القدس المحتلة –الرسالة نت
غلب الطابع العسكري على الاجتماعي في حياة الإسرائيليين، وللوهلة الأولى عندما يسألك أحدهم عن المجتمع الإسرائيلي، تكون الإجابة الأولى كلهم جنود وعسكريون.
التقرير التالي، يتحدث عن رئيس لجنة الخارجية والأمن في الكنيست الإسرائيلي "تساحي هنغبي"، والذي من المفترض أن تكون مهمته مدنية خلف الطاولة بعيدا عن حمل العتاد ومحاربة الفلسطينيين بالسلاح.
وينقل الموقع الإخباري الإسرائيلي "وللا" تفاصيل ما يرِد في التقرير التالي، على لسان "هنغبي" نفسه، عندما خرج لتنفيذ عملية عسكرية مع إحدى كتائب المظليين لاعتقال أحد مطلوبي حماس بالضفة الغربية.
"بدأَت في الطابق السادس تنتابني حالة من الشك والخشية عمّا إذا كان من الخطأ الاستجابة لاقتراح مغري وملفت للانتباه، لقد باتت النفس غير مطمئنة وغير هادئة.. طابقين قبل الوصول إلى المكان، وقد كنت أشعر بآلام في الأقدام التي بدأت تُرسِل إشارات ضيق وعدم ارتياح".
كان بودي أن أتجاوز قائد الكتيبة الذي كانت خطواته سريعة، ولكن دون جدوى في ذلك المبنى المتعدد الطوابق في مدينة نابلس.
في الطابق التاسع تم إلقاء القبض على أحد مطلوبي حماس، بعد أن اقتحم جنود من وحدة المظليين البيت في تمام الساعة الثالثة فجرا، والتي كان بداخلها المطلوب الذي تفاجأ بالجنود.
وعندما سألني الضابط عمّا إذا كنت قادرا على الصعود 9 طوابق، تجنبت الإحراج وأجبته بنعم، مع أنني قد فارقت صعود الطوابق منذ 20 عاما.
إنني أحاول أحيانا أن أُعيد اللياقة إلى جسدي في غرفة التمارين التابعة للكنيست، من أجل تهيئة النفس لهكذا مهمة، ولكن في نهاية الأمر، اتضح أنها فعلا مشكلة، لأن الجري والتمارين في غرفة لياقة الكنيست التي تعج بالمكيفات المركزية والموسيقى، تختلف عن ممارسة أي مهمة على أرض الواقع الميداني الفعلي، حيث صعود الطوابق المظلمة وأنت محمّل بالأسلحة والعتاد والملابس العسكرية، وخاصة حذاء المظليين الذي ارتديته آخر مرة قبل 10 سنوات.
لقد كنت مسرورا جدا عندما عُرِض علي أن أخرج ليوم واحد، لأكون مع كتيبة المظليين 202، وهي تلك الكتيبة التي خدمت فيها في الجيش، وقد ازدادت فرحتي بأن هذا اليوم وليلته ليس ليلة عادية، وإنما هناك مهمة صعبة قد أُلقيت على عاتق الكتيبة، وهي إلقاء القبض على أحد مطلوبي حماس المسلحين، والذي أُطلِق سراحه قبل وقت قصير من السجون الإسرائيلية، وعاد لبيته في نابلس لممارسة نشاطاته ضد إسرائيل.
الكتيبة والتي تواجدت منذ أشهر في الضفة الغربية، أتمّت استعداداتها من أجل تلك المهمة، بالاشتراك مع وحدة المستعربين "دفدوفان" وعناصر المخابرات، وقد تم اختيار الساعات القريبة من الفجر لتنفيذ العملية، وقد طُلِب مني التواجد في الموقع العسكري القريب من مستوطنة "ألون موريه" قبل الساعة العاشرة مساءً.
وقد وصلت في الوقت المتفق عليه، حيث استقبلني هناك قائد الكتيبة وقائد الكتيبة المساندة، ولم يمر وقت طويل حتى قام بتوجيهي إلى ما هو مطلوب، حيث أُوكِل إليّ مهمتان، وحصلت على المعدات المطلوبة، وتم اختباري على إطلاق النار في المكان المتاخم للموقع.
وحسب ما أذكر أنه في المرة الأخيرة التي دُعيت فيها لخدمة الاحتياط قبل تعييني وزيرا للعدل في عام 1996، ومنذ ذلك الحين لم أحمل سلاحا ولم أرتدي ملابس عسكرية، وكان الأمر بالنسبة لي شيئا غريبا أن أنتعل مرة أخرى حذاءً أحمر.. إنها لحظات لا تُنسى.
لقد تغيّر كل شيء، فبعد أن كان هناك M16 طويلة، أصبح هناك أنواع أخرى متطورة أصغر حجما، بالإضافة إلى أجهزة الرؤيا الليلية التي لم تكن متوفرة آنذاك، فكل ذلك جعلني قناصل مؤهل ومُدرَب من جديد، بالإضافة إلى أن الأشياء التي حدثت بعد ذلك، كانت بالنسبة لي أشياء جديدة، مقارنة بذكريات الماضي.
وبعد الانتهاء من عملية إطلاق النار على حجارة صُوِّرت وكأنها عناصر معادية بغرض التدريب، حان الوقت لسماع التعليمات القادمة بخصوص مهمة الليل، فقد قال لي قائد الحملة "سأُحضر جهاز الحاسوب، وأُبيّن لك كل شيء على طبيعته، فكل شيء عندنا محوسب ومدروس، خرائط، طرق الحركة، معلومات عن المطلوب، طواقم القوات، الأماكن التي من الممكن أن يتواجد بها المطلوب، وعلى كل فرقة أُنيطت خطة عمل معينة في حال تواجد المطلوب في المنطقة التي تقع تحت مسئوليتها، وكما أسلفت كل شيء محوسب".
وعندما اقتربت الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، كانت جميع الاستعدادات، قد استكملت تماما، وقد انتهى الجنود من التدريب على الأهداف التي أُنيطت بهم.
وقد انضممت إلى مجموعة قيادية "صف ثاني" والتي عينها قائد الكتيبة، وبعد أن عاد من مكتب قائد اللواء للتصديق على الخطة، بدأ قادة الفرق بدراسة الخطة جيدا والوقوف على نقاط فشل محتملة ووضع الحلول لها، ودراسة عمليات اتصال وانقاذ.
ومع أن الساعة كانت متأخرة، إلا ان الضباط كانوا في قمة اليقظة وكأنهم في عمل يومٍ جديد من السيطرة والتوجيه واليقظة إلى آخره، وقد وضعت الخطة بشكل مُحكم، بحيث لا يستطيع أحد أن يُلاحظ نسيان أي شيء، وستُعطى إشارة عند وصول كل نقطة تقريبا إلى المكان الذي يُعتقد وجود المطلوب فيه.
وبهذا تنتهي كل عملية الإعداد وينصب القادة والضباط إلى وحداتهم لوضع اللمسات الأخيرة للعملية، وكان الاعتقاد السائد هو التخوف من أن يقرر المطلوب ان ينام هذه الليلة في مكان يقع تحت مسئولية فرقة أخرى، وهذا ما حدث، حيث بعد دقائق معدودات، وصلت إلينا الأخبار المُحبِطة التي تفيد بأن عناصر المخابرات العامة استطاعوا العثور على المطلوب وإلقاء القبض عليه بالتعاون مع فرقة أخرى، وهي الفرقة التنفيذية للعملية.
لقد كان خبرا مخيبا للآمال، وقد ظهر ذلك على وجوه الفرقة المساندة،، إنني أذكر تلك المشاعر التي سادت على وجهي وعلى وجوه الجنود، عندما جاء قرار إلغاء التحرك إلى المكان بعد تلك الإعدادات والاستعدادات.
إنها علامات تؤكد على أن الجنود دائما على استعداد لتنفيذ كل المهمات المنوطة بهم، مهما كانت صعوبتها وأن يفوا بالوعود التي جُنّدوا من أجلها.
وبعد ذلك صعدت لمركبة قائد الفرقة ضمن موكب قائد الكتيبة، متجهين إلى المكان مرورا بشوارع نابلس الخالية، وبعد 20 دقيقة وصلنا إلى هناك، وقد عام عناصر المخابرات بإطلاعنا على ما حدث وكيفية العثور على المطلوب، وأن العملية تمت دون حدوث أي خلل يُذكر.
وأخيرا وصلتُ شخصيا إلى بيت المطلوب، الذي تم نقله معصب العينين، وباقي سكان البيت جلسوا في الصالون بطمأنينة خالصة وكأنهم تعودوا على مثل هذه الليالي، وقد بدأ الجنود بأعمال التفتيش في البيت بدقة متناهية ولكن دون جدوى، وقد انتهت المهمة عند الساعة الرابعة فجرا، حيث عُدنا إلى قواعدنا سالمين.
وهكذا انتهت تلك الليلة الخاصة مع فرقة المظليين المساندة التابعة للكتيبة 202.