قائمة الموقع

لماذا قبلت "إسرائيل" بصفقة تبادل الأسرى؟

2011-10-22T11:32:14+02:00

بقلم: إبراهيم المدهون

فاجأ الاحتلال الإسرائيلي العالم بتوقيع اتفاق تبادل الأسرى بينه وبين حركة حماس، وأعقبها حالة ذهول غربي ودولي، و سيطرت الدهشة والصدمة على بعض القيادات الفلسطينية، بعد مراهنتها الطويلة على عدمية العمل المسلح ضد الاحتلال، واعتبرت وجود جندي إسرائيلي بيد المقاومة عملا كارثيا ومضرا بالشعب الفلسطيني.وعلى مدار اسر الجندي بررت كل عدوان صهيوني كنتيجة لأسر الجندي

 
فلم يتوقع احد منهم رضوخ الاحتلال بعنجهيته وقوته المتراكمة بهذه السهولة للمقاومة الفلسطينية، ويخرج مئات من الأسر مئات الرجال ممن حكم عليهم بأحكام خيالية تدعوا للضحك في بعض الأحيان، فحينما نسمع أن احد الأسرى محكوم عليه بمائة عام وآخر بألف، إنها أحكام استبدادية تحمل في طياتها عقدة نفسية لدى العقلية الإسرائيلية اتجاه الأسرى الفلسطينيون واتجاه وجودهم الطارئ.


وبالفعل تمت الصفقة، واضطر السجان فتح أبواب المعتقلات لخروج مئات الخطرين على كيانه بدون قيد او شرط، ووجدنا القيادة الأمنية والسياسية الإسرائيلية تبتلع كلامها بعد تأكيدها مرارا وتكرارا أنها لن تخضع لشروط الفلسطينيين، لهذا كان السؤال لماذا قبل الاحتلال هذه الصفقة؟


وللإجابة على هذا السؤال علينا التوغل قليلا في التركيبة السياسية والاجتماعية لهذا الكيان، فالمجتمع الإسرائيلي معقد بسبب تركيبته غير المتجانسة، فهو كيان وجد خارج الرحم الطبيعي، وأسس على كذبة سياسية ودينية، ومع نمو الكيان وسط بيئة محيطة تلفظه ازدادت تعقيداته شيئا فشيئا، واعقد ما فيه حالته الأمنية الخاصة المختلفة عن غيره، فـ"إسرائيل" عبارة عن ثكنة عسكرية،  ركيزتها وعمودها الفقري الأمن والشعور بالقوة والمنعة، فشعبها يخضع لعملية تجنيد إجباري طوال حياته، وقادته السياسيين هم جنرالات جيش ومخابرات على أعلى مستوى في حقيقة أمرهم وان لبسوا الزى المدني.


والإعلام الإسرائيلي امني بامتياز، فرجال المخابرات يحركون المؤسسات الإعلامية الهامة، وعناوين الصحف تدقق بشكل مباشر من مكاتب الموساد، ورؤساء الحكومة في علاقة مفتوحة مع كبار النخب الإعلامية، لهذا التحرك الإعلامي في الكيان الصهيوني مخطط لا عفوي.
قضية الجندي الأسير وعلى مدار الخمس سنوات الماضية شكلت نقطة واضحة للضعف الإسرائيلي، واختراق في جدار جيشه، بالإضافة للارتباك الإعلامي القاصر عن لعب دور مهم جراء اختفاء الأسير من جهة، ولإخفاء ضعف المنظومة الصهيونية من جهة أخرى، خمس سنوات والقادة الصهاينة في حالة شلل أمام مصير الجندي شاليط، فيشعرون بالمهانة مع كل يوم ، ورجال الأمن والموساد يزداد شعورهم بالخيبة مع كل لحظة تمر، وأصبح وجود شاليط يشكل لهم شخصيا مأزقا خاصا يؤرقهم ويحرجهم.

الجمهور الإسرائيلي اخذ يفقد شيئا فشيئا ثقته بالركيزة الأساسية للكيان المحتل وهو الأمن، فان كان جيشهم القوي واستخباراتهم المتقدمة عاجزة عن تحديد مكان احد جنودهم على بعد أمتار قليلة من أصوات دباباتهم، وفي مربع صغير من ارض محاصر أنهكها العدوان المتواصل، فمن يضمن لهم أمنهم ورغد عيشهم بعد ذلك؟


الاحتلال لم يستسلم من اللحظة الأولى لهذا المأزق، وحاول تجنبه بكل السبل الممكنة، واستخدم جميع الخيارات عبر إعلام وكتاب ونخب ومفكرين ودراسات، وأعطى لجيشه ومخابراته وقواته الفرصة تلو الفرصة لإنهاء الملف، بدئا بمحاولة اختطاف قياديين من القسام في غزة وخارج غزة، مرورا بمحاولة تجنيد عملاء وإغرائهم بالمال. فلقد أغرقت هواتف غزة بمكالمات تعرض عشرة مليون دولار لمن يدلي بمعلومة تساعد المخابرات الإسرائيلية على مكان شاليط بدون فائدة تذكر، كما استخدم الاحتلال جميع الوسائل التقنية والتكنولوجية في فن التجسس والتصنت التي وصل إليها الغرب. بالإضافة للاستعانة بمخابرات الدول الصديقة. حتى شن حرب عدوانية شرسة لمدة 22يوما، قتل فيه المئات وجرح الآلاف واستخدمت جميع أنواع السلاح بما فيه المحرم دوليا ضد مدنيين عزل. والهدف الأول هو استعادة الجندي الأسير


باختصار شديد الاحتلال فشل خلال السنوات الماضية في كل محاولاته لإنهاء ملف شاليط بعيدا عن صفقة تبادل، ولم يترك جهداً وعملاً لاستعادة أسيره بشتى الطرق العسكرية والاستخباراتية والحرب النفسية والترويع والترهيب، وبث الدعاية والترغيب. ومع كل ذلك وصل لنتيجة واحدة مفادها  انعدام التوصل  للأسير وإنهاء ملف شاليط باستخدام القوة. لهذا لم يكن أمامه إلا  قبول صفقة التبادل، وشكل الوقت عاملا نفسيا ضاغطا على القيادة الإسرائيلية، حتى تحول استمرار اسر شاليط عنوانا  لضعف وهوان وتهاوي الكيان الصهيوني في عيون أصدقائه  وأعدائه على حد سواء.
فالاحتلال لم يكن ليقوم بالرضوخ لصفقة الوفاء للأحرار لو كان هناك أمل بسيط ولو 1% بوجود إمكانية إخراج شاليط او التخلص منه في الأسر، ولكن العجز الإسرائيلي الذي أصابهم، لم يوفر لهم أي خيار آخر.

 
إن هذا هو السبب الرئيسي الذي اجبر الاحتلال على قبول صفقة الوفاء للأحرار، فأثبتت التجربة تلو الأخرى ان هذا العدو لا يعرف لغة التذلل والتمسكن، ولا يفهم التوسل عبر المؤسسات الدولية، ولا يلقي بالا لتحركات السياسية والسلمية، ولا ينصاع الا للغة القوة وحينما يشعر بالألم والندية، ولا يوجد ربط بين توجه الرئيس أبو مازن للأمم المتحدة وبين الصفقة، فكانت ستتم ان توجه ابو مازن او لم يتوجه، ، واعتقد ان الصفقة لا تضر بخطوة أبو مازن ولا تتعارض معها بل ربما تقويها، فما حدث انتصار فلسطيني بامتياز ويحسب للشعب بأطيافه وألوانه، لا لفصيل دون الآخر وكان لحماس وتعاملها الذكي مع الانجاز يرسل بعدة رسائل تطمينيه للسلطة في رام الله.


مشكلة العقلية القريبة من أبي مازن في إدراكها الضيق، وتخوفها من أي انتصار للمقاومة كتهديد لمشروعهم ووجودهم، لهذا تركوا أقلامهم ومواقعهم بطريقة بائسة لمهاجمة الصفقة والتقليل منها، والحصافة السياسية كانت تحتم عليهم استثمار الصفقة الناجحة والبناء عليها خارجيا وداخليا.


إن فشل الاحتلال الإسرائيلي في العثور على  الجندي الأسير وتحديد مكانه، وانعدام الأمل في استعادته هو السبب الرئيسي والأقوى لإتمام الصفقة، بالإضافة لبعض الأسباب المساعدة أهمها قيام ثورة 25 يناير في مصر وإسقاط نظام حسني مبارك.


فالنظام المصري الجديد محكوم بشعب ثائر في مرحلة تدقيق وتقييم العلاقة مع الاحتلال الإسرائيلي، ويترقب كل جديد، ويتطلع لدور طليعي مصري في الملفات الإقليمية، واعتقد أن جهود الوسيط المصري الايجابية كانت عاملا مساعدا مهما لإخراج الصفقة بهذا الشكل الناجح، لهذا إبرام الصفقة يحسب لمصر  في طريق استعادة دورها المحوري في المنطقة بعد تراكمات فشل النظام السابق.
عاملان رئيسيان دفعا الاحتلال للقبول بصفقة تعتبرها النخب الصهيونية تحمل في طياتها مخاطر إستراتيجية على المستوى البعيد، في الوقت الذي تحمل تأخيرها لمخاطر أخرى، وأي حديث آخر يعتبر انحراف عن واقع جديد ترسمه التحولات في الساحة الفلسطينية والعربية.

 

                                                 

 

اخبار ذات صلة