قائمة الموقع

الريس أبو رائد: نحن كالسمك نموت بلا بحر

2011-10-22T11:54:03+02:00

 

غزة – مها شهوان

في صباح يوم خريفي بارد حيث نسمات الهواء العليل وأشعة الشمس التي بالكاد ترى خيوطها الذهبية على قوارب الصيادين، يحاول الريس الخمسيني أبو رائد وشقيقه أبو ناهض فرحات نصب كوخ لهما ليضعا فيه عدة صيدهما من صنارة وشباك الصيد بأنواعه استعدادا لرحلة البحث عن الرزق.

 

"الرسالة" استقلت قارب الصيد بصحبة الشقيقين لتخوض معهما عباب البحر وتتعرف على أسراره، فهو تارة يوصف بالغدار وأخرى بالحنون رغم أنه في أحيان كثيرة يقسو عليهما ويخرجهما بأسماك قليلة.

يوم بحري

يتحلى الريس أبو رائد بصبر كبير وهو يرمي شباكه بحنكة الصياد المحترف ويتمتم "يا رب"، وبعد أن فرغ من الرمي جلس يترقب ما سيعلق بها من اسماك، ثم التفت قليلا وبدأ يتحدث عن مغامرته البحرية قائلا: منذ طفولتي آتي للبحر لممارسة هوايتي كون عائلتي تمتهن الصيد وكنت أبحر معهم للعريش، وقتها كان السمك وفيرا بعكس أيامنا هذه حيث مساحة الصيد المسموحة محدودة ومن يتعداها يطلق (الإسرائيليون) الرصاص عليه".

قطع حديثنا شقيقه الأكبر أبو ناهض ليقول: عائلتي تمتهن الصيد منذ كنا في الجورة، بلدتنا الأصلية، وحينما أتينا إلى القطاع واصل أبي وأعمامي حرفتهم، وفي عام 1967 دمر اليهود سفننا في دير البلح فذهب معظمنا للعمل داخل الخط الأخضر".

واوضح أبو ناهض الذي أحرقت أشعة الشمس وجهه كحال معظم الصيادين، أنه يخرج وشقيقه للصيد منذ الصباح الباكر ويعودا عند غروب الشمس، مشيرا إلى أنهما في بعض الأحيان يعودان دون أن يصطادا شيئا ويكتفيا بحمد الله وشكره.

خلال الحديث بدأت امواج البحر المتلاطمة تضرب الشباك بقوة، فسارع الاخوان لامساكها خشية أن تتمزق، وما هي إلا لحظات حتى عاد البحر لهدوئه ليكمل أبو رائد الحديث:" في السنوات الأخيرة ومع فرض الحصار بات البحر ملاذ الكثيرين وغدا مهنة من لا مهنة له وأصبح الشاطئ مكتظا بالصيادين".

ويروي أنه قبل 15 عاما كان بعضا من الصيادين يخرجون أبناءهم من المدارس لتعلم الصيد، لكنه هو وشقيقه وقليل من زملائهم رفضوا عمل ذويهم بالبحر، "فالدراسة أهون عليهم من هذا الشقاء".

ورغم أن العمل في البحر بحسب وصف الشقيقين متعب إلا أنهما يعتبران نفسيهما كالسمك الذي لو خرج من البحر يموت مع أنه غدر بهما كثيرا، حيث يقول أبو رائد:" في احد المرات اكتظت شباكنا بالسمك واثناء سحبنا له جاءت سمكة كبيرة  وأحدثت صوتا كالرعد" وهزت المركب وقطعت الشباك، فهربت غالبية السمك".

وذكر اسماء السمك الذي يتمركز في بحر غزة وهي "البوري والسردين والصروص والمرمير والقراضات، مشيرا إلى أن لكل نوع موسم وشبك خاص به.

معاناة وسلب الحقوق

"هيلالم يا هيلالم كان قاضي و نظلم، هيلالم يا هيلالم كبر البيت وصار اللم" كلمات جرت على لسان الشقيقين "فرحات" التي تعلماها من زملائهم الصيادين ويرددانها في البحر مع معهم لتؤنس وحدتهم".

"إن هجرك البحر دوم ما تهجروه دوم" مثل شعبي يسير عليه الصيادون حيث يعلق عليه أبو ناهض بالقول:" كثيرا ما أعود للبيت دون أن اصطاد إلا القليل ويكون رزق زملائي وفيرا، لكن مهنتنا علمتنا الصبر ودفعتنا للتمسك بالشبكة والصنارة وعدم التذمر من قلة الرزق.

ومن فوق المركب المقابل شاركنا الحديث جارهم الصياد ناصر محفوظ 47 عاما والذي قضى ما يقارب 28 في البحر، وتحدث عن العلاقة التي تربط الصيادين ببعضهم البعض قائلا وهو ينفث دخانه: نعيش كالإخوة ونسأل عن بعضنا البعض وفي حال كان رزق احدنا قليلا نساعده ونعطيه ما تجود به أنفسنا من اسماك".

وفي سؤال طرحته "الرسالة" حول الاهتمام بالصيادين وتحصيلهم لحقوقهم أجاب محفوظ بعدما تنهد تنهيدة عميقة قائلا: حقوقنا مسلوبة ولا أحد يهتم بنا وما يوفره لنا البحر من رزق يعود و يأخذه ، كوننا دائمو الشراء لشبكات الصيد التي تتمزق من فترة لأخرى".

ولم يكمل محفوظ حديثه حتى قاطع الحديث أبو ناهض راويا موقفا تعرض له قبل شهور حينما كان ينصب وشقيقه وبعض من الصيادين أكواخا لهم قبالة الشاطئ وجاء صاحب المنتجع المقابل لأكواخهم وطالبوهم بالذهاب إلى مكان آخر لكنهم رفضوا، حينها جاء رجال صاحب المنتجع واحضروا الجرافات.

ويقول أبو ناهض بغصة المظلوم: وقفت مقابل الجرافات كي امنعهم لكن السائق رفعني بجرافته لأعلى ليضعونا تحت الأمر الواقع "، مضيفا: مين سائل عن حقوقنا؟!.

ورغم ما يعانيه الصيادون من البحر وغدر أمواجه إلا أن هناك لحظات سمر تجمعهم حيث جلسات السهر ليلا وشواء الأسماك ولمة الأحباب.

اخبار ذات صلة
مقال: لن نموت بلا ثمن
2017-07-03T06:36:26+03:00
مقال: لن نموت بلا ثمن
2017-07-03T07:59:31+03:00