قائمة الموقع

المحرر صقر: سأعود إلى الجهاد

2011-10-31T16:21:59+02:00

المحافظة الوسطى - محمد بلّور

عندما رأيته للمرة الثانية تمكنت من مطابقة الصوت على الصورة, فقد كان صوته الرخيم دائما يأتيني عبر الهاتف لدقائق معدودة ثم يختفي على أمل الاتصال بعد أسابيع.

متفائل هو دائما بالمستقبل.. ومتفوق على جراح الأسر المملّحة في كل ساعة.. حتى عاد أخيرا إلى أهله وزوجه وبناته الثلاثة.

ويعيش المحرر جلال صقر في هذه الأيام عذوبة اللقاء بكل من تركهم وعاد إليهم حرّا مرفوع الرأس في صفقة "وفاء الأحرار".

وقد نال جلال حريته في الدفعة الأولى من صفقة "وفاء الأحرار" بعد أن حكمه الاحتلال بثلاثة مؤبدات بدأت سنة 1990 وانتهت قبل أسبوعين.

الإيمان بالحرّية

في غرفة الضيافة بمنزله يعيد جلال على مستمعيه حكايات بنسخة أصلية ظلت حبيسة معه طوال عشرين سنة ونالت الحريّة معه الآن.

ويمازحه كثير من المحررين والأصدقاء لأنه ظل مرتديا بزّته العسكرية طوال الأيام الماضية، فيرد بأنه فخور بانتمائه لكتائب القسام.

وقال جلال لـ"الرسالة": "صاحب الإيمان والقضية دائما عنده أمل بالحرية.. لكن خطف شاليط جدد الأمل وقد أراد الله أن يكون هذا سببا للإفراج عنا".

ووصف معظم قرارات الإفراج التي جرت أثناء عهد سلطة أوسلو بأنها تمت بموجب سلام هزيل مع سلطة عباس الهزيلة.. كما قال.

محطات..

وكنت كلما اتصل بي المحرر جلال صقر من داخل سجن نفحة وسألني عن "فلان أو علان" وقلت له لم أره منذ فترة أجاب بالتالي: "خلص اليوم بأروح عليه".

دققت عدة مرات بإجابته وعلمت أن الأسير يجد في الهاتف الخلوي عالما من التواصل مع الناس في الخارج، وأدركت أن الحرّ ليس من هو خارج السجن بل الحرّ هو صاحب الفكر السليم والواضح.

وكنت أرخي السمع لتلك الهمهمة داخل حجرة السجن التي تنقلها الموجات اللاسلكية والتي تعود للمحررين: "خميس عقل وناصر دويدار وأبو نضال حسان"، وآخرين أنعم الله عليهم بالحرية قبل أسبوعين فقط.

وعن أصعب ما عاشه أضاف: "كانت أصعب محطات سجني هي يوم استشهاد شقيقي نائل سنة 2002 فقد كان الخبر في البداية كالصاعقة لكني حمدت الله، ثم كانت أخبار استشهاد القادة الياسين والرنتيسي صعبة للغاية لأننا عشنا معهم داخل الزنازين وداخل السجون".

ويرى صقر أن الأسير يعيش حالة من التفاعل المستمر مع العالم الخارجي عبر متابعة الإذاعات المحلية والتلفزيون والاتصال المتاح.

الأمل..

وعندما طلبت رؤيته قبل أيام ردت زوجه على الهاتف الخلوي وقد بدا صوتها أحسن حالا فقد ألفت شخصيا أن أتحدث مع أزواج الأسرى وأهاليهم وأعلم تماما مدى التباين في الأصوات قبل التحرير وبعده.

صبرت زوج جلال وربت بناتها الثلاثة وزوجتهن وجلال أسير، وعندما نال حريته وجدها قد أحسنت التربية وهي ما زالت ترقب عودته.

وفي ليلة أسر الجندي الإسرائيلي شاليط لم يصدق صقر وإخوانه أنفسهم.. هللوا وكبروا ووزعوا الحلوى وبخاصة أن موجة الاغتيالات التي تواصلت عبر سنوات الانتفاضة أزعجتهم كثيرا.

وعن حياة السجن تابع: "يعاني الأسير من كثير من المنغصات أهمها العزل أو السجن بالقرب من مساجين مدنيين إضافة للإهمال الطبي وكثير من الأشياء".

لمعت في عيني صقر أول ما نال الحرية مشهد لن ينساه ألا وهو غزة وهي تتزين بجنود القسام المنتشرين طوال الطريق.

ويصف شعوره يوم الحرية بالقول: "كان يوما عظيما عندما رأيت أبناء شعبي في استقبالي وكأن العشرين سنة التي أسرت فيها كأني لم أسجن ساعة (...) أبارك جهود كل من ضحى من أجلنا".

ولعل التغير الثاني الذي أثار انتباهه هو الحكومة الفلسطينية الحالية في قطاع غزة والتي تعني الكثير له ولإخوانه المحررين.

وتفاجأ جلال بتغييرات كبيرة في مخيم النصيرات والأشخاص وبخاصة الجيران والأسرة الذين غاب عنهم لفترة طويلة وبقيت ذاكرته محتفظة بما هو قديم.

عندما يجلس مع نفسه لا يتخيّل أنه ترك أسرى داخل قبضة الاحتلال عاش معهم لسنين طويلة.. فيضيف: "افتقدت أول شيء إخوة أعزاء تمنيت أن يكونوا معنا في صفقة التحرير، وافتقدت أيضا كثيرا من أهلي وكم تمنيت أن يستقبلني شقيقي الشهيد.. لكن أتمنى أن أراه عند الله, وكم تمنيت رؤية القادة المؤسسين الشهداء".

خطتي للمستقبل

يبدو جلال واثقا بحركة حماس وكتائب القسام وهو لا يملّ من مدح صنيعها وحسن مقاومتها التي أجبرت الاحتلال على إطلاق سراح الأسرى.. وتابع: "الاحتلال كعادته لم يتعلم من تجاربه السابقة وهو دائما يجدد النيّة لدى المقاومة للعمل دائما على تحرير الأسرى المتبقين داخل السجون".

وسألت "الرسالة" جلال عن خطته للمستقبل فأجاب: "ما خرجت إلا لأمرين: الأول رؤية الأهل والأقارب وأبناء وطني –يبتسم قائلا تصريحا خطيرا- ثم العودة إلى الجهاد في سبيل الله مرة أخرى".

ويمتاز المحرر جلال صقر بأنه شخص اجتماعي يحبه كل من عرفه؛ فهو دائم السؤال عن الكبار والصغار ويحسن نسج العلاقات مع شرائح المجتمع كافة.

واليوم آن أوان الاستماع لحكاية المقاومة في المجموعة الأولى من كتائب القسام التي عمل بها على لسانه بعد أن نشأ الجيل الصغير على متفرقات مما قيل عنه وعن زملائه وليد وخميس عقل والشهيد طارق دخان وآخرين.. فدائما للقصة بقيّة.

اخبار ذات صلة