجتمع هذا العدد من قيادات الحركة خارج السجن ضمن حالة نادرة من تواصل الأجيال التنظيمية.
وسيكون على رأس أولويات القادة المحررين تحويل قضية الإفراج عن الأسرى إلى هدف مركزي نظرا للتجربة القاسية والمريرة التي مروا بها, خصوصا أنهم يعتبرون أن ثمة دين في أعناقهم للأسرى الذين تركوهم خلفهم بعد أن آثر بعضهم انجاز الصفقة على أن يكون اسمه سببا في تأخيرها.
إن التجارب السابقة لقيادات حماس التي خرجت من الأسر خلال سنوات ماضية تثبت إلى أي مدى يمكن أن تؤثر هذه القيادات المحررة في مسار الحركة, ابتداء من مؤسسها الشيخ الشهيد احمد ياسين الذي أمضى 10 سنوات في الأسر, مرورا بالقيادي في كتائب القسام احمد الجعبري احد مهندسي الصفقة, والشيخ صلاح شحادة الذي استطاع أن ينقل الجناح العسكري نقلة نوعية, فيما شكلت قيادات الحركة السياسية المحررة رافعة في مسيرة النشاط السياسي والتنظيمي ومن ابرز هذه القيادات الشهيد د. ابراهيم المقاومة والشهيد المهندس إسماعيل أبو شنب.
توزيع القيادات في الساحات
ورغم أن التوزيع الجغرافي للقيادات المفرج عنها سوف يظهر تأثيره في قطاع غزة بصورة رئيسة -كونها معقل الحركة الأكثر استقرارا ونقطة الارتكاز الأساسية- مقابل الظروف الأمنية الصعبة في الضفة الغربية لناحية القمع الذي تواجهه سواء من قبل أجهزة امن الاحتلال أو أجهزة السلطة.
وأمام الشروط التي تضمنتها صفقة التبادل التي تنص على الافراج عن أسرى الضفة والقدس إلى غزة والخارج, فان ساحات الحركة خارج فلسطين سوف تحصل على مدد من القيادات يساهم في حل مشكلة الفقر في الكوادر الذي تعانيها نظرا لان حماس حركة فلسطينية المولد والتواجد والتنظيم, فيما تبقى الضفة الغربية احد أهم الساحات التي حرص الاحتلال والسلطة من خلال شروط الصفقة ألا تساهم بتمكين حماس من ترميم بنيتها التحتية ويتضح ذلك من الإصرار على إبعاد نحو 40% من أسرى الضفة المفرج عنهم إلى الخارج, إضافة إلى القيود المفروضة على من سيعودون إلى منازلهم.
ومهما يكن فان صفقة الأسرى تعوض الصفوف القيادية المستنزفة لحماس عبر مسيرة صراعها مع الاحتلال.